السعودية: جريمة من عصور الظلام

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 2358
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

مالك التريكي
 رغم أن أخبار الإعدامات في بلدان مثل السعودية وإيران وباكستان والصين تتكرر تكرارا شبه روتيني، ورغم أن الجريمة الشنعاء التي راح ضحيتها جمال خاشقجي رحمه الله لم تترك مجالا لاستغراب أي جرائم أخرى قد تأتي من المصدر ذاته، فإن خبر اعتزام الرياض إعدام سلمان العودة وعوض القرني وعلي العمري مثير للدهشة والحيرة. إذ إن التهم الموجهة لهؤلاء الأشخاص المعروفين لا يقبلها عقل، ولهذا أتى في أحد عناوين الصحف البريطانية أن «السعودية تعتزم تنفيذ إعدام ثلاثي بعد رمضان على كاتب معتدل، ومذيع تلفزيوني وعالم دين بتهم إرهاب غريبة شاذة!
إلا أن ما يبدو لبقية البشرية شذوذا قد يبدو عين العقل والحكمة بالنسبة للقيادة السعودية الجديدة. ومن هو أخبر بطريقة تفكيرها من جمال خاشقجي؟ فقد نقل موقع «ميدل ايست آي» أنه قال، قبل يومين فقط من مقتله، إنهم «سوف يعدمون سلمان العودة ليس لأنه متطرف، بل لأنه معتدل! لهذا يرون أنه خطر عليهم». أي أن اعتدال سلمان العودة وتعقله ووسطيته هي مصدر خطره وخطورته!!!
وتفسير قرار إعدام الرجال الثلاثة بعد رمضان، حسب مصادر «ميدل ايست آي»، هو أن السلطات السعودية أعدمت في نيسان/ابريل 37 سعوديا، معظمهم من الشيعة، وأنه لمّا تبيّن لها أن هذه الإعدامات لم تستثر أي رد فعل دولي، خصوصا على مستوى رؤساء الحكومات والدول، فإنها قررت المضي دون حرج في عزمها المبيّت على إعدام العودة والقرني والعمري. كما أن التوتر السائد في الخليج حاليا ومحاباة واشنطن للرياض قد شجعاها على الإقدام، لأنها قدّرت أنها ستكون بمنجى من الانتقاد، وحتى من الانتباه.

التجارب النضالية أثبتت أن أصحاب المبادئ هم دائما أحرار في جميع الأحوال، بل إن السجناء منهم غالبا ما يكونون أكثر حرية من سجانيهم وجلاديهم
الأكيد إذن أن العد العكسي لارتكاب الجريمة قد بدأ. ذلك أن قتل العلماء والمفكرين (بحيلة «قانونية» اسمها حكم الإعدام) هو جريمة من مخلفات عصور الظلام. لهذا فقد صار من واجب المنظمات الحقوقية والديمقراطيات الليبرالية المسارعة إلى محاولة إنقاذ حياة هؤلاء المعتقلين الذين لم يفعلوا شيئا سوى التعبير السلمي عن آرائهم، والذين لم يكن لهم من سلاح أبدا سوى الكلمة. فليس هؤلاء دعاة عنف وفتنة، وإنما هم سجناء رأي وضمير. بل إن المؤسي أن الشيخ سلمان العودة لم يبلغ به الأمر حتى درجة التعبير عن الرأي. إذ إن حكم الاعتقال التعسفي ضده في ايلول/سبتمبر 2017 قد وقع بعد أن دعا الله عز وجل أن يؤلف بين قلوب حكام قطر والسعودية، حيث كتب على تويتر: «ربنا لك الحمد، لا نحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك.. اللهم ألف بين قلوبهم لما فيه خير شعوبهم». أي أن الرجل لم يعتقل بسبب رأي، بل بسبب دعاء إلى الله!
وقد تحرك الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين وناشد العالم «بذل كل الجهود لمنع تنفيذ حكم الإعدام في حق المظلومين»، وقال إن «إعدام وقتل العلماء الربانيين (..) جريمة كبرى تستحق غضب الله تعالى»، ودعا «المجتمع السعودي بجميع مكوناته وعلمائه ومفكريه وإعلامه إلى تحمل مسؤولياتهم في سبيل منع إعدام العلماء الربانيين المصلحين».
على أني أرى، إضافة إلى ذلك، أن الوضع يستوجب من جميع المثقفين الإسلاميين أن يقولوا كلمة حق بصفتهم الشخصية. ولعل من أقدرهم على أداء هذا الواجب الأستاذ راشد الغنوشي. لأسباب عديدة. منها أنه على صلة طيبة بالمسؤولين السعوديين، وأن الملك سلمان استقبله عام 2016. كما أنه وجه للملك، فور اندلاع أزمة الحصار، نداء بأن «يجمع كل أبنائه في الخليج مجددا على طريق واحد وعلى سمت الأخوة والتعاون».
السبب الآخر أن بين الغنوشي وسلمان العودة تقديرا متبادلا، حيث أذكر أني رأيتهما معا عندما شهدت في لندن عام 2007 ندوة عن «الإسلام وحرية التعبير» نظمها ناشطون من حركة النهضة (التي كانت آنذاك محظورة مضطهدة وكان المنتمون إليها موزعين بين السجون والمنافي)، وأنهما قد بديا متوادّين متناغمين. ومما أذكر أن من المعاني التي أكدا عليها، كلاهما، أن التجارب النضالية أثبتت أن أصحاب المبادئ هم دائما أحرار في جميع الأحوال، بل إن السجناء منهم غالبا ما يكونون أكثر حرية من سجانيهم وجلاديهم.

كاتب تونسي