هل تنقذهم "صفقة القرن"؟
محمد هنيد
هنا نقطة الالتقاء بين مشروعين متكاملين: مشروع الاستبداد (العربي) ومشروع الاستيطان الصهيوني.
تقود الإمارات الثورات المضادة بدعم الانقلاب في مصر والمتمرد حفتر في ليبيا وتخوض حرب استيطانية ضد شعب اليمن.
النظام الاستبدادي العربي في أضعف حالاته لذا لن تتوقف الصهيونية عن الابتزاز والتمدد لأن معركتها الحقيقية مع الشعوب لا الأنظمة.
صفقة القرن لن تنقذ أحداً، بل ستفتح باب التنازلات التي لا تنتهي وستعجل بسقوط الأطراف التي باركتها وشاركت فيها.
"صفقة القرن" جزء من صفقة كبيرة بين النظام الرسمي العربي والقوى الاستعمارية العظمى.
* * *
"صفقة القرن" ليست متعلقة في حقيقتها بالقضية الفلسطينية والصراع العربي الصهيوني فحسب، بل هي أساساً جزء من صفقة كبيرة بين النظام الرسمي العربي من جهة والقوى الاستعمارية العظمى من جهة أخرى..
صفقة القرن التي تقضي بتسليم القدس للصهاينة والاعتراف بدولة الكيان الصهيوني على أرض فلسطين ليست قضية فلسطينية فحسب، بل هي أكبر من ذلك بكثير.
الصفقة قديمة لكن ثورات الربيع العربي هي التي عجلت بدفعها إلى السطح عندما وجدت الأنظمة العربية نفسها أمام مواجهة خطر السقوط..!
لمواجهة هذه الموجات الثورية وجد النظام الرسمي والأنظمة الممثلة له الفرصة في تقديم قدر أقصى من التنازلات للقوى الاستعمارية العالمية وعلى رأسها الكيان الصهيوني من أجل أن يحافظ على بقائه.
المعركة إذن ومن ورائها الصفقة هي معركة وجودية بالنسبة للنظامين: النظام الرسمي العربي من جهة والكيان الصهيوني من جهة أخرى.. هنا نقطة الالتقاء بين مشروعين متكاملين.. مشروع الاستبداد (العربي) ومشروع الاستيطان الصهيوني.
ما كان للانقلاب المصري أن ينجح لولا الدعم الصهيوني المباشر للجنرال السيسي والضوء الأخضر الأميركي لتصفية ثورة يناير، وما كان لولي العهد السعودي أن يتجاوز الجرائم التي ارتكبها في حق السجناء والصحفيين دون مباركة أميركية..
كذلك هو الأمر بالنسبة لبشار الأسد الذي ارتكب في حق شعبه أبشع الجرائم وسكت عن ضم الجولان بالكامل، كما سكت قبلها عن الاعتداءات الصهيونية على الأراضي السورية.. إن الحفاظ على نظام الأسد رغم كل الجرائم التي ارتكبت لن يكون إلا على حساب الأرض العربية والقضايا العربية.
دولة الإمارات التي تتمدد مخططاتها الانقلابية على كامل الرقعة العربية تعمل هي الأخرى على دفع صفقة القرن حتى تستفرد بالمناطق التي حققت فيها اختراقات كبيرة مثل اليمن وليبيا ومصر.. هناك تقود الإمارات قوى الثورات المضادة عبر دعم الجنرال الانقلابي في مصر والمتمرد حفتر في ليبيا دون ذكر الحرب الاستيطانية التي تقودها ضد شعب اليمن.
لكن هل ستنقذهم صفقة القرن إن حدثت فعلاً؟ من مستحيل أن تنقذهم فليست الصفقة سوى مقدمة لصفقات أخرى لا تنتهي والعدو يعلم ذلك جيداً..
تدرك الصهيونية أن النظام الاستبدادي العربي اليوم في أضعف حالاته، لذا فإنها لن تتوقف عن الابتزاز وعن التمدد ولن تمد له طوق النجاة إذا حانت ساعة سقوطه، لأنها تعلم أن معركتها الحقيقية ستكون مع الشعوب لا مع الأنظمة.
صفقة القرن لن تنقذ أحداً، بل ستفتح باب التنازلات التي لا تنتهي وستعجل بسقوط الأطراف التي باركتها وشاركت فيها.
* د. محمد هنيد أكاديمي تونسي، أستاذ السياسة بجامعة السوربون، باريس.
المصدر | الوطن القطرية