المستقبل السياسى لجاريد كوشنر
محمد المنشاوي
لن يكون لكوشنر مستقبل سياسى فلن يستعين به أى رئيس أمريكي وسيذهب ومعه صفقة القرن لسلة مهملات التاريخ.
لا يمكن تخيل ترشح كوشنر بأي انتخابات إذ لا يملك كاريزما شخصية أو قدرات بلاغية لتحريك حشود انتخابية.
أدين والد كوشنر بالتهرب الضريبى وتقديم رشى وابتزاز منافسين باستخدام عاهرات، وتمويل حملات انتخابية يخالف القانون.
تجده جالسا على أطراف الطاولة التى تجمع والد زوجته «حماه» الرئيس الأمريكى الحالى دونالد ترامب مع زعماء العالم أو وزراء الإدارة الأمريكية. لا يتحدث كثيرا ولا يدون ملاحظات حول اللقاءات التى يحضرها بصفته كبير مستشارى الرئيس الأمريكى.
وبعكس ممن سبقه من رؤساء أمريكا الأربعة والأربعين، اختار ترامب أن يسمح لابنته إيفانكا، ولزوج ابنته جاريد كوشنر بتبوء مناصب هامة ولعب أدوار كبيرة فى عملية صنع السياسة الأمريكية، وذلك رغم عدم تمتعهما بأى خبرات ذات قيمة أو معرفة بالملفات التى يتعاملون معها أو المناقشات التى يشاركون فيها.
من الطبيعى أن يلعب أفراد عائلة الرئيس الأمريكى دورا صامتا مؤثرا على قرارات الرئيس، إلا أن ذلك لا يظهر للخارج بحكم أن ذلك يحدث فى إطار عائلى بحت.
قد يكون هناك دور كبير لسيدة البيت الأبيض الأولى أو دورا هاما لأبناء الرئيس هنا أو هناك، لكن أن يصل الأمر إلى أن يتبنى الرئيس الأمريكى تجربة تعيين الأبناء، فهذا ما لم تعهده واشنطن، إذ حذر منه كثيرا المؤسسون الآباء للجمهورية الأمريكية قبيل قرنين ونصف القرن من الزمان.
قانونيا لا تمنع أى تشريعات الرئيس الأمريكى من الاستعانة بمن يشاء من العائلة أو من خارج العائلة كمستشار داخل البيت الأبيض، ويُسمح للرئيس أن يخصص أى ملفات يختارها كى يديرها ويشرف عليها هذا المستشار أو ذاك، ولا يحق للكونغرس التدخل فى اختيارات الرئيس لمعاونيه اعتمادا على أن الرئيس وحكمته ستكون مانعا ضد هذه الممارسات.
ولد جاريد كوشنر عام 1981 لرجل أعمال ومليونير متخصص فى الاستثمارات العقارية فى ولاية نيوجيرسى، وتتبع عائلته الديانة اليهودية بنسختها المتشددة. وظهر تشدد العائلة الدينى فى رفضها زواج ابنها جاريد من إيفانكا ترامب بسبب ديانتها المسيحية. واضطرت إيفانكا قبل نهاية 2009 إلى تغيير ديانتها من أجل الزواج من «حب حياتها» كما تقول.
ورزقت العائلة بثلاثة أولاد يتم تربيتهم بحزم طبقا لتقاليد التعاليم اليهودية المتشددة دينيا واجتماعيا. ولم يسبق لكوشنر العمل أو الاهتمام بالسياسة مثله فى ذلك مثل زوجته.
اهتم كوشنر بإدارة شركة والده الذى تم إدانته عام 2005 بعدة تهم تتعلق بالتهرب الضريبى وتقديم رشاوى وابتزاز بعض المنافسين باستخدام عاهرات، وتقديم دعم مالى لحملات انتخابية بطرق مخالفة للقانون.
