الزمن جزء من العلاج.. هل يكون الأمر كذلك بالنسبة للعلاقات السعودية التركية؟
في عام 2018، وجه الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" أصابع الاتهام إلى ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" - دون أن يسميه - على قتل الصحفي "جمال خاشقجي" في القنصلية السعودي بإسطنبول. ودعمت تركيا التحقيق الذي قادته الأمم المتحدة من خلال تبادل الأدلة وفتحت محاكمة ضد المتهمين، ما تسبب في قطيعة دبلوماسية بين أنقرة والرياض.
ولكن بعد 4 سنوات يبدو أن الأمور اختلفت كثيرا، فقد قام "أردوغان" بأول زيارة إلى الرياض في أبريل/نيسان الماضي، وبعدها بشهرين زار "بن سلمان" تركيا للمرة الأولى منذ أزمة "خاشقجي".
ويعتبر التقارب مع السعودية جزءًا من استراتيجية تركية أوسع لتطبيع العلاقات مع دول المنطقة، خاصة بعد انتهاء الأزمة الخليجية. وبالفعل استعادت تركيا العلاقات مع الإمارات العام الماضي، ثم إسرائيل هذا العام، والآن السعودية، بينما تتقدم محادثات تطبيع العلاقات مع مصر.
ويأتي التقارب مع كل هذه الدول في محاولة لكسر العزلة الإقليمية المفروضة على تركيا منذ عهد "دونالد ترامب"، عندما شكلت اليونان ومصر وقبرص وإسرائيل منصة للتعاون في مجال الغاز الغاز، والتي دعمتها السعودية والإمارات أيضًا. كما أن إصلاح العلاقات مع السعودية من شأنه تسهيل استعادة العلاقات التركية مع الدول العربية الأخرى، خاصة مع مصر.
ومن وجهة نظر تركيا، هناك مصالح اقتصادية مهمة، بالنظر إلى المشاكل التي يواجهها الاقتصاد التركي مثل ارتفاع التضخم وانخفاض قيمة العملة. ومن المتوقع أن يساهم تحسين العلاقات الاقتصادية مع السعودية في تخفيف الضغط الاقتصادي على تركيا فقد تأثرت التجارة الثنائية والسياحة بشدة في السنوات القليلة الماضية.
ومن المتوقع أن يؤدي هذا التطبيع إلى تعزيز التجارة والسياحة بين البلدين وإنهاء المقاطعة غير الرسمية التي فرضتها السعودية على البضائع التركية منذ عام 2020. وبالفعل، استأنفت السعودية الرحلات الجوية إلى تركيا في مايو/أيار بعد توقف دام عامين؛ وكان هذا مؤشرا إيجابيا بالنسبة لاستعادة العلاقات بين الجانبين.
ونتيجة لهذا التقارب، من المتوقع أن تدفع السعودية باستثمارات في تركيا، وقد تنضم الرياض في المستقبل إلى حكومات خليجية أخرى قامت بمقايضة العملات مع أنقرة.
وقد ترى الرياض أن استعادة العلاقات مع تركيا لها جانب سلبي محدود، حيث تنظر الرياض إلى التوتر في العلاقات على أنه يضر بأنقرة أكثر بكثير مما يلحق الضرر بالسعودية. ومن وجهة نظر "بن سلمان" فإن السعودية "فازت" في المواجهة طويلة الأمد مع تركيا، لكن التقارب سيساعد ولي العهد على استعادة صورته العالمية، ،خاصة مع زيارة الرئيس الأمريكي "جو بايدن" إلى الرياض.
وكانت السعودية على خلاف مع جزء كبير من سياسة تركيا الخارجية على مدار العقد الماضي. وقد تسبب الدعم السعودي لانقلاب الجيش المصري في 2013 في توترات بين أنقرة والرياض نتيجة الرفض التركي للانقلاب. وكذلك فعلت الأحداث المختلفة في وقت لاحق من هذا العقد، بما في ذلك قرار "أردوغان" الوقوف إلى جانب قطر أثناء الأزمة الخليجية، إضافة للسياسة التركية المتقلبة مع إيران وموقف أنقرة الداعم لحكومة الوفاق الليبي على عكس دعم الرياض للجنرال "خليفة حفتر".
