هل يتضرر نفوذ السعودية والإمارات في واشنطن بمبيعات الأسلحة الطارئة؟
ترجمة وتحرير الخليج الجديد
في محاولة لتجاوز معارضة الديمقراطيين والجمهوريين في الكونغرس الأمريكي، أصدرت إدارة الرئيس "دونالد ترامب" إعلانا وطنيا "للطوارئ" في 24 مايو/أيار. وبررت الإدارة اللجوء لحالة الطوارئ لاستكمال مبيعات الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والأردن بالتوترات مع إيران. وغطى الإعلان 22 عقدا تتجاوز قيمتها 8 مليارات دولار، معظمها لدول الخليج العربية والعديد منها مرتبط بالحرب في اليمن. وكان المشرعون في كلا المجلسين ومن كلا الحزبين، خاصة الديمقراطيين في مجلس النواب، قد سعوا إلى استخدام صلاحيات الرقابة التقليدية في الكونغرس لمنع مبيعات الأسلحة هذه إلى السعودية والإمارات، مشيرين إلى الأزمة الإنسانية الناجمة عن الحرب في اليمن، إضافة إلى مقتل الصحفي السعودي "جمال خاشقجي" وغيرها من انتهاكات حقوق الإنسان.
ويقولون الآن إنهم سوف يبحثون عن وسائل إضافية لمنع المبيعات للحفاظ على سلطاتهم المؤسسية. وتجر هذه التطورات دول الخليج العربية إلى عمق النزاعات السياسية الداخلية في الولايات المتحدة، وتهدد بتفاقم التوترات في العلاقات مع أجزاء رئيسية من المؤسسة السياسية الأمريكية ومجتمع صياغة السياسات، على الرغم من العلاقات القوية المستمرة مع إدارة "ترامب".
وتقع السعودية والإمارات في خضم نيران النزاعات الأمريكية الداخلية على 3 محاور: الفصل بين السلطات بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، وجهود الديمقراطيين المعارضين لانفراد "ترامب" والجمهوريين بالسياسة الخارجية والداخلية، ومحاولات الجمهوريين الأكثر تقليدية الرد على أجندة الرئيس الأمريكي "التجاربية" أو "العزلة الجديدة" التي يحاول الذهاب إليها في بعض الأحيان. وعلى هذه الجبهات الثلاث، تجد هذه الدول الخليجية نفسها عرضة لاستخدامها كورقة ضغط ضد "ترامب" من قبل خصومه الديمقراطيين و"نقاده" من الجمهوريين على حد سواء.
ولم يكن التدخل اليمني يحظى بشعبية كبيرة بين الديمقراطيين، لكنهم كانوا مقيدين حين كان الرئيس "باراك أوباما" في السلطة، بالنظر إلى أن دعمه الفاتر للجهود التي تقودها السعودية حال دون أي مواجهة، خاصة مع سماحه بتعليق بيع شحنة كبيرة من الذخائر الموجهة بدقة إلى المملكة لتجديد المخزونات التي تم استنفادها في اليمن. ورفع "ترامب" هذا التعليق بعد فترة وجيزة من توليه منصبه، ووسع نطاق الدعم الأمريكي لمشاركة التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن.
وفي حين كانت الأصوات الديمقراطية هي الأعلى صوتا خلال النصف الأول من فترة "ترامب"، فإنها لم تكن مؤثرة وسط سيطرة الكومهوريين على الكونغرس والدعم الذي حظى به "ترامب" من نواب مجلس الشيوخ البارزين. لكن بعض هؤلاء النواب، لاسيما "ليندسي غراهام" و"ماركو روبيو" أصبحوا على استعداد لمعارضة تسليم الأسلحة إلى المملكة بعد مقتل "خاشقجي". وفي تعبير عن التحول الخطير في مسار سلوك الحكومة السعودية، تحول "غراهام"، على وجه الخصوص، من مدافع بارز إلى منتقد صاخب للحكومة السعودية، وخاصة ولي العهد "محمد بن سلمان".
