أمريكا وإيران: وسابقة سعودية في إشعال الحروب!
محمد عبد الحكم دياب
صدى تكثيف التحركات السياسية والعسكرية والإعلامية والعامة ضد إيران؛ صدى تجاوز أوروبا وأمريكا، وتخطى “القارة العربية” والعالم الإسلامي، فملأ الدنيا وشغل الناس، وهذا التوتر ليس جديدا، وهو ممتد منذ احتجاز الرهائن داخل السفارة الأمريكية بطهران في بداية الثورة عام 1979 ولمدة 444 يوما، وانتهت بخسارة جيمي كارتر لانتخابات التمديد، ولم يتمكن من البقاء في منصبه لأربع سنوات إضافية، ومن وقتها والتوتر لا يتوقف.
وقد تجدد مؤخرا بسبب النشاط النووي الإيراني، وكان ضمن الأوراق الانتخابية في حملة دونالد ترامب في انتخابات 2016، ونفذ وعده الانتخابي، وانسحب من الاتفاق النووي؛ المُوَقَّع مع الدول الخمس الكبرى؛ ذات العضوية الدائمة في مجلس الأمن؛ الولايات المتحدة، وروسيا، والصين، وبريطانيا، وفرنسا، ولكل منها حق النقض (الفيتو)، بالإضافة إلى ألمانيا، وعُرِف باتفاق 5+1، وأبرم في 2015، لتخفيف العقوبات عن طهران، مقابل وقف التخصيب. وانسحب ترامب من الاتفاق في أيار/مايو 2018، وردت إيران بعزمها على مواصلة نشاطها النووي.
وبالعودة إلى ما قبل الثورة الإيرانية في 1979؛ كانت طهران أكبر حليف للرياض وواشنطن، وكانت ثاني دولة إسلامية تعترف بالدولة الصهيونية بعد تركيا عام 1950، وأي تقارب إيراني مع أمريكا يعني «طلاقا كاثوليكيا» مستحيلا، وتقلق السياسة السعودية من احتمال تحسن العلاقات الأمريكية الإيرانية، ومع زيادة القلق يزداد الاغداق على واشنطن؛ لضمان استمرار الضغط على إيران وحصارها وفرض العقوبات عليها.. وتحول الاغداق لابتزاز دائم و«جزية» مقررة؛ وصارت مصحوبة بإهانات وتهديد مباشر؛ من الرئيس ترامب للملك سلمان، و قال عنه: «لن يظل في الحكم أسبوعين من دون دعم الجيش الأمريكي». وإن «الجزية» التي تُدفع هي ثمن حماية الحكم السعودي!!
والابتزاز مهنة برع فيها الصهاينة، وتفوق فيها كل من ترامب ونتنياهو، وتماهى معهما ولي العهد محمد بن سلمان، الذي وقف في صدارة قوى التحريض على إشعال الحرب، ويعاضده وزير الخارجية الأمريكي «مايك بومبيو»، ويسانده مستشار الأمن القومي «جون بولتون»، ولأن ترامب صهيوني بالفطرة؛ لا يستطيع رفض طلب لنتنياهو، فنقل السفارة الأمريكية للقدس.. واعترف بسيادة مزيفة للدولة الصهيونية على الجولان السوري المحتل!!.
وما بين أمريكا وإيران هو في حقيقته تجاذب قد لا يؤدي للحرب إلا في حالات محدودة للغاية؛ إذا ما أتيحت فرصة لتوسع جديد للدولة الصهيونية، أو لاستكمال احتلال بلد عربي آخر، أو للعودة إلى ما كانت عليه الأوضاع قبل نشأة الدولة السعودية الأخيرة بنسختها الوهابية المذهبية المتشددة عام 1932.. أو إلى أيام «المحميات البريطانية» في الخليج، قبل 1971؛ عام جلاء القوات البريطانية؛ بنفوذ وفدائية قوى التحرر العربي، وذروتها في الفترة التي أعقبت العدوان الثلاثي على مصر في 1956.
والسؤال هو أين ذهبت أوراق القوة العربية؟.. وسقوطها ورقة ورقة، وكثير منها أضيف إلى رصيد الثورة الإيرانية، وغيرهم؛ بمواقفهم الإيجابية من القضايا العربية وخصوصا قضية فلسطين، وكانت وما زالت القضية الأهم، التي دفعت رئيسا أمريكيا بقامة جون كيندي ليراسل عبد الناصر لفهمها والاطلاع على خباياها.. وأشارت تقارير إلى أن ذلك تسبب في اغتياله، واستئصال أسرته بالكامل من الحكم؛ اغتِيل كيندي وأخوه وراح الباقي ضحايا حوادث غامضة واحدة تلو الأخرى..
