المخاوف السعودية من التطبيع العلني مع إسرائيل في ظل خشيتها من نفوذ إيران

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 5018
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

د. جلال جراغي
 بعد قيام الإمارات العربية المتحدة بالتوقيع على اتفاقية للتطبيع العلني في علاقاتها مع إسرائيل، هناك تكهنات وتوقعات واسعة حول الدولة أو الدول الخليجية أو العربية التي ستلحق بالإمارات في الإعلان الرسمي عن تطبيع علاقاتها مع إسرائيل، خاصة أنه أعلن الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” وكبير مستشاره “جاريد كوشنر” أن دولًا عربية أخرى ستقوم خلال الأسابيع القليلة القادمة بالإعلان الرسمي عن تطبيع علاقاتها مع إسرائيل.
وفي هذا الصدد، فقد رحبت كثير من الصحافة ووسائل الإعلام والناشطين الصحفيين والإعلاميين السعوديين المقربين من الديوان الملكي بالاتفاق المعلن بين الإمارات وإسرائيل وعملوا جاهدين في سبيل ترويجه وإقناع الرأي العام واصفين إياه بـ“الاتفاق التاريخي” الأمر الذي يوحي بأن السعودية تحاول تمهيد الطريق للإعلان الرسمي عن تطبيع علاقاتها مع إسرائيل.
والأسباب التي تدفع السعودية إلى المحاولة لتمهيد الأرضية للإعلان عن تطبيع علاقاتها مع إسرائيل هي كما تلي:
السبب الأول هو الترحيب الواسع لوسائل الإعلام والصحف السعودية التي تتلقى خطوط وإطار عملها الدعائي والإعلامي مباشرة من الديوان الملكي بهذا الاتفاق مما يشير إلى أن هناك ضوء أخضر من الديوان نفسه لهذا الإعلام والصحف والأشخاص، خاصة في بلد على غرار السعودية التي أي نشاط إعلامي يخضع لمراقبة حكومية شديدة.
السبب الثاني هو أنه نظرًا لاقتراب موعد إجراء الانتخابات الرئاسية الأمريكية والوضع الانتخابي المتدهور للرئيس الأمريكي حسب آخر استطلاعات الرأي الموجودة، فإنه من المحتمل أن يضع الرئيس الأمريكي ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، الذي يعتبر الحاكم الفعلي للبلاد، تحت ضغوط قصوى لانتزاع شروط منه حول القيام بالإعلان الرسمي عن تطبيع علاقات السعودية مع إسرائيل في محاولة لتعزيز موقعه الانتخابي وإحراز تقدم أمام منافسه الديمقراطي “جو بايدن” وكذلك لتحسين مكانة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي يواجه هو الآخر مختلف الأزمات داخل الأراضي المحتلة.
السبب الثالث يتمثل في أن السعودية خلال فترة ولي عهدها الأمير محمد بن سلمان، تشعر بقلق عميق إزاء إمكانية هزيمة ترامب في الانتخابات الرئاسية المقبلة بسبب عداء الرياض لطهران، السبب في ذلك أن الرياض تعتبر ترامب بأنه الخيار الأفضل للتعامل مع إيران والتصدي لنفوذها الإقليمي، وعلى هذا، فإنها لو شعرت بالتهديد العميق على مستقبل ترامب السياسي في الانتخابات، فستسارع إلى جانب دول مثل البحرين وسلطنة عمان إلى الإعلان الرسمي عن تطبيع علاقاتها مع إسرائيل، خاصة أنها في المرحلة الراهنة تشعر بقلق شديد من ناحية إيران وتحتاج إلى الدعم الأمريكي والصهيوني، ومن ناحية أخرى، لو دخلت السعودية في مرحلة التطبيع العلني مع إسرائيل فستعزز مكانتها عند الديمقراطيين في أمريكا من خلال اللوبي الصهيوني ومن ثم سيُرفع قلقها من إمكانية فوز جو بايدن.
السبب الرابع هو أنه نظرًا لوجود خلافات بين السعودية والإمارات فيما يتعلق بقضايا إقليمية بما في ذلك ملف اليمن وتعاملهما كمنافستين لبعضهما البعض، فإن الرياض تشعر بقلق كبير من تعزيز موقع ومكانة الإمارات عند إسرائيل وأمريكا ما قد يؤدي إلى تعزيز قدرتها ونفوذها على الساحة الإقليمية على حساب السعودية.
