العلاقات الشائكة بين واشنطن والرياض تلقي بظلالها على مشروع استراتيجي مشترك

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 2313
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

في 11 أبريل/نيسان الماضي، حضر نائب وزير الدفاع السعودي الأمير "خالد بن سلمان" حفل تخرج في كلية الملك عبد العزيز الحربية. ويعد هذا النمط من الكليات العسكرية جديدًا بالنسبة للدول الخليجية. ويركز التعليم والتدريب في مثل هذه المؤسسات على مجال الاستراتيجية، في تحول عن التدريب التكتيكي الذي توفره الكليات العسكرية عادة في الخليج.

وتعد هذه الكليات الجديدة في الخليج انعكاسا لمثيلاتها في الغرب خاصةً في الولايات المتحدة. ولتوفير المناهج اللازمة لهذه التخصصات، تعمل العديد من دول الشرق الأوسط، مثل الإمارات وتونس ولبنان والأردن، مع مركز الشرق الأدنى وجنوب آسيا للدراسات الاستراتيجية (نيسا)، وهي مؤسسة بارزة في وزارة الدفاع الأمريكية.

وتتمثل مهمة "نيسا" في تعزيز التعاون الأمني ​​بين الولايات المتحدة ودول الشرق الأدنى وجنوب آسيا. ويهتم البرنامج بما هو أبعد من المعدات والمهارات التكتيكية. ويعطي الأولوية لتنمية الموارد البشرية، وتقود "نيسا" العديد من البرامج وورش العمل لتطوير تلك الموارد البشرية، وتوفر المناهج للكليات العسكرية التي تركز على تدريس المهارات الاستراتيجية والعملياتية.

 

شراكات جديدة مع الأصدقاء القدامى

وتعمل وزارة الدفاع السعودية مع "نيسا" منذ عام 2012، في كل من واشنطن والرياض. وفي عام 2017، أبرمت السعودية اتفاقية جديدة مع "نيسا" لتعزيز المؤسسات العسكرية لديها. وكانت هذه الاتفاقية جزءًا من مبادرة سعودية أوسع لتعزيز صناعة الدفاع المحلية.

كما استضافت وزارة الدفاع السعودية معرض الدفاع العالمي في مارس/آذار الماضي، ووقعت عقودًا لتأمين أنواع مختلفة من الذخيرة للجيش السعودي، وأنشأت الأكاديمية الوطنية للصناعات العسكرية للوصول إلى الهدف المتمثل في توطين أكثر من 50% من الإنفاق العسكري للمملكة.

وفي حين ركزت الجهود السابقة على الاستثمار المالي في الجيش السعودي، فإن اتفاق وزارة الدفاع مع "نيسا" يركز على تدريب وتعليم العسكريين السعوديين.

ويعد هدف السعودية في قطاع الدفاع هو إنشاء 4 مؤسسات عسكرية: كلية القيادة والأركان المشتركة، وكلية حرب، ومعهد أبحاث، ومركز تنمية القيادة. وفقًا لـ"ديفيد لام" نائب مدير "نيسا"، فقد وافقت "نيسا" على تقديم خطة لإنشاء هذه المؤسسات والتوصية بدورات للتدريس في الكلية الحربية. ويهدف الطرفان إلى إنشاء جامعة عسكرية سعودية مستقلة تمامًا ومعتمدة دوليًا.

وبمجرد تحقيق ذلك، ستواصل "نيسا" العمل كمستشار موثوق لدى الجيش السعودي، وتستمر في توفير الموارد وأشكال أخرى من المساعدة مثل تدريب المدربين.

وفي 8 فبراير/شباط الماضي، التقى مكتب التنفيذ الاستراتيجي - فريق التصميم الذي يتألف من موظفين من "نيسا" وقيادات عسكرية سعودية - لتزويد وزارة الدفاع السعودية بخطة شاملة لإنشاء جامعة الدفاع الوطني السعودية "ساندو".

وبعد بضعة أسابيع، قدم مكتب التنفيذ الاستراتيجي التصميم النهائي لـ"ساندو"، والذي شمل كلية القيادة والأركان المشتركة، وكلية الحرب، ومركز تطوير القيادة، ومركز الدراسات الاستراتيجية.

وفي مارس/آذار الماضي، استضافت "نيسا" قيادات عسكرية سعودية نسقت لقادات مع خبراء التعليم العسكري المحترفين في الولايات المتحدة للنقاش حول الاعتماد والمرافق والبحث والبرامج التعليمية وحوكمة الجامعة.

بالإضافة إلى ذلك، ينخرط الجيش السعودي مع نظيره الأمريكي في تدريبات ومناورات مختلفة، وغالبًا ما تحضر هذه التدريبات المشتركة جيوش الدول المجاورة، مثل إسرائيل ومصر والأردن.