صدى تكثيف التحركات السياسية والعسكرية والإعلامية والعامة ضد إيران؛ صدى تجاوز أوروبا وأمريكا، وتخطى “القارة العربية” والعالم الإسلامي، فملأ الدنيا وشغل الناس
وجاء سقوط الورقة الفلسطينية في الحِجْر الإيراني فوجدت رعاية واحتضانا، وكان من الأوجب أن يكون ذلك مدعاة للتقارب والتعاون العربي الإيراني.. وقد كانت إيران الشاه أكبر داعم للدولة الصهيونية، وكانت السياسة السعودية تعمل لحسابها، وحرضت على تدمير الجيوش العربية في 1967، وهو ما كشفته الوثائق.. وكانت التنمية المستقلة والعدالة الاجتماعية قد شقت طريقها في مصر وسوريا والجزائر والعراق. بجانب ما قامت به مصر من واجب في مساندة حركات التحرر العربية والافريقية واللاتينية والعالمية.
وبعيدا عن التفاصيل الأيديولوجية والعقائدية في زمن الفتن والتكفير وإهدار الدماء، والتمسك بما يفرق لا ما يوحد.. فالحكم الإيراني، مثله مثل أي حكم آخر، ليس مقدسا وغير معصوم، وعليه أن يبادر بما يلبي مطالب دولة الإمارات المشروعة في جزر طنب الكبرى، وطنب الصغرى، وأبو موسى، وإذا كان خضوعها للإدارة الإيرانية لم يشعل حربا، وهي أوجب لتحرير الأرض، فلماذا يُحَرض خليجيون ضد إيران؛ لخلافات يمكن حلها بالحوار والتفاوض، ومراعاة المصالح المشتركة وحسن الجوار؛ أم إنها الانحيازات المذهبية والتعصب الطائفي!!.
وأجدها فرصة لعرض وثيقة تحريض سعودية ضد مصر قبل 1967؛ نُشِرت في كتاب «عقود من الخيبات» لحمدان حمدان تنسب للملك فيصل بن عبد العزيز، وموجهة إلى الرئيس الأمريكي ليندون جونسون؛ عام 1966م، وتحمل رقم 342 «وثائق مجلس الوزراء السعودي»؛ جاء فيها: «من كل ما تقدم يا فخامة الرئيس، ومما عرضناه بإيجاز يتبين لكم أن مصر هي العدو الأكبر لنا جميعا، وأن هذا العدو إن ترك يحرض ويدعم الأعداء عسكريا وإعلاميا، فلن يأتي عام 1970»، كما قال الخبير فى إدارتكم السيد كيرميت روزفلت ـ وعرشنا ومصالحنا في الوجود.. لذلك فأنني أبارك، ما سبق للخبراء الأمريكان في مملكتنا، أن اقترحوه، لأتقدم بالاقتراحات التالية:
ـ أن تقوم أمريكا بدعم (إسرائيل) بهجوم خاطف على مصر تستولى به على أهم الأماكن حيوية في مصر، لتضطرها بذلك، لا إلى سحب جيشها صاغرة من اليمن فقط، بل لإشغال مصر (بإسرائيل) عنا مدة طويلة لن يرفع بعدها أي مصري رأسه خلف القناة، ليحاول إعادة مطامع محمد على وعبد الناصر في وحدة عربية، بذلك نعطى لأنفسنا مهلة طويلة لتصفية أجساد المبادئ الهدامة، لا في مملكتنا فحسب، بل وفى البلاد العربية ومن ثم بعدها، لا مانع لدينا من إعطاء المعونات لمصر وشبيهاتها من الدول العربية اقتداء بالقول (أرحموا شرير قوم ذل)، وكذلك لاتقاء أصواتهم الكريهة في الإعلام.
سوريا هي الثانية التي لا يجب ألا تسلم من هذا الهجوم، مع اقتطاع جزء من أراضيها، كي لا تتفرغ هي الأخرى فتندفع لسد الفراغ بعد سقوط مصر.
لا بد أيضا من الاستيلاء على الضفة الغربية وقطاع غزة، كي لا يبقى للفلسطينيين أي مجال للتحرك، وحتى لا تستغلهم أية دولة عربية بحجة تحرير فلسطين، وحينها ينقطع أمل الخارجين منهم بالعودة، كما يسهل توطين الباقي في الدول العربية.
ـ نرى ضرورة تقوية الملا مصطفى البارزاني شمال العراق، بغرض إقامة حكومة كردية مهمتها إشغال أي حكم في بغداد يريد أن ينادى بالوحدة العربية شمال مملكتنا في أرض العراق سواء في الحاضر أو المستقبل، علما بأننا بدأنا منذ العام الماضي (1965) بإمداد البارزاني بالمال والسلاح من داخل العراق، أو عن طريق تركيا وإيران.
يا فخامة الرئيس: إنكم ونحن متضامنين جميعا سنضمن لمصالحنا المشتركة ولمصيرنا المعلق، بتنفيذ هذه المقترحات أو عدم تنفيذها، دوام البقاء أو عدمه»، انتهت الرسالة، وهل يود الحكم السعودي أن يكرر ذلك الدور العدائي.. ألا له من توبة توقفه عند حده!!.
كاتب من مصر