هذا وفي المقلب الآخر، فإن هناك أسباب تدل على أن السعودية لن تقدم على عقد اتفاق مع إسرائيل لإعلان التطبيع الرسمي مع إسرائيل سواء على المدى القصير أو على المدى البعيد وهذه الأسباب هي كما تلي:
الأول هو أن السبب الرئيس الذي يمنع السعودية من إعلان تطبيع علاقاتها مع إسرائيل هو حرصها على موقعها ونفوذها بين الشعوب العربية والإسلامية على الساحة الإقليمية خاصة عند الفلسطينيين وخشيتها عن خسارتها لهذا الموقع، فإن السعودية تعتبر الآن الدولة السنية الأكثر نفوذًا وتأثيرًا من خلال وجود الحرمين الشريفين على أراضيها ولو أقدمت على إعلان التطبيع الرسمي مع إسرائيل، فستخسر مكانتها وموقعها في المنطقة خاصة فيما يتعلق بقضاياها البالغة الأهمية التي تحاول دول مثل تركيا ومصر منذ مدة طويلة اكتساب هذا الموقع إلا أنهما منيتا بالفشل في مسعاهما. وعلى هذا، فإن السعودية لو قامت بهذا العمل، فستخسر مكانتها ومصداقيتها بين الشعوب العربية والإسلامية.
والسبب الثاني في أن السعودية لن تقدم على إعلان التطبيع مع تل أبيب يرجع إلى قلق الرياض من توسيع النفوذ الإيراني، فإن هذا النفوذ بين الأقطار الإسلامية خاصة بين الفلسطينيين يعتبر كابوسًا للسعودية، بحيث إن الأخيرة عملت كمنافسة رئيسية لإيران ولو خسرت مكانتها هذه بين الأقطار العربية على الصعيد الإقليمي، فعندئذ منحت أكبر هدية لإيران، وهذا قد يطرح سؤالًا بأنه كانت مصر أيضًا تتمتع في الفترة الماضية بمكانة مرموقة عند العرب والمسلمين لكنها قامت بالاعتراف بوجود إسرائيل فلماذا لم تشعر بالقلق من خسارة مكانتها؟ الإجابة عن هذا السؤال هي أن السعودية بسبب وجود الحرمين الشرفيين على أراضيها تحظى بمكانة أعلى وأكبر عند المسلمين من مكانة كانت تتمتع بها مصر أو أي بلد عربي آخر في الفترة الماضية. وبناء على هذا، فإن السعودية لو قامت بعقد اتفاق حول الإعلان عن التطبيع في علاقاتها مع الكيان الصهيوني، فستخسر هويتها ونفوذها وكفاءتها على الساحة الإقليمية الأمر الذي سيصب في نهاية الأمر في مصلحة إيران.
والسبب الثالث هو أن الملك السعودي السابق “عبد الله بن عبد العزيز” أطلق عام 1982مبادرة السلام العربية لإرساء السلام بين فلسطين وإسرائيل وهي ما أقرتها جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي ولقيت ترحيبًا واسعًا من قبل كثير من الدول والمنظمات على الصعيد الدولي. وكان الجزء الأهم لهذه المبادرة هو أنه لو تراجعت إسرائيل إلى حدود 1967 واعترفت بالدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية وقامت الولايات المتحدة والأمم المتحدة بقبول هذه المبادرة فعندئذ ستعترف جميع الدول العربية بإسرائيل، ومن هذا المنطلق فإن السعودية الآن ليست بإمكانها ضرب هذه المبادرة بسهولة على عرض الحائط وإظهار نفسها منتهكة لقرارات جامعة الدول العربية والإجماع العربي، ومن هنا فإن إسرائيل يجب أن تمنح الفلسطينيين تنازلات ولو كانت شحيحة حتى تتمكن الرياض من تبرير مثل هذه الخطوة.
والسبب الرابع يرجع إلى مخاوف يواجهها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في الداخل، ذلك أن الظروف التي تمر بها السعودية في الداخل تختلف عن الظروف التي تشهدها الإمارات بحيث لا يتسنى مقارنتهما، بسبب أن الشارع في داخل الإمارات لا يعارض الحكومة على عكس السعودية حيث تعارض كثير من المؤسسات الدينية والأمراء والتجار وأصحاب العمل وحتى قسم كبير من الكوادر والقوات الأمنية محمد بن سلمان وترصد الفرصة للقيام بانقلاب ضده، وفي السياق نفسه تجدرة الإشارة إلى أن كثير من أبناء الشعب السعودي على الرغم من الأجواء الخانقة التي تخيم على بلادهم، يعملون مجهولين على المنصات والمواقع الاجتماعية ضد سياسات ينتهجها الأمير محمد بن سلمان خلافًا لنهج الملوك السابقين، خاصة أنهم يعتبرون التطبيع مع إسرائيل مغايرا لوصية الملك فيصل الذي شدد على ضرورة الاجتناب عن الاعتراف بإسرائيل حتى لو اعترف بها جميع العرب.
وفي المحصلة فإن ما تجدر الإشارة إليه هنا هو أن السعودية في الظروف الراهنة وبسبب مخاوفها من تداعيات مترتبة على مثل هذه الخطوة وكذلك ظروفها المختلفة عن مثيلتها في الإمارات العربية المتحدة أو باقي الدول العربية، تفتقد لشروط الإعلان عن تطبيع علاقاتها مع إسرائيل في الفترة الراهنة.
باحث في الشؤون السياسية والإعلامية