هآرتس: الخلافات الخليجية تقوض أمن المنطقة وتضعف مواجهة إيران
ترجمة وتحرير زياد محمد - الخليج الجديد
طلبت الإمارات العربية المتحدة رسميًا يوم الاثنين الماضي مساعدة أمريكية لتحقيقاتها في تخريب عدة سفن تجارية بالقرب من الفجيرة.
ووقعت الحوادث بمحاذاة المياه الإقليمية لدولة الإمارات في خليج عُمان، بالقرب من مضيق هرمز، الذي يعد نقطة اختناق لصادرات النفط الخام من المنطقة الغنية بالنفط.
وفي حين تشير الدلائل الأولية إلى أن الجهاز المستخدم في التخريب - على الأقل في سفينة واحدة - من المحتمل أن يكون لغماً ذا تقنية منخفضة، لم يتم التعرف على الجاني بعد.
ومنذ ذلك الحين؛ قال المسؤولون الأمريكيون إن إيران كانت المشتبه به الرئيسي في عملية التخريب، وأنها "تناسب" طريقة عملهم. وقال السفير الأمريكي للسعودية أنه بمجرد تحديد الجاني، فسيتعين على الولايات المتحدة أن تأخذ "ردوداً معقولة دون المخاطرة بإشعال الحرب".
من جانبها؛ فقد وصفت وزارة الخارجية الإيرانية الحادث بأنه "مثير للقلق والفزع"، في الوقت الذي ألقى فيه ناطق برلماني إيراني باللوم في الهجوم على "التخريب الإسرائيلي".
وتأتي التطورات الأخيرة في خضم توترات متزايدة بين الولايات المتحدة وإيران. وأطلقت إيران خلال الأسبوع الماضي حملة للتأثير مع تهديدات بالتصعيد في محاولات لكسب الاهتمام الدولي وتخفيف العقوبات.
وكجزء من جهودها لتطوير موقفها الدفاعي في الخليج، أرسلت واشنطن الأسبوع الماضي قاذفات "بي-52" إلى قاعدة العديد الجوية في قطر، بينما من المتوقع أن تصل حاملة الطائرات "يو إس إس أبراهام لنكولن" إلى الخليج خلال الأيام القليلة المقبلة.
ويتمثل الهدف الاستراتيجي للرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" في الشرق الأوسط في عزل إيران إقليمياً عن طريق إقامة علاقات بين (إسرائيل) وأعضاء مجلس التعاون الخليجي العرب.
لكن المشاحنات داخل دول مجلس التعاون الخليجي - لا سيما بين السعودية والإمارات من ناحية وقطر من ناحية أخرى، وبين الإمارات وعمان - لا تهدد فقط بإخراج "حملة الضغط القصوى" التي يقوم بها "ترامب" على إيران عن مسارها، بل قد تؤدي إلى إخراج الأهداف الإقليمية الأمريكية الأوسع عن مسارها لسنوات قادمة.
خطورة النزاع الخليجي
ويعد جميع دول مجلس التعاون الخليجي فاعلين استراتيجيين مهمين بالنسبة إلى الولايات المتحدة. وفي حين أن "حصار قطر" حظي بنقاش طويل، لا يزال من غير الواضح إذا ما كان هناك أفق لتسوية الأزمة في أي وقت قريب.
وفيما يتعلق الأمر بالتوترات العمانية مع الإمارات والسعودية، فإن هذا يرتبط إلى حد كبير بقرار السعودية إرسال حوالي 5 آلاف جندي، إلى جانب عدة آلاف من مقاتلي الميليشيات إلى محافظة المهرة اليمنية، التي تقع على الحدود مع عُمان. وقد أرسلت الإمارات - من جانبها - قواتها الخاصة إلى جزيرة سقطرى اليمنية. ويعد كلا التحركين أشبه بجهود "تطويق استراتيجي" لسلطنة عمان من قبل جيرانها.
ومنذ بضعة أسابيع فقط، وقعت إدارة "ترامب" وسلطنة عمان اتفاقية تسهل وصول البحرية الأمريكية إلى الموانئ العمانية. ويغطي الاتفاق -الذي كان قيد المفاوضات منذ عدة سنوات- الطائرات الأمريكية والغواصات النووية.
وتوضح الاتفاقيات وعمليات الانتشار الأخيرة الأدوار الحاسمة التي تلعبها قطر وسلطنة عمان في إستراتيجية واشنطن تجاه طهران، ولكن كما تؤكد حوادث سفن الشحن في الفجيرة، فإن أمن الخليج لا يزال هشاً وسط هذه التوترات الإقليمية المتزايدة.
