بلومبرغ: ماذا وراء التقارب الناشئ بين السعودية والعراق؟
ترجمة وتحرير الخليج الجديد
يخبر الجدار الحدودي القابع في الرمال بين المملكة العربية السعودية والعراق بالكثير عن عدم الاستقرار في الشرق الأوسط خلال العقود الثلاثة الماضية.
وتم إغلاق الحدود بين البلدين عام 1990، بعد غزو "صدام حسين" للكويت الذي أدى إلى حرب الخليج. واقترح السعوديون بناء حاجز بقيمة 7 مليارات دولار لإغلاق الحدود عام 2006 مع تصاعد العنف الطائفي. ثم دفع صعود تنظيم الدولة الإسلامية المملكة إلى استكمال إنشاء الجدار الحدودي العازل بطول الحدود التي تبلغ 900 كيلومتر.
ومع طرد تنظيم الدولة من العراق، تستعد السعودية لإعادة فتح معبر بري للتجارة بين البلدين هذا العام، في خضم الصراع الأخير الذي يهيمن على المنطقة، ألا وهو حربها بالوكالة مع إيران. وفي تحول صارخ في سياستها، حددت المملكة العراق كحليف محتمل لكبح نفوذ إيران التي هددت بالتخلي عن الالتزامات التي تم التعهد بها في الاتفاق النووي لعام 2015، ردا على العقوبات الأمريكية.
وفي علاقتهم الجديدة مع العراق، يستعرض عضلاتهم الدبلوماسية والمالية. وزار وفد وزاري سعودي بصحبة رجال أعمال العراق الشهر الماضي حيث تم التعهد باستثمار مليار دولار في مشاريع التنمية، وفتح قنصلية في بغداد. واستخدمت المملكة أيضا تكتيكات أخرى للقوة الناعمة، مثل عرض بناء ملعب رياضي، وأعلنت قناة "إم بي سي"، التي تدعمها الحكومة، مؤخرا عن إطلاق قناة مخصصة للعراق. وقام رجال الدين في المملكة بتخفيف حدة خطابهم المعادي للشيعة.
وتهدف المملكة في ذلك إلى دعم حكومة في بغداد التي تواجه تحديا لسلطتها من قبل الميليشيات التي ترعاها إيران، وإعادة العراق بقوة إلى الحظيرة العربية، وفقا لـ "إبراهيم النحاس"، عضو لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشورى السعودي.
وقال "النحاس"، في مقابلة في الرياض الأسبوع الماضي: "نريد أن نساعد العراق على أن يصبح دولة قوية". وقال إن التقارب السعودي مع العراق "سيقلل من نفوذ إيران داخل العراق والمنطقة بأسرها".
وسيطرت إيران غير العربية على العراق بعد أن تولت الأغلبية الشيعية السلطة في أعقاب الغزو الذي قادته الولايات المتحدة ضد البلاد عام 2003. وتعتبر السعودية الآن العراق بمثابة حصن محتمل ضد إيران، بدلا من دولة دمية تسيطر عليها طهران. وتريد المملكة أن تظهر أن مشكلتها ليست مع الشيعة، ولكن مع إيران، التي تعتقد المملكة أنها تتدخل في الشؤون العربية.
وإلى الجنوب، قاد ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" حملة عسكرية كارثية ضد المتمردين الذين تدعمهم إيران في اليمن. وتم استنكار الحملة من قبل الحلفاء الغربيين للمملكة بسبب تداعياتها الإنسانية الكارثية، تماما مثلما انتقد هؤلاء الحلفاء المملكة بسبب مقتل الكاتب الصحفي "جمال خاشقجي".
وعلى الجبهة الغربية عبر البحر الأحمر، يحاول السعودية إغراء النظام الجديد في السودان. وتعهدت السعودية والإمارات بتقديم دعم اقتصادي بقيمة 3 مليارات دولار للدولة الأفريقية، بعد الإطاحة بالديكتاتور "عمر البشير" الشهر الماضي.
التوازن الطائفي
ويفتح العراق ذراعيه مرحبا بالدعم السعودي، حيث تسعى القيادة في بغداد للاستفادة من الصراع بين القوتين الكبيرتين، السعودية وإيران.
وخلال زيارة رسمية إلى الرياض الشهر الماضي، أشرف رئيس الوزراء العراقي "عادل عبدالمهدي" على توقيع 13 اتفاقية، تعهدت بموجبها المملكة العربية السعودية بضخ مليار دولار في اقتصاد جارتها. وكانت الدبلوماسية الناعمة بين البلدين، التي بدأت في أكتوبر/تشرين الأول 2017، قد بلغت ذروتها عندما أنشأ البلدان مجلس تنسيق ثنائي، وأعلنا عزمهما على إعادة فتح الحدود عند معبر "عرعر" في أكتوبر/تشرين الأول من هذا العام.
وقال "عبد المهدي" قبل زيارته: "نشهد تحولا كبيرا في العلاقات مع المملكة". وقال "محمد حنون"، المتحدث باسم وزارة التجارة العراقي: "يمكن استخدام رأس المال السعودي للمساعدة في إعادة بناء البلاد بعد هزيمة الدولة الإسلامية، ويمكن لخبرتها في مجال الطاقة والزراعة أن تساعد في تطوير تلك المجالات في العراق". وأضاف: "الباب مفتوح على مصراعيه".
وربما يكون إثبات الوجود أمام إيران في العراق أكثر صعوبة، رغم أن السعوديين لديهم المال. وتحظى الجهود السعودية أيضا دعم من الولايات المتحدة، التي لا يزال لديها أفراد متمركزون في العراق.
