الربط بين العملية الإرهابية التي نفذها ضابط في سلاح الجو السعودي وفشل سياسات ترامب للهجرة

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 3049
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

د. محمود البازي
 في مراجعة سريعة لسلسلة مقالاتنا حول إجراءات عزل ترامب، بدأنا هذه السلسلة بإعتبار أن الديمقراطيين ليسوا ساذجين ويعلمون جيداً بأن اجراءات العزل ستمر بسهولة من الكونغرس إلا أنها لن تمر في مجلس الشيوخ الذي يتطلب موافقة ثلثي الأعضاء على عملية العزل، وهو أمر شبه مستحيل. كما ذكرنا الفوائد التي يحاول الديمقراطيون جنيها من هذه العملية. وفي مقالتنا اللاحقة تحدثنا عن سياسات ترامب الخطيرة ضد الأمن القومي والعالمي. وبدأنا هذه الأسباب بالتغييرات المناخية التي لم يُعر الرئيس ترامب لها أي اهتمام على الرغم من التحذيرات الجادة من التي يواجهها كوكب الأرض والتي لم نشهد لها مثيلا من قبل أبدا. ولم يقتصر هذا التجاهل على المستوى العالمي بل امتد إلى الداخل الأمريكي حيث منع الرئيس اجراءات إضافية كانت تفرضها كاليفورنيا للحد من انبعاث الغازات من السيارات متجاهلا المخاطر التي ستنجم عن هذه العملية ضد المواطن الأمريكي.
ولأهمية الموضوع وبناء على الأحداث التي جرت يوم أمس حيث قام سعودي الجنسية بإطلاق النار على أصدقائه. رأينا أن نبحث موضوع سياسات ترامب حول موضوع الهجرة. ولذلك سنستهل مقالتنا بتوضيح ما جرى في عملية إطلاق النار ومن ثم سنوضح سياسات ترامب في موضوع الهجرة وأثرها على الأمن القومي الأمريكي.
وقع الهجوم الذي شنه “محمد الشمراني” داخل صف في قاعدة بنساكولا الجوية التابعة لسلاح البحرية في فلوريدا الجمعة وأسفر عن مقتل ثلاثئ آشخاص وإصابة ثمانية أخرین بجروح، بينهم عنصران في الشرطة واجها المهاجم.
وقال حاكم ولاية فلوريدا إن مطلق النار هو أحد أفراد سلاح الجو السعودي ارسله بلده لتلقي التدريب.
وذكر موقع مجموعة “سايت” الأميركية لمراقبة الحركات الجهادية أن الشمراني نشر بيانا قصيرا على تويتر يقول فيه “أنا ضد الشر، وأميركا عموما تحولت الى دولة شر”.
وفي محاولة لفهم هذه الحادثة يبدو أنه أمامنا تفسيرين لهذا الهجوم الشنيع:
الأول: هو أن الرجل قام بالعملية من تلقاء نفسه مدفوعا بإعتقادات متشددة.
الثاني: الرجل تم دفعه وأمره بالقيام بهذه العملية؛ استقوفني منذ أيام خبرا كشفت عنه صحيفة “واشنطن بوست” وهو أن وزارة الخارجية الأميركية رفضت مؤخرًا اقتراحًا بتدريب المخابرات السعودية، خشية أن تستغل التدريبات في القيام بأعمال سرية غير مشروعة، كعملية قتل الصحفي جمال خاشقجي.
وأوضح الكاتب دايفيد اغناطيوس في مقال نشرته الـ”واشنطن بوست” أن الاقتراح تقدمت به شركة “DynCorp” “داينكروب” العسكرية الأمريكية المتخصصة بعمليات التشغيل والدعم والتدريب، مشيرًا إلى ان سبب رفض الخارجية هو عدم تقيد السعودية بالإجراءات المطلوبة من أجل منع حدوث “عمليات سرية غير قانونية”.