هذه الديناميات لا تؤدي فقط إلى تعقيد حملة "ترامب" ضد إيران، ولكنها تسهم في انعدام الأمن في جميع أنحاء الشرق الأوسط الكبير. وتقوض التوترات داخل مجلس التعاون الخليجي قدرة دول الخليج على محاربة الإرهاب بشكل جماعي والمساعدة في استقرار سوريا والعراق ما بعد تنظيم "الدولة الإسلامية".
وفي الواقع، لا يقتصر التنافس بين دول مجلس التعاون الخليجي على شبه الجزيرة العربية، ولكنه يؤثر الآن أيضًا على ليبيا، التي تؤثر على أوروبا وتدفق المهاجرين من أفريقيا جنوب الصحراء.
وعلى الرغم من هذه التحديات، لا يزال هناك نافذة ضيقة لحل أزمة مجلس التعاون الخليجي، ولا تزال هناك فرصة لـ"التحالف الاستراتيجي للشرق الأوسط"، وهو بنية أمنية جماعية مقترحة تهدف إلى توحيد دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن - على الأقل سياسياً - حول القضايا المشتركة وعلى رأسها مكافحة الإرهاب واحتواء تطلعات إيران الإقليمية.
وفي المستقبل، من المتوقع أيضًا أن تصبح (إسرائيل) وفلسطين مراقبين في هذا التحالف، وهو ما يمكن أن يسهم في حل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي الراسخ.
عُمان كوسيط
لكن حل الأزمة المتفاثمة حول إيران لا يمكن تحقيقه من خلال تعزيز الولايات المتحدة فقط لمكانتها العسكرية في الخليج، إذ يجب أن يكون ذلك مصحوبا باستراتيجية دبلوماسية لإشراك طهران، وتعد عُمان في وضع فريد يمكنها من لعب هذا الدور.
في الأسبوع الماضي فقط، أعلنت سفيرة سلطنة عمان في واشنطن، "حنينة المغيري"، في مقابلة نادرة أن "مسقط ستكون على استعداد للمساعدة في التوسط في الأزمة".
يأتي هذا في وقت تتبنى فيه السعودية والإمارات والبحرين رواية رافضة للتعامل مع إيران، في حين أن عُمان والكويت وقطر تدعم إشراك إيران دبلوماسيا، هذا على الرغم من حقيقة أن جميع الأنظمة الملكية الستة متحدة في قلقها بشأن سعي طهران للهيمنة الإقليمية وسياساتها المزعزعة للاستقرار.
وساعد الانقسام الحاد داخل مجلس التعاون الخليجي بشأن إيران - إلى جانب الاعتراف بأن أزمة الخليج أصبحت مصدرًا لعدم الاستقرار العالمي - في قرار السلطان العماني "قابوس بن سعيد آل سعيد" باستضافة رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" في مسقط في أكتوبر/تشرين الأول 2018.
وباعتبارها الدولة الخليجية الوحيدة التي تحتفظ بالفعل بعلاقات وثيقة مع إيران؛ تدرك عُمان أنها في وضع فريد يمكنها من نزع فتيل التوترات الإقليمية، ويعد "قابوس" نفسه محاورًا محتملًا ليس فقط بين (إسرائيل) وإيران - التي تعتبر العدو اللدود لـ(إسرائيل) – ولكن أيضًا بين طهران وواشنطن.
وفي ضوء قرار "ترامب" بالانسحاب من الصفقة النووية الإيرانية ورفضه إعادة إشراك طهران قبل تغيير سياستها الإقليمية؛ ربما يكون "قابوس" يراهن على أن الطريق إلى الانفراج بين الولايات المتحدة وإيران يمر عبر (إسرائيل) وهو ما دفعه للقاء "نتنياهو".
ومن المثير للاهتمام أن طهران قررت عدم انتقاد مسقط لاستضافتها "نتنياهو" وغيره من كبار المسؤولين الإسرائيليين، مثل رئيس الموساد، والسبب بسيط؛ فطهران تقدر حقًا علاقاتها مع مسقط ولا تريد التضحية بها بسهولة.
وتصبح هذه المساحة المتاحة لعُمان للتوسط ونقل الرسائل أكثر أهمية مع تزايد التوترات بين واشنطن وطهران.
ومع ذلك، يحتاج شركاء واشنطن في الخليج إلى تنحية خلافاتهم جانباً ودعم جهود الأعضاء للحفاظ على الاستقرار الهش في المنطقة.
ويظهر حادث الفجيرة بشكل ملح مدى هشاشة دول الخليج وأمنها واقتصاداتها أمام أي تصعيد محتمل مع إيران. ويمكن إلقاء اللوم على التخريب الإيراني في الهجمات على سفن الشحن، لكن لا توجد مصلحة يمكن تصورها لدول الخليج في مواصلتها التخريب الذاتي لأمنها الجماعي.
المصدر | هآرتس