بن سلمان وإدارة بايدن: الترويض جارٍ... حتى رحيل الملك؟
بن سلمان وإدارة بايدن: الترويض جارٍ... حتى رحيل الملك؟
أسرفت السعودية في «الطنطنة» للزيارة وتقديمها باعتبارها فتحاً لنظام بن سلمان.
حرصت واشنطن على أن تعكس الترتيبات الشكلية للزيارة سياستها المعلنة القاضية بـ«إعادة ضبط» العلاقات.
بعد سلسلة «أخطاء» بن سلمان في ملفّات تعتبرها واشنطن «إشكالية» فتحت إدارة بايدن باباً موارباً له عبر زيارة شقيقه ونائبه بوزارة الدفاع خالد إلى واشنطن.
حاولت المملكة تصوير الزيارة «فتحاً» لنظام بن سلمان لكنها لم تخرج من سياق «إعادة ضبط» العلاقات بالرياض، أقلّه حتى وفاة الملك، التي ستمثّل نقطة الفصل الحقيقية في ما ستؤول إليه أوضاع السعودية.
* * *
بلا حفاوة، استقبلت واشنطن خالد بن سلمان، بما أوحى بأنها تُفاوض خصماً على قضايا عالقة، لا بأنها تبحث مشاريع مشتركة مع حليف. وأسهمت في توليد هذا الانطباع، الحساسية العالية للملفّات الموضوعة على الطاولة، من اغتيال جمال خاشقجي، إلى رغبة واشنطن في مساهمة الرياض في خفض أسعار النفط، مروراً بالعدوان السعودي على اليمن، وإيران، فضلاً عن ملفّات أخرى لا يجري الإعلان عنها، مِن مِثل قضية المعارضين من داخل أسرة آل سعود في السجون، وأولئك المنفيّين.
وخاصة أن الإعلام الأميركي كشف أخيراً أن ضغوطاً مورست على الرئيس جو بايدن لإنقاذ ولي العهد السعودي السابق، محمد بن نايف، من التعذيب، وأن ذلك أسفر عن تحسّن معاملته وتلقّيه زيارات عائلية.
حرصت واشنطن على أن تعكس الترتيبات الشكلية للزيارة سياستها المُعلَنة القاضية بـ«إعادة ضبط» العلاقات مع السعودية. إذ تعمّدت البيانات الأميركية الإشارة إلى أن وزير الدفاع، لويد أوستن، «انتهز الفرصة لأخذ بضع لحظات من المشاركة» في اجتماع خالد مع نائب وزير الدفاع للشؤون السياسية، كولين كال، وكذلك حضر رئيس الأركان، مارك ميلي، «جزءاً من الاجتماع».
وبالطريقة نفسها، جرى تقديم الاجتماع مع وزير الخارجية، أنتوني بلينكن، الذي قالت وزارة الخارجية إنه «انضمّ إلى اجتماع» لخالد مع نائبة الوزير للشؤون السياسية، فيكتوريا نولاند.
وللمقارنة فقط، كان بندر بن سلطان، وهو مجرّد سفير، يجلس على ذراع الكنبة التي يغرق فيها جورج بوش في البيت الأبيض خلال «الزمن الجميل» للعلاقات الأميركية – السعودية، والذي يسعى بن سلمان للعودة إليه، إبّان حروب الخليج الأميركية، بدءاً من عام 1991، وحتى غزو العراق في 2003.
لكن منذ اغتيال خاشقجي، تَوطّن الرأي العام الأميركي على النظر إلى السعودية بوصفها دولة سيّئة السمعة والسلوك. وفي خلفية الوعي الأميركي هذا، المساهمة الكبيرة للمملكة عبر العقود في تراجع سمعة الولايات المتحدة نفسها، لكون الرياض تولّت تمويل وتنفيذ جانب كبير من الأعمال القذرة في أنحاء العالم، أصالة عن نفسها، ونيابة عن الإدارات الأميركية المتعاقبة.
في المقابل، أسرفت السعودية، سواءً عبر نائب الوزير نفسه أو الإعلام، في «الطنطنة» للزيارة، وتقديمها باعتبارها فتحاً لنظام ابن سلمان، على طريق إعادة «تطبيع» العلاقات مع واشنطن، وفتح أبواب البيت الأبيض أمام وليّ العهد، باعتبار خالد ممثّلاً شخصياً لشقيقه وأكثر الموثوقين لديه.