ومن المؤكد أن الرياض لا تنظر إلى هذا التقارب على أنه بداية لتحالف استراتيجي جديد، ولكن مجرد استعادة للعلاقات التي تفيد كلا من كل من أنقرة والرياض.
ومن خلال استعادة العلاقات، يوفر "بن سلمان" طريقًا لأنقرة لإعادة الانخراط في المنطقة بشكل كامل وهي فرصة ربما يعتقد ولي العهد أنه يمكن أن ينتزعها في المستقبل إذا لزم الأمر. ومع فقدان الليرة التركية أكثر من نصف قيمتها منذ عام 2021 والأرقام القياسية التي وصل لها التضخم والانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها العام المقبل، ربما يرى "بن سلمان" أن "أردوغان" يحتاج إليه أكثر مما يحتاج إلى "أردوغان".
وبالنسبة لـ"بن سلمان"، فإن إصلاح العلاقات مع تركيا يمكن أن يساعد في جهود السعودية في بناء أسطول من الطائرات بدون طيار في سياق رؤية 2030 التي تركز أيضا على التكنولوجيا من أجل النمو الاقتصادي والتنويع. وفي الآونة الأخيرة، بدأ مصنعان سعوديان في إنتاج طائرة بدون طيار تركية، ما يعكس آفاق العلاقات الاقتصادية والدفاعية.
لكن الفائدة الأهم بالنسبة للسعودية هي تخفيف المخاوف الأمنية المرتبطة بإيران. وربما تأمل الرياض أن تستغل ديناميكيات علاقتها الجديدة مع أنقرة لإقناع تركيا بأن تكون أكثر حيادية مما كانت عليه خلال الأزمة الخليجية.
وكان حصار قطر قد دفع تركيا وإيران للتقارب من بعضهما البعض، حيث عمل الجانبان بمثابة منافذ اقتصادية بديلة للدوحة، بالرغم من الخلاف بين تركيا وإيران بشأن القضايا الإقليمية الحرجة كما هو الحال في سوريا حيث كانت إيران الداعم الأكثر عدوانية لـ"بشار الأسد" بينما دعم الأتراك المعارضة السورية، ما يعكس المصطلح المتكرر كثيرًا بأن تركيا وإيران هم "حلفاء مؤقتون ومتنافسون دائمون".
وليس من قبيل المصادفة أن يحدث التقارب التركي السعودي في وقت تتزايد فيه التوترات التركية الإيرانية في كل من العراق وسوريا. ويوضح دور تركيا في الصراعات الإقليمية المختلفة على مدى العقد الماضي - في سوريا وليبيا وناجورنو كاراباخ وأوكرانيا - التوازن الذي يمكن أن توفره تركيا، إلى جانب دول المنطقة الأخرى، أمام النفوذ الإيراني.
وتدرك طهران خطورة التقارب السعودي التركي خاصة إذا تم وضعه في الإطار الأوسع. ففي الأشهر الأخيرة، حذرت وسائل الإعلام الموالية للحكومة الإيرانية من التقارب بين تركيا وإسرائيل والسعودية.
وربما تكون طهران محقة في القلق من أن تختار أنقرة مسارًا مختلفا تجاه الأعمال العدائية المتزايدة بين إيران ومعظم المنطقة على المدى القصير، ولكن يبقى السؤال مفتوح حول ما إذا كان التقارب التركي السعودي يمكن أن يستمر على المدى الطويل. وإذا حدث ذلك، فمن المحتمل أن يكون هذا خبرًا سيئًا لإيران وجيدا لبقية المنطقة.
المصدر | بينار دوست وجوناثان بانيكوف | أتلانتك كاونسل - ترجمة وتحرير الخليج الجديد