وأثناء قضاء والد كوشنر ما يقرب من سنتين خلف أسوار السجن، بدأ جاريد فى إدارة استثمارات والده، ومن ثم هو بذاته رجل أعمال ومستثمر فى مجال العقارات، وعرف النجاح والفشل فى العديد من الصفقات.
أما إيفانكا زوجته فقد بدأت كسيدة أعمال بعد انتهاء تعليمها الجامعى وعملت كنائب رئيس فى مؤسسة والدها ترامب. وبعد ذلك أسست عدة شركات خاصة بها، وبدأت فى الترويج لخط إنتاج لملابس ومجوهرات يحمل اسمها (إيفانكا ترامب لايف ستايل)، ولا يعرف عن إيفانكا أنها سيدة أعمال ناجحة وسط دوائر مدينة نيويورك.
تعرف واشنطن سياسة يطلق عليها الباب الدوار، والتي بمقتضاها ينتقل الشخص من البيت الأبيض بعد انتهاء حكم الإدارة التى ينتمى إليها إلى انتخابات الكونغرس أو العكس، أو أن يؤسس الشخص شركة خاصة أو أن ينضم لمركز بحثى يكتب ويُنظر من خلاله انتظارا لعودة سيطرة الحزب المنتمى إليه للبيت الأبيض مرة أخرى.
إلا أنه فى حالة كوشنر، فالأمر يختلف جملة وتفصيلا. فالرجل وعائلته كانوا من المتبرعين المنتظمين للمرشحين من الحزب الديمقراطى، وغير كوشنر ولاءاته بسبب حماه ترامب، ولا يمكن تخيل أن يدخل كوشنر انتخابات للكونغرس أو لحكم ولاية أو مدينة، حيث أنه لا يملك أى كاريزما شخصية أو قدرات بلاغية يستطيع بها تحريك الحشود الانتخابية.
حضرت فاعليات قليلة تحدث فيها السيد كوشنر، ولم أستغرب أن أغلب الحاضرين تملكهم نفس الشعور الذى تملكنى بالتندر على وصول شخص بهذه المهارات الضئيلة والمعرفة البسيطة لمنصب قيادى فى البيت الأبيض، هو وكذلك زوجته الحسناء.
يذكر كتاب صدر منذ أشهر عن كوشنر وإيفانكا أن ستيف بانون وبّخ إيفانكا فى حضور والدها لجهلها بقضايا كان يتم النقاش حولها بالقول «أنت لا شىء».
وخلال ترؤسه ورشة عمل المنامة الشهر الماضى، عرض كوشنر لتصوره الاقتصادى لسلام الشرق الأوسط، ولم يكن التصور إلا تجميع لأفكار عامة تطرحها دوريا جهات كالبنك الدولى أو الوكالة الأمريكية للتعاون الدولى أو شركات الاستشارات مثل ماكينزى أو أيكسنشر.
نجا كوشنر من تحقيقات التدخل الروسى فى الانتخابات، وبسبب دعم حماه ترامب تخطى معضلة عدم تأهله للحصول على شهادة أمنية تؤهله للاطلاع على وثائق حكومية أمريكية سرية، ولا تسمح له بالعمل فى البيت الأبيض.
قد يخسر ترامب سباق انتخابات 2020 أو قد يخرج من البيت الأبيض عام 2024 على أقصى تقدير. سيكون عمر كوشنر حينذاك 39 عاما أو 43 عاما. ولن يكون لكوشنر أى دور سياسى فى المستقبل، فلن يستعين به أى رئيس قادم للولايات المتحدة.
السيناريو الوحيد له كى يحتفظ بالعمل فى المجال السياسى هو أن تقرر زوجته إيفانكا أن تترشح لمنصب حاكم ولاية أو سيناتور أو حتى لمنصب الرئيس الأمريكى، وحال نجاحها سيعود كوشنر للحياة السياسية، ودون ذلك سيذهب هو ومن قبله صفقة القرن لسلة مهملات التاريخ.
د. محمد المنشاوي - كاتب صحفي في الشؤون الأمريكية من واشنطن
المصدر | الشروق المصرية