ولفت اغناطيوس الى أن المسؤولين في الخارجية وجهاز الاستخبارت الأميركية الـ”CIA” منزعجون من معلومات تتحدث عن مواصلة السعودية الممارسات الفاسدة المتعلقة بإجبار المعارضين على العودة إلى السعودية والتجسّس على أفراد عائلة خاشقجي واعتقال ناشطي حقوق الإنسان.
وتحدث الكاتب أیضا عن قلق المسؤولين الأميركيين من أن “ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لم يدرك بعد أن “المحاسبة الإستخباراتية” والإصلاحات ضرورية من أجل “إستقرار العلاقات الأميركية السعودية”، وتابع أن المسؤولين منزعجون من “عدم توجيه أي تهم حتى الآن إلى مستشار ابن سلمان، سعود القحطاني الذي لا يزال يلعب دورا هاما خلف الكواليس”.
في محاولة لفهم هذه العملية يمكن ربط هذين الحدثين ببعضهما البعض فالعملية قد تكون كرد انتقامي لرفض وزراة الخارجية تدريب عناصر سعودية. على كل حال لا تزال التحقيقات مستمرة لكشف ملابسات الحادث وما يهمنا هنا هو سياسات الرئيس ترامب في مجال الهجرة.
بعد الحادثة اتصل الملك سلمان بالرئيس ترامب معزيا (تماما كما فعلوا في الأحداث الإرهابية المؤلمة في الحادي عشر من سبتمبر) وقال الرئيس الأمريكي بدوره: “قال الملك إن الشعب السعودي غاضب للغاية من الأعمال الوحشية التي قام بها مطلق النار، وأن هذا الشخص لا يمثل بأي شكل من الأشكال مشاعر الشعب السعودي الذي يحب الشعب الأميركي”. ولربط هذا الحادث بسياسات الرئيس دونالد ترامب المتعلقة بالهجرة؛ يجب القول بأن الرئيس ترامب أصدر قرارا بمنع مواطني سبع دول إسلامية (اليمن، العراق، سوريا، ايران، الصومال، ليبيا والسودان) من دخول الأراضي الأمريكية والمفارقة العجيبة هي أن هذه الدول لم تصدّر أي إرهابيين بإتجاه الولايات المتحدة بين فترتي (1975 حتى 2019) بحسب احصائيات أوردها (Martin Armstrong). وأن أغلب من نفذ العمليات الإرهابية هم من الممكلة العربية السعودية ويكفي أن نذكر بأن 15 شخصا من 19 ممن نفذوا العملية الإرهابية في الحادي عشر من سبتمبر؛ كانوا سعوديين.
ويدّعي الرئيس الأمريكي بأن هذه الدول لاتتمتع بالإستقرار الأمني ولا تقوم بالتحقيقات اللازمة للقادمين للولايات المتحدة، والآن يجب سؤال الرئيس الأمريكي هل تقوم السعودية المستقرة أمنيا بالتحقيقات اللازمة لمبتعثيها؟ وهل لو قامت السعودية بهذه التحقيقات خصوصا (حول ضابط من ضباطها هي أرسلته للتدريب في الولايات المتحدة) هل كنا سنشهد هذه العملية الإرهابية التي راح ضحيتها 3 جنود أمريكيين وأكثر من عشرة جرحى؟
الأجوبة برسم الرئيس ترامب.
إن سياسات الرئيس ترامب في مجال الهجرة قد بائت بالفشل وأثبتت أنها عنصرية وشعبوية فارغة. فسياسة فصل الأمهات عن أبنائهن، قد أظهرت الوجه الشرير لإدارة الرئيس دونالد ترامب ولكن الشعب الأمريكي الذي لم يخدع بهذا الخطاب الشعبوي تظاهر ضد هذه السياسة ولعلنا جميعا سمعنا القاضي الأمريكي وهو يوبخ القائمين على معسكرات الفصل.
أما سياسة الرئيس ترامب وإصراره على بناء الجدار العازل بين الولايات المتحدة والمكسيك (والذي عطل الرئيس الأمريكي الموازنة لأسابيع لتغطية نفقات هذا الجدار البالغة 5 مليار دولار) هي الثانية أثبتت فشلها نتيجة الثغرات التي وجدها المهاجرون وتخطوا من خلالها هذا الجدار الذي طالما ما وصفه ترامب (بالجميل).