وبعد وقت قصير من مقتل "خاشقجي"، استعاد الديمقراطيون السيطرة على مجلس النواب في انتخابات التجديد النصفي لشهر نوفمبر/تشرين الثاني 2018. وازدادت التوترات حول الممملكة في الكونغرس بسبب احتجاز ناشطات حقوق المرأة في المملكة وتعذيبهن، والادعاءات بأن الدبلوماسيين السعوديين ساعدوا مواطنين سعوديين على الفرار من الولايات المتحدة لتجنب المحاكمات بتهم جنائية خطيرة. وأصبح من الواضح بشكل متزايد أن الديمقراطيين المفوضين حديثا، والجمهوريين المحبطين على نحو متزايد، من المرجح أن ينظروا إلى مبيعات الأسلحة إلى السعودية والإمارات باعتبارها شكلا رئيسيا من أشكال التأثير في السياسة الخارجية للإدارة.
وكان الانقسام الحزبي مع الديمقراطيين واضحا منذ بداية عهد إدارة "ترامب"، لكنه أصبح أكثر وضوحا عندما سيطر الديمقراطيون على مجلس النواب. وبدأ الضغط الأيديولوجي والاستراتيجي القوي من قبل الجمهوريين في مجلس الشيوخ بعد مقتل "خاشقجي". واحتلت المنافسة المؤسسية بين الكونغرس والبيت الأبيض مكانة بارزة مع اعتراض "ترامب" في 16 أبريل/نيسان على الجهود التشريعية لاستخدام قانون سلطات الحرب لعام 1973 لوقف جميع العمليات الأمريكية المتعلقة بحرب اليمن. ومع إعلان الطوارئ، الذي يسعى إلى تجاوز احتمال الرفض التشريعي لمبيعات الأسلحة هذه، ضاعف البيت الأبيض من جهوده لتهميش الكونغرس.
ويوضح كل هذا الطريقة التي أصبحت بها السعودية والإمارات، لاسيما تدخلهما العسكري في اليمن، عرضة لثلاثة من أهم خطوط الصدع في السياسة الأمريكية الداخلية. لكن السعوديين يشعرون أنهم نجوا من مواقف أكثر صعوبة في علاقتهم مع الولايات المتحدة. وتم استخدام إعلانات طوارئ مماثلة لتمرير بيع أسلحة رغم اعتراضات الكونغرس من قبل الرؤساء "رونالد ريغان" عام 1984، و"جورج بوش" الأب عام 1990، و"جورج دبليو بوش" عام 2002. وقد تم تبرير ذلك دائما بالحاجة للحفاظ على التحالف الاستراتيجي مع السعودية، الذي بدأ في الأربعينيات من القرن الماضي تحت حكم الرئيس "فرانكلين روزفلت"، والذي يحاول جميع الرؤساء من الحزبين منذ ذلك الحين الحفاظ عليه. وكانت هناك اختبارات أكثر شدة بكثير لهذا التحالف من أي اختبارات يتعرض لها اليوم، مثل الحظر النفطي لعام 1973، وهجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، وغزو العراق عام 2003.
ومع ذلك، تتحول الديناميات السياسية للسياسة الخارجية في واشنطن بشكل كبير عن سياقات ما بعد الحرب العالمية الثانية وما بعد الحرب الباردة، التي كانت أساس هذا التحالف حتى الآن. وحتى إذا لم يقم "ترامب" بإعادة هيكلة السياسة الخارجية الأمريكية بطريقة عميقة ودائمة، من خلال إحياء "الانعزالية الجديدة"، على سبيل المثال، فلن تعود الأمور إلى ما كانت عليه خلال أي من تلك العصور القديمة. وبصرف النظر عن العلاقات القوية مع إدارة "ترامب" وأسرته، تعاني السعودية والإمارات انحسارا كبيرا في قاعدة دعمهمابين الديمقراطيين وبعض الجمهوريين ذوي النفوذ. ولقد استخدم "ترامب" حق النقض ضد قرار الحرب في اليمن، وسيزود السعودية والإمارات بهذه الأسلحة عبر إعلان الطوارئ. لكن كلا الإجراءين، وإن كانا يوفران ما تريده الدولتان على الفور، فإنها يعزان الشعور داخل الكونغرس وبين الأصوات الرئيسية في كلا الحزبين بأن هذه العلاقة هي سمة خاصة لـ"إدارة ترامب". وعلى المدى الطويل، من غير المحتمل أن يبني هذا دعما قويا لأبوظبي والرياض في واشنطن.
المصدر | حسين إبيش - المركز العربي واشنطن دي سي