هل تغير أمريكا سياستها مع اتجاه دول الخليج للحوار مع إيران؟
في مقال الرأي الذي نشره في "واشنطن بوست" قبل رحلته إلى إسرائيل والسعودية، قال الرئيس الأمريكي "جو بايدن" إنه يعتزم إعادة تأكيد الحضور الأمريكي، مشيرا إلى أنه أعاد إيران إلى وضعها المعزول.
ولا تزال إدارة "بايدن" مصممة على استراتيجية عزل طهران، والتي كانت الاستراتيجية السائدة منذ الثمانينات. وفي العقود الأربعة التي تلت ذلك، انتقلت الإدارات الأمريكية اللاحقة من "الاحتواء المزدوج" إلى احتواء "محور الشر" في حقبة ما بعد 11 سبتمبر/أيلول، مع تغيير طفيف في كيفية النظر إلى إيران والتعامل معها.
في حين أن حملة "أقصى ضغط" التي أطلقتها إدارة "ترامب" تعرضت لانتقادات شديدة من قبل الكثيرين باعتبارها غير فعالة أو حتى تأتي بنتائج عكسية، إلا أنها لم تختلف بشكل كبير عن سياسة الولايات المتحدة في العقود السابقة في أي شيء آخر غير اللهجة والشدة.
وبالمثل، فإن سياسة "بايدن" تجاه إيران والمنطقة تتبع نفس الخطوات. ومثلما نجحت قمة "ترامب" في وارسو حول السلام والأمن في الشرق الأوسط في فبراير/شباط 2019 في إثارة تصعيد من جانب إيران كرد على عزلها، فإن مبادرات "بايدن" الأمنية المقترحة بين إسرائيل والدول العربية ستؤدي إلى زيادة التوترات وربما تؤدي إلى صراع عسكري صريح في المنطقة.
وقد يؤدي الشعور بالاستبعاد إلى القضاء على أي استعداد إيراني لخفض التصعيد الإقليمي والتعاون الاقتصادي، ودفع طهران في نهاية المطاف نحو السياسات التي تعارضها الجهات الفاعلة الإقليمية الأخرى.
وستستمر استراتيجية واشنطن في دفع إيران إلى عدم التعاون مع القوى الخارجية التي تضغط عليها وتعظيم قدراتها الاقتصادية والعسكرية وتركيز طاقتها على بناء علاقات مع الدول التي لا مصلحة لها في المشاركة في حملة الضغط.
وفي الواقع، هناك فرصة هائلة لعكس اتجاه هذه الاستراتيجية غير المجدية. ومن الواضح أن العديد من الدول الإقليمية بدأت السير في اتجاه مختلف، كما يتضح من جهودهم لإشراك إيران دبلوماسياً في أعقاب الفترة المضطربة التي مرت بها المنطقة في عامي 2019 و2020 بالرغم من حملة الضغط الأمريكية على طهران.
وتوضح التطورات الجيوسياسية الأخيرة في الشرق الأوسط أن السبب الرئيسي للتوترات والذي كان يعطل الدبلوماسية الإقليمية هو الإقصاء. ومن الواضح أن دول المنطقة بدأت تدرك هذا وأن المسار الحالي للتوترات المتقلبة والمتكررة لا يمكن أن يستمر.
على سبيل المثال، يشير تسارع وتيرة الزيارات المتبادلة بين الإمارات وإيران والعودة المحتملة لسفيريهما إلى اعتراف أبوظبي بضرورة التواصل الدبلوماسي مع طهران. وفي حين أن هناك دافعًا لتطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل، فإن الرياض نفسها تتواصل دبلوماسيًا مع طهران أيضًا.
ويجب أن تخلق هذه التغييرات في نظرة شركاء الولايات المتحدة مساحة كافية لصانعي السياسة في واشنطن لإعادة النظر في آرائهم أيضًا، وتحديداً افتراضاتهم حول حتمية النزاعات والأزمات في المنطقة.
ويظل الاتفاق النووي نقطة البداية الأكثر منطقية لفك تشابك العلاقات الدولية والإقليمية المثيرة للجدل بالنسبة لإيران وبناء إطار عمل يستهدف خفض التصعيد في المجالات الإقليمية الأخرى. وقد أصبح الاتفاق حالة اختبار لأي تقارب محتمل بين الولايات المتحدة وإيران، لكن الديناميكيات المتطورة في المفاوضات تشير أيضًا إلى ملاحظات أخرى.
فبالرغم من الموقف السلبي من الاتفاق في البداية، أبدت جميع دول مجلس التعاون الخليجي، بما في ذلك السعودية والإمارات، اهتمامًا الآن بإحياء الاتفاق للحد من البرنامج النووي الإيراني وزيادة مشاركتها الاقتصادية مع طهران.