هل تعني الزيارة أن إدارتَي بايدن وبن سلمان عثرتا أخيراً على آلية للتعامل بينهما، بعد طول تمنّع أميركي، حاول بن سلمان الردّ عليه بالسعي لتنويع علاقاته والقول إن لديه خيارات أخرى؟
قد يكون في الافتراض المتقدّم شيء من الدقة، ولكن فقط في مرحلة انتقالية تمتدّ حتى وفاة الملك التي ستمثّل نقطة الفصل الحقيقية في ما ستؤول إليه الأوضاع في المملكة.
في المقابل، لا يبدو أن الإدارة الأميركية مستعدّة لإعادة العلاقات إلى ما كانت عليه، لتَعارض ذلك مع السياسة الجديدة لواشنطن والتي تقوم على تخفيف الوجود العسكري في الخليج، والتخفّف من مشاكله، لا التورّط فيها أكثر، بمعزل عن من يتولّى الحكم في السعودية.
ومع نظام بن سلمان، يصبح هذا الاحتمال أبعد، إذ لا تستطيع أميركا، ولو في الشكل وفي العلن، ابتلاع وعودها بعدم المساومة على ملفّ حقوق الإنسان مقابل شراء النفط أو بيع السلاح، ولا سيما وعد بايدن خلال حملته الانتخابية بمعاملة السعودية كـ«دولة مارقة» كما تستحقّ.
وخالد بن سلمان نفسه ليس بعيداً عن الشبهات في قضية خاشقجي، فالاستخبارات الأميركية تشتبه في أنه هو مَن أعطى الضحية «الأمان»، عندما كان سفيراً لبلاده في واشنطن، للذهاب إلى القنصلية في اسطنبول، حيث غُدر به، ثمّ لعب دوراً في التغطية على الجريمة بعد وقوعها، إلى أن استُدعي إلى الرياض بعد الكشف عن المرتكبين، خوفاً من خضوعه لأيّ مساءلة.
القرار في واشنطن أيضاً هو تنويع العلاقات في السعودية بين الحكم والمعارضة. وليس خافياً أن الولايات المتحدة تحتضن معارضين سعوديين في الخارج وتمدّهم بأدوات العمل، بحيث بات صوت العديد منهم مسموعاً.
أكثر من ذلك، تُقدّم أميركا، ومعها دول غربية أخرى، حماية خاصة لهؤلاء، ولعائلاتهم أو أقاربهم داخل المملكة. ثمّة الآن حقائق جديدة في السعودية، يجد الأميركيون أنفسهم أمامها، فقبل اعتلاء ابن سلمان منصب ولاية العهد الذي يمارس منه مهامّ الحاكم الفعلي للبلاد، لم تكن هناك معارضة داخل الأسرة، بينما المعارضون خارجها كانوا بلا تأثير.
الآن هؤلاء أكثر عدداً وتأثيراً، ويطلّون على السعوديين مباشرة من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، أو عبر الإعلام الغربي الذي يفرد لهم مساحات كبيرة. من أبرز الأمثلة هنا، سعد الجبري، اليد اليمنى لابن نايف، والمقيم في كندا.
الجبري تجرّأ على رفع دعاوى أمام المحاكم الأميركية والكندية ضدّ محمد بن سلمان شخصياً بتهمة إرسال «فرقة النمر» التي اغتالت خاشقجي، لقتله في كندا، فيما أبناؤه يعيشون في السعودية، وهم حالياً في سجون ابن سلمان.
هل كان ليرفع مثل تلك الدعاوى لولا أنه تلقّى تطمينات أميركية كافية حول سلامتهم؟ وهل كان أصلاً سيعلم أن بن سلمان أرسل له «فرقة النمر» لولا أن الاستخبارات الأميركية مرّرت له هذه المعلومة؟
على الضفة الأميركية، يأخذ كثيرون داخل الولايات المتحدة على بايدن نكثه بوعوده الانتخابية في ما يتعلّق بالسعودية، والذي يبدو أن مردّه «الإدمان» على النفط الذي لا تعرف الولايات المتحدة طريقاً للشفاء منه.
وفي هذا الإطار، اعتبرت صحيفة «واشنطن بوست»، التي يخوض صاحبها، جيف بيزوس، منذ مقتل خاشقجي الذي كان كاتب رأي في الصحيفة، معركة شخصية ضدّ ابن سلمان، في افتتاحية لها، أمس، أنه إذا كانت واشنطن تريد الضغط على ولي العهد لتحسين سجلّه في مجال حقوق الإنسان، فإن تعزيز العلاقة مع شقيقه خالد، خطوة في الاتجاه الخاطئ.
* حسين إبراهيم كاتب صحفي لبناني
المصدر | الأخبار