 

مستقبل العلاقات العسكرية بين أمريكا والسعودية

بالرغم من توقيع اتفاقات مع "نيسا" خلال السنوات الأخيرة، فقد كانت الشراكة قائمة بين الولايات المتحدة والسعودية منذ عقود. ومع ذلك، برزت توترات في العلاقة بين البلدين بفعل المسافة التي أخذها "بايدن" من الأسرة المالكة السعودية على خلفية اغتيال "جمال خاشقجي" والتورط السعودي في اليمن، ما أدى لجمود العلاقات الدبلوماسية.

ويطرح التعاون العسكري بين السعودية وأمريكا تساؤلات بشأن المزيد من التورط العسكري في الشرق الأوسط، في وقت تتصاعد فيه الضغوط السياسية المحلية في الولايات المتحدة لتجنب المزيد من الانخراط في المنطقة. 

وتشعر الإدارة الأمريكية بالقلق من الظهور بمظهر الموافقة على السلوك السعودي، خاصة في حرب اليمن التي تواجه المملكة بسببها اتهامات بانتهاك حقوق الإنسان على نطاق واسع.

وبالرغم من التوترات المؤقتة، يبدو أن كلا الطرفين يحاول الحفاظ على العلاقة. ففي مايو/أيار الماضي، التقى "خالد بن سلمان" مع مستشار الأمن القومي الأمريكي "جيك سوليفان"، الذي أكد التزام "بايدن" بـ"مساعدة السعودية في الدفاع عن أراضيها"، وناقش الطرفان سبل تعزيز التعاون ضمن الرؤية المشتركة للبلدين.

وكانت هناك أيضًا اجتماعات بين فرق رفيعة المستوى من السعودية والولايات المتحدة خلال الشهر الجاري، ومن المقرر أن يزور "بايدن" السعودية الشهر المقبل، ومن المتوقع أن يلتقي مع ولي العهد الأمير "محمد بن سلمان".

وتأتي هذه التحركات الدبلوماسية وسط مخاوف سعودية مستمرة بشأن التزام الولايات المتحدة بأمن المنطقة، ويهدف هذا النشاط الدبلوماسي إلى معالجة سوء الفهم بين البلدين فيما يتعلق بمصالحهما الاستراتيجية ونواياهما الدبلوماسية.

وبالرغم أن وزارة الدفاع السعودية تعمل مع "نيسا" - وهي كيان حكومي أمريكي - لكنه من غير الواضح ما إذا كان السعوديون ينظرون إلى هذه الاتفاقية كعلاقة بين الحكومتين أم علاقة عمل على غرار العديد من مشاريع التطوير السابقة في مختلف قطاعات الدولة.

 

انعكاس للعلاقات الثنائية الشائكة

وبسبب الفجوة الحالية في العلاقات، فإن المشروع المشترك بين "نيسا" ووزارة الدفاع السعودية معلق في الوقت الحالي، على الرغم من التقدم السابق. وفي حين تم تطوير الخطط ورسم الخرائط، لم يتم اتخاذ أي إجراء آخر لتنفيذ المشروع، حيث ينتظر كل جانب توضيحات من الآخر بشأن رؤاه وأدواره طويلة الأجل في هذه الشراكة العسكرية.

ويرى مؤيدو هذا المشروع أن استمراره مفيد لكلا الطرفين. فبالنسبة للجانب الأمريكي، سيساعد تعزيز المؤسسات العسكرية السعودية في تمكين شريك إقليمي من تأمين أراضيه والدفاع عنها بنفسه. علاوة على ذلك، فإن تعزيز التعاون العسكري مع السعودية قد يقنع المملكة بالتخلي عن تعزيز العلاقات مع روسيا.

أما بالنسبة للسعوديين، فإن العمل مع "نيسا" يمنح مؤسساتهم العسكرية الفرصة لاكتساب الاعتماد الدولي، ورفع مكانتهم الدولية، وتسهيل تطوير صناعة الدفاع المحلية، فيما يتماشى مع "رؤية 2030".

وتمثل حالة مشروع "نيسا-سادو" صورة مصغرة عن الوضع الحالي للعلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية، والتصورات المتناقضة عن أدوار البلدين في الرؤى طويلة الأجل للمشروع.

وبالرغم من انعدام اليقين في المرحلة الحالية، فإن العلاقات بين السعودية والولايات المتحدة راسخة منذ عقود وتتضمن مجالات متشعبة. ويمكن اعتبار درجة ووتيرة التقدم في مشروع "نيسا-سادو" مؤشرًا على مستقبل العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية.

 

المصدر | سوزان سيكلي | معهد دول الخليج في واشنطن - ترجمة وتحرير الخليج الجديد