وأدركت دول مجلس التعاون الخليجي أهمية تهدئة التوترات بين الولايات المتحدة وإيران في المنطقة، والمكاسب السياسية والعسكرية والاقتصادية التي يمكن تحقيقها مع تخفيف العقوبات الأمريكية ضد إيران.
وقد أظهرت هذه الدول رغبة في تعزيز العلاقات الاقتصادية مع إيران بمجرد رفع العقوبات. وفي أحد الاجتماعات، أعلنت دول مجلس التعاون الخليجي أن "تعزيز الحوار الإقليمي والعودة إلى الاتفاق من شأنه السماح بمزيد من الشراكات الإقليمية والتبادل الاقتصادي". وتعد هذه النبرة الجديدة مهمة ويجب أخذها في الاعتبار في سياسة الولايات المتحدة تجاه المنطقة.
وفي مقال "واشنطن بوست"، تحدث "بايدن" عن فوائد "شرق أوسط أكثر أمانًا وتكاملاً"، وكيف أن "الممرات المائية ضرورية للتجارة العالمية وسلاسل التوريد" و"موارد الطاقة حيوية للتخفيف من تأثير حرب أوكرانيا على الإمدادات العالمية". كما اعترف بأن "الأفضل للمنطقة هو التعاون من خلال الدبلوماسية بدلاً من التفكك من خلال الصراع". لكن يبدو أن هذه الكلمات لا تنطبق على إيران.
ويواصل "بايدن" النهج الإقصائي وعقوباته وسياسة الاحتواء متعددة الطبقات التي استمرت لعقود والتي كانت العقبة الرئيسية في توسيع التعاون الإقليمي الشامل. وإذا لم تتم استعادة الاتفاق النووي، فستستمر العقوبات الأمريكية على إيران، وستقوم واشنطن مرة أخرى بتشديد الضغط على طهران.
ولن يؤدي هذا إلى تقييد أي محادثات حول الدبلوماسية الإقليمية فحسب، بل سيؤثر أيضًا بشكل كبير وسلبي على التطور المستمر للعلاقات الدبلوماسية والاقتصادية في المنطقة.
وقال مسؤولون أمريكيون مؤخرًا في اجتماعات خاصة مع نظرائهم في دول مجلس التعاون الخليجي والأوروبيين إن الولايات المتحدة تتوقع من جميع دول الخليج، بما في ذلك عُمان وقطر والإمارات، الانضمام إلى الحملة ضد إيران إذا لم تتم استعادة الاتفاق النووي.
وإذا لم يتم إحياء الاتفاق النووي، فإن واشنطن تبدو عازمة على تصعيد التوترات من خلال الشراكات والتحالفات الإقليمية المصممة لعزل طهران. ويعد هذا أمرا خطيرا، كما أنه لا يحظى بدعم حقيقي من المنطقة، حيث لا تفضل أي من دول مجلس التعاون الخليجي الصراع العسكري مع إيران.
وفي عام 2019، شهدت المنطقة بالفعل وعانت من الأضرار التي يمكن أن تحدث من هجمات الطائرات بدون طيار والصواريخ، وكانت منشآت النفط السعودية في خريص وبقيق وساحل الفجيرة الإماراتي شاهدا على هذه الأضرار التي يمكن أن تتعاظم في حال قررت طهران التصعيد.
وتوضح العلاقات الدبلوماسية المستمرة مع طهران رغبة دول الخليج في منع انزلاق المنطقة مرة أخرى إلى هذا الوضع. وقد أعلنت السعودية والإمارات بوضوح رغبتهما في مزيد من التعاون مع إيران وحل خلافاتهما مع طهران من خلال الوسائل الدبلوماسية.
وبينما لا يزال "بايدن" حريصًا على إحياء الاتفاق النووي، فإن سياسات إدارته في الشرق الأوسط تتبع نفس النهج الذي اتبعه أسلافه.
بالرغم أن "باراك أوباما" فضل الدبلوماسية مع طهران ودعا إلى التعاون بين السعودية وإيران، لكن استراتيجية إدارته افتقرت إلى رؤية واضحة لكيفية المضي قدمًا في الدبلوماسية الإقليمية الأوسع والتي من شأنها إشراك إيران.
ومع الاتفاق النووي أو بدونه، تحتاج الولايات المتحدة إلى السماح للمنطقة باستخدام جميع السبل الدبلوماسية لتوسيع التعاون والتكامل. وسيخدم ذلك المصالح الأمريكية طويلة الأجل حيث سيؤدي إلى استقرار منطقة الخليج في وقت تحاول فيه واشنطن السيطرة على التهديدات الأكثر خطورة القادمة من روسيا والصين.
المصدر | هنريتا تويفانين ومهران هاجيريان | ريسبونسبل ستيتكرافت – ترجمة وتحرير الخليج الجديد