تصريحات د. عائض القرني مراجعات فكرية أم إدانة للسلطات السعودية ؟!

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 2356
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

محمد مصطفى العمراني
 كثر الجدل حول التصريحات التي أدلى به الداعية السعودي المعروف الدكتور عائض القرني في لقاء تلفزيوني قبل أيام والذي أعلن من خلاله التراجع عما أسماه ” الإسلام المتشدد ” أو الاجتهادات التي صدرت منه في السنوات الماضية في إطار ما يسمى ب ” تيار الصحوة ” وشخصيا لي تعليق مختصر حول الموضوع وهو أنني مندهش من هذه الحملة الإعلامية التي طالت القرني بينما يعلم الجميع أنه لا يوجد في السعودية في هذه الفترة اي هامش من الحرية والأمان وأن العلماء والدعاة في السعودية يتعرضون لضغوط كبيرة جدا دفعت بعضهم إلى تغيير بعض فتاواهم أو اجتهاداتهم السابقة كما دفعت بعضهم إلى الصمت الذي أودى بهم إلى غياهب السجون كما حدث مع الشيخ الدكتور سلمان العودة وغيره ولذلك في هذا الجو لا ينبغي فهم تصريحات القرني الا في هذا الإطار وليست مراجعات فكرية جادة ونتاج تفكير وتأمل واستدراك وتصحيح لأخطاء سابقة ..
القرني ليس أمامه الا السجن أو مسايرة الموجة السعودية الجديدة التي يقودها محمد بن سلمان أو الفرار إلى خارج المملكة ان أستطاع ومواجهة مصيرا مشابها لمصير الصحفي جمال خاشقجي رحمه الله ولذا أختار القرني الخيار السهل أو الكتاح وحاول أن يبدي نوعا من المرونة التي تجنبه مصير غيره من العلماء والدعاة ويتقي بها غضب السلطات السعودية..
ما حدث للداعية الشيخ عائض القرني إدانة للسلطات السعودية التي أجبرته على مثل هذه التصريحات فهي ذات السلطة الظالمة التي اعتقلت العشرات ان لم نقل المئات من العلماء والدعاة والمفكرين والناشطين وزجت بهم في غياهب السجون بتهم زائفة وحجج واهية بعضها من قبيل الصمت أو موالاة الإخوان أو التأثر بهم أو عدم الدعاء لولي الأمر أو عدم مباركة جهود ” سمو ولي العهد” ولعل التهمة التي سجن بسببها الشيخ الدكتور سلمان العودة – فك الله أسره – وهي الدعوة لأن يوفق الله الحكام لما فيه مصلحة شعوبهم كما هو نص التغريدة التي كتبها تعليقا على خبر الاتصال بين محمد بن سلمان وأمير قطر تميم بن حمد هذه التهمة لوحدها تعطينا صورة كافية تختصر الوضع القائم بالسعودية بقيادة محمد بن سلمان الذي يريد تسويق نفسه لدى الغرب بأنه رجل المرحلة وقائد الانفتاح في بلاد الحرمين والوجه الشبابي الحداثي المتنور في بلد شهد منبع الحركة الوهابية التي تتهم بالتشدد ولذا قام بإقصاء ” رجال الدين ” وقيد ” الشرطة الدينية ” وأطلق الحريات وسمح للمرأة بقيادة السيارة والمشاركة في الحياة العامة وغيرها من المفردات التي يحاول الإعلام السعودي أو الإعلام الممول من السعودية تسويقها لدى الرأي العام الغربي عن الملك السعودي القادم محمد بن سلمان .
لو كان العلماء والدعاة في السعودية أحرارا ويمتلكون قرارهم وقادرون على التعبير عن آرائهم والجهر باجتهاداتهم بكل حرية ولو خالفت هوى الأمير وتوجهات السلطان لاخذنا حينها تصريحات القرني بصفتها مراجعات فكرية تستحق الدراسة والنقاش أما الآن فهذه التصريحات لا تعدو كونها نتاج قمع وافراز لقهر وظلم وتضييق على الحريات وضغوط كبيرة تعرض لها هذا الرجل حتى قال ما قال ليداري ويناور ويتقي شر الظالم ويصرف عن نفسه بطش هذا الأمير المتهور المتعطش للقهر والظلم وليساير الموجة وينحني للعاصفة حتى تمضي وليس كل الدعاة والعلماء يسيرون على نهج الصحابي الجليل الثائر أبي ذر أو حتى على نهج الشيخ الأسير سلمان العودة – فك الله أسره – فبعضهم يجاملون ويدارون ويقولون حديثا حمال أوجه وقابل للتأويل وينحنون للعاصفة العاتية حتى تهدأ و يسبحون مع الموجة الجارفة ويسيرون مع التيار ثم يوضحون للناس بعد انفراج الأوضاع وزوال الظلم والقمع أنهم انما أكرهوا وقلوبهم مطمئنة بغير ما قالوا والأمر فيه نظر ما لم يصل لثوابت الدين ولا يعني هنا أنني أبرر لهم خضوعهم للحكام أو مجاراتهم للظلمة وسكوتهم عن قول الحق ولكنها محاولة لفهم هذه التصريحات في سياقها الصحيح اذ ليس من يأكل الحصى كمن يعدها ولا من هو تحت الضغوط والتهديد كمن يعيش في أجواء الحرية والأمان اذ يدرك الجميع ان السعودية تمر حاليا بتغييرات كبيرة وجذرية وأن اي تصريح أو حديث قد يفهم منه الاعتراض على ما يحدث ولو بالتلميح يقود إلى السجون وتوجه إلى قائله قائمة طويلة من الاتهامات الكبيرة وأولها الاتهام بزعزعة الأمن والاستقرار وإثارة الفتنة والبلبلة وهي تهم جاهزة لمن يعارض السياسة السعودية الجديدة بقيادة محمد بن سلمان .
المراجعات التي أطلقها الشيخان عائض القرني وسلمان العودة عقب فترة سجنهم في التسعينات أثارت الكثير من الجدل وكان لها تأثير رغم كونها تمت في السجن إلا أن الظروف التي كانت سائدة في السعودية حينها كانت أجواء فيها هامش لابأس به من الحرية والأمان مقارنة بما يحدث اليوم ولذا أثرت في الناس وتناولها كثيرون بالدراسة والنقاش أما الأجواء اليوم فهي غير صحية واي مراجعات تتم حاليا هي تحت الضغط والإكراه والمطلوب من النخبة العربية والإسلامية تناول حديث الشيخ عائض القرني في سياق الوضع العام في السعودية والتغييرات التي تمر بها وهذا رأيي في الأمر والله المستعان .