عزيزي القارئ إن اتباع سياسات هجرة معتدلة مبتنية على نظام هادف هو أمر مطلوب ولا بد منه فنحن لا ندعو أبدا لفتح أبواب الولايات المتحدة وغيرها من الدول لمن هبّ ودبّ ولكن تفعيل نظام هجرة يعتمد على الخبرات في جانب منه وعلى جانب حقوق الإنسان من جهة أخرى هو حل من الحلول الناجعة لمواجهة الهجرة غير المشروعة.
وقبل كل ذلك على الإدارة الأمريكية أن تلغي القرارات الجائرة بحقنا “نحن مواطني الدول الممنوعة من دخول الولايات المتحدة” وعليها أيضا أن تقوم بالتحقيقات الأمنية اللازمة وألا تعتمد على السعودية في إجراء مثل هذه التحقيقات. فالتطرف الذي تم زرعه في السعودية لا يمكن اقتلاعه بين يوم وليلة عن طريق هيئة الترفيه “نحن لا نعارض أبدا ما تقوم به هيئة الترفيه”، وإنما نقول بأن مكافحة التطرف تبدأ من تثقيف المجتمع ومحاربة الإرهاب وأفكاره بدلا من إعتقال الناشطات المدنيات اللائي يعانين إلى اليوم من ظلام السجون في السعودية. وعلى سبيل التذكير نذكر “نكتتين” يرددهما المسؤولون السعوديون الأولى جاءت على لسان ولي العهد محمد بن سلمان حيث قال: «كنا نعيش حياة طبيعية للغاية كما هو الحال في بقية دول الخليج، والنساء كنّ يقدن السيارات، وكانت هناك دور للسينما، والنساء يعملن في كل مكان.. كنا أناساً طبيعيين نتطور كأي بلد آخر في العالم، حتى أحداث عام 1979. بعد عام 1979، كنا ضحايا، ولا سيما جيلي الذي عانى من هذا الأمر بشكل كبير، مبيناً أن المشاكل بدأت من عام 1979، عندما أسس الخميني حكومة أيديولجية طائفية في إيران.» يمكن ترك هذه النكتة هكذا ولكن للتوضيح يجب القول: عجيب كيف استطاع ولي العهد أن يربط بين الإرهاب والفكر المتطرف الذي تجذّر في السعودية وبين الثورة الإيرانية (نحن هنا لسنا بصدد الدفاع أو الهجوم ضد الثورة الإيرانية). تناسى الرجل التاريخ المتجذر للفكر الإرهابي المتطرف في المملكة والذي يعود إلى سنوات مديدة قبل عام 1978. وإن كانت النساء تقود السيارات بحق قبل 1978 فنحن نسأل سمو ولي العهد هلّا أطلقت سراح الناشطات السعوديات اللائي لم يطالبن إلا بحرية النساء؟ ونحن ننتظر وعودك التي أطلقتها في مقابلتك مع برنامج 60 دقيقة. إن كنت يا سمو ولي العهد نسيت، فالوعد كان بأن تتدخل شخصيا وتوقف التعذيب وتطلق سراح الناشطات السعوديات وها نحن ننتظر ولن نمل أبدا؟
النكتة الثانية سنذكرها دون التعليق عليها لتجنب الإطالة وهي النكتة التي يطلقها الجبير بين الفينة والآخرى وهي: «إن قطر تواصل تمويل المتطرفين والإرهابيين وتتدخل في شئون الدول». وكأنّ السعودية مرتع للديمقراطية وحرية الفكر…
کل ما تم طرحه من أسئلة وفرضيات في موضوع الهجرة والإرهاب هو برسم الرئيس دونالد ترامب للإجابة عنه وحماية الشعب الأمريكي من هذه الهجمات التي تستهدف البشرية ككل.
كاتب ومحلل سياسي/ دكتوراة في القانون
عضو في كرسي حقوق الإنسان (اليونسكو)