وقام وزير الخارجية "مايك بومبيو" برحلة غير معلنة إلى بغداد الأٍبوع الماضي لحث الزعماء العراقيين على توخي الحذر تجاه إيران. وزادت واشنطن العقوبات على إيران بعد الانسحاب من الاتفاق النووي. وقالت الحكومة في طهران إنها ستستأنف تخصيب اليورانيوم إلى ما وراء الحدود المتفق عليها خلال 60 يوما، إذا لم تستطع أوروبا إيجاد وسيلة لضمان أنها تستطيع بيع النفط والتجارة مع العالم.
وقال "جيمس دورسي"، الزميل في كلية "راجاراتنام" للدراسات الدولية ومعهد الشرق الأوسط التابع لها إن السعوديين "حققوا نجاحا نسبيا في العراق. لكنهم بحاجة إلى متابعة الوعود والاستفادة من حقيقة أنهم، على عكس الإيرانيين، لديهم الأموال اللازمة للقيام بذلك".
وفي الواقع، فإن العراق مشبع بالتأثير الإيراني، من اقتصاده إلى السياسة، فضلا عن الميليشيات الشيعية القوية.
وقامت الجمهورية الإسلامية بتصدير أكثر من 1.66 مليار دولار من الطماطم وحدها إلى العراق في عام 2017، وهي المصدر الرئيسي لكل شيء في البلاد تقريبا. وقفزت إيران من خامس أكبر دولة مصدرة للمنتجات غير النفطية للعراق في عام 2016 إلى أكبر دولة مصدرة لها في عام 2017، متجاوزة الصين. وغالبا ما تمتلئ أرفف المتاجر العراقية بمنتجات تركية وإيرانية رخيصة.
وقال "النحاس" إن المملكة حاولت شق طريقها مع رئيس الوزراء العراقي السابق "نوري المالكي"، الذي كان في السلطة بين عامي 2006 و2014، دون جدوى. وأضاف: "لقد كان يعمل من أجل أن يكون العراق جزءا من إيران".
وفي الوقت الذي تضغط فيه الولايات المتحدة على العراق لوقف شراء الغاز الطبيعي والكهرباء من إيران يريد الرئيس "حسن روحاني" أن يشتري العراق المزيد من إيران للمساعدة في تخفيف العقوبات الأمريكية. وقال "روحاني" خلال زيارة رسمية إلى بغداد استمرت 3 أيام في مارس/آذار: "أشعر في العراق وكأني في بلدي. إنها ليست علاقة يمكن إضعافها، ونحن حريصون دائما على جعلها أقوى".
وقد وقع البلدان اتفاقيات نقل وتجارة، وأعلنا عن إنهاء رسوم التأشيرة بين البلدين. وقال "روحاني" إن المسؤولين يعتزمون زيادة التجارة الثنائية إلى 20 مليار دولار، من 12 مليار دولار حاليا.
وقال "محمد اليحيى"، رئيس تحرير موقع قناة "العربية" الإنجليزي، الذي تملكه السعودية: "لا أعتقد أن هناك في الرياض من يتوهم بأن العراق سيقطع علاقاته تماما مع إيران".
الفناء الخلفي لإيران
والمفتاح هنا هو الطاقة. فبالنسبة للسعوديين، يوفر سعي العراق لإعادة تأهيل صناعته التي دمرتها الحرب ليصبح ثالث أكبر منتج للنفط الخام بحلول عام 2030، يوفر سوقا غير مستغل للمنتجات والشركات السعودية. وقالت الوكالة الدولية للطاقة إن هناك استثمارات متوقعة تقدر بنحو 15 مليار دولار في التنقيب عن النفط والغاز وإنتاجهما في العراق بين عامي 2018 و2030.
وبعد أن قطعت إيران إمدادات الطاقة عن العراق بسبب نزاعات حول السداد في العام الماضي، عرضت السعودية بيع الطاقة لبغداد بأسعار أقل من الأسعار الإيرانية.
وكجزء من تواصلها مع العراق، خففت المملكة من موقفها من الإسلام الشيعي، الذي كان يتم اعتباره طويلا نقيضا للعقيدة الوهابية الرسمية للمملكة. وتخطط الرياض لفتح قنصلية في مدينة النجف العراقية المقدسة، والتي يسافر إليها الكثير من الشيعة السعوديين للحج.
أما بالنسبة لرجال الدين الموالين للحكومة، والذين كانوا يصنفون الشيعة بانتظام بأنهم "كفار"، فقد صمتوا أو تنكروا علانية لفتاويهم السابقة.
ومع ذلك، تواصل السعودية اعتقال الشيعة، وحتى إعدامهم، بأعداد كبيرة، لمجرد الاشتباه في قيامهم بالتجسس لصالح إيران، من بين تهم أخرى. لكن بشكل خاص، امتنع العراق مؤخرا عن الانتقاد العلني لمعاملة السعودية للشيعة في البلاد.
وقال "النحاس": "لدينا وجهات نظر تختلف عن السابق". وجاء ذلك في أعقاب زيارة قام بها رجل الدين الشيعي "مقتدى الصدر"، في يوليو/تموز 2017 إلى جدة بدعوة من ولي العهد السعودي، حيث تم احتضانه علنا كأحد أقوى الشخصيات السياسية في العراق. وقال "النحاس" بشأن ذلك: "لقد كانت تلك إشارة إلى سياسة مختلفة نحو العراق بشكل عام".
المصدر | بلومبرغ