الاعتدال الخليجي بين محور أبو ظبي والتحالف الإقليمي

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 2333
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

مهنا الحبيل
 الاعتدال الخليجي بين محور أبو ظبي والتحالف الإقليمي
ماذا يستطيع محور الاعتدال الخليجي فعله، في ظل حماقات محور أبوظبي وحروبه الكونية من ليبيا إلى اليمن؟
دول الاعتدال اليوم تنفتح على التعامل مع إيران وهي تستدعي شراسة خصومة محور أبوظبي.
التعامل الجماعي الحذر مع الإقليم يحتاج إلى تنسيق مشترك بين دول مجلس التعاون القُطرية الثلاث المتنازعة.
ما يُضعف فرصة الاختراق غياب قواعد لعبة جديدة، تغيّر فكرة الرئيس الأميركي عن التوقف عن حلب المنطقة، بل العكس!
* * *
هل نحن في حاجةٍ لمساحةٍ من التفاؤل لمواجهة الواقع العربي الكارثي، ومآلات الأزمة الخليجية، على الصعيد الخليجي/ الخليجي، وعلى صعيد العلاقات الخليجية/ العربية؟
يعتمد هذا على نوع التفاؤل المقصود، إن كان يقوم على تراجع المحور السيئ في الأزمة، عن موقفه الأيديولوجي، أو روح الكراهية القبيحة التي بعثها ضد المحيط العربي والإسلامي، وتم استبدالهما بالتحالف مع تل أبيب.. إذن، ما هو التفاؤل الآخر الذي يصنع أرضية واقعية؟
ما الذي يُقصد بالتفاؤل للعبور من الأزمة الخليجية؟ هل هو شعور ساذج عاطفي لا يقرأ إلى أين تُقاد المنطقة، ولا تزال المراهقة في التصعيد قائمة من طرف محور أبو ظبي، أم أنه تفاؤلٌ يقوم على قدرة اختراق سياسي لوساطة نافذة توقف الكارثة؟
ولا يوجد اليوم فضاء تفاؤل عملي لأجل أن يُقاس عليه، في وساطة أمير الكويت، الشيخ صباح الأحمد، ولا التفاؤل الذي صرح بها مسؤول عُماني من عدة أشهر، وإن بقيت فرص الاختراق قائمة.
لكن ما يُضعفها هو عدم قيام قواعد لعبة جديدة، تغيّر فكرة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، عن التوقف عن حلب المنطقة، بل العكس!

ليس هذا التفاؤل منظومة مشاعر. نعم هو يتضمن مساحة تقارب تشجّعه مشاعر المجتمع الخليجي كله، على الصمود التضامني ضد سقوط رابطتهم، لكنه ليس تفاؤلاً بخبرٍ لتسويةٍ أو حتى فك اشتباكٍ قريب، وإنما هو ضرورة استراتيجية، لبقاء مساحةٍ تساعد على أي حل نسبي للمستقبل، ينقذ الواقع من الأسوأ إلى الأقل سوءًا.
وهي في العادة مهمة العمل الدبلوماسي، وخصوصاً في مسار نقل الخلاف بين الدول من الصراع المسلح إلى الخلاف السياسي، ومن الخلاف السياسي العنيف إلى الفتور والتعامل مع دائرة الشك الكبرى بعهود مصالح، لا يترتب عليها إطلاق الثقة، ولا العودة إلى الأجواء الكرنفالية الصاخبة التي كانت تُقرع عند كل قمة خليجية، والتي أخفت وراءها مهازل كبرى!
كان ولا يزال من أبرزها التعاضد على تنحية الشراكة الشعبية وصناعة المجتمع المدني، وتعزيز الاتفاقات الأمنية ضد الحراك الحقوقي في الخليج، والذي خسرت عبره الشعوب والدول مساحة التقدم إلى صناعة المجتمع المدني المتماسك، وضمان رابطته وحقوقه دستورياً، عبر المساواة الوطنية الجامعة.
هنا يبرز لنا مسار حسّاس للغاية، وهو كيف تتعامل دول الاعتدال الخليجي مع هذا المستقبل المخيف، عُمان والكويت وقطر، ورابطة الاعتدال واضحة، وهي حل الخلافات عبر الحوار والتفاوض السياسي، ورفض التهديد أو العزم على إسقاط نظم الحكم، أو الحصار لنزع السيادة من أعضاء المجلس، بناءً على تحالف مصلحي داخل المجلس.
باتت كل دول الاعتدال اليوم تنفتح على التعامل مع إيران، وهي تستدعي نزعة الخصومة الشرسة ضدها من محور أبوظبي. وأُضيف اليوم طرف إقليمي مهم، وهو تركيا، وإن كانت مسقط لا تحتاج إلى توازن تركي، غير أن المشكلة هو تعامل هذه الدول مع كلا الطرفين الإقليميين بانفراد، قد يفتح المنطقة على تعقيداتٍ أكبر.
وهو تحالف ثنائي، ومن الطبيعي ألّا يحرص طرفا الإقليم على حل الأزمة الخليجية، كون بقائها، كما هو إدارة ترامب، يؤمّن تدفق لمصالحهما القومية. وهذا ليس تخمينا، بل هو رؤية لمحلل سياسي مهتم بالمنطقة، معضودة بآراء شخصيات مسؤولة.
يدرك الجميع أن هناك استثمارا إقليميا واسعا، يسعى إلى نزع الخليج كلياً من مساحة الوطن العربي، ويَدخل في دوامة الصراع بين الإقليم والمعسكر الغربي، ويخضع لمصالح الطرفين، واستخدام الخليج العربي كجغرافيا نفوذ توسعي بينهما، من دون أن يخلق ذلك أي مصالح لشعوب المنطقة، ولا حتى لدولها البائسة.
ولا تقوم وهذه المعادلة على قضية توقع الحرب الحاسمة بين إيران والولايات المتحدة الأميركية، فالتصعيد والتوتر سيظلان يخضعان لقاعدة توازن رعب في إقليم النفط، ولن يتحوّلا إلى حرب شاملة أبداً، بل حرب باردة مستمرة مرشحة لاتفاق نووي جديد، يحصد بعدها المعسكر الدولي والإقليمي غلته.
هنا يعود السؤال مجدداً: ما الذي يستطيع محور الاعتدال الخليجي فعله، في ظل حماقات محور أبوظبي وحروبه الكونية، من ليبيا إلى اليمن؟
والحقيقة أن هذا الأمر يقوم على المعادلة نفسها، بصورة عكسية، فلماذا تضرّ دول الاعتدال الخليجي بنفسها أكثر من خطط الخصوم، بناءً على ردة فعل تخسر عبرها أرضية ممانعة مهمة؟
تقوم هذه الممانعة على أن ضرورة بقاء الجسم العربي في الخليج، وعدم تعويمه لمصلحة الإقليم الآخر، فهذا التعويم لن يمنع المعسكر الغربي، من مواصلة استنزافه.
وعليه، لا يمنع توحيد رؤية هذه الدول للتعامل الحذر مع الإقليم الاستفادة من التوازن الذي تشكله اتفاقاتها معها، كما هو الموقف من القاعدة التركية في قطر، أو الاتفاق العسكري التركي الكويتي.
أما في حالة عُمان، فجاهزية القوات المسلحة تجعل مهمتها في نطاق تبادل المصالح التجارية والسياسية مع طهران، لعزل مسقط عن أي زجٍّ لها في مواجهة إيران، بناء على فلسفة الحياد القديمة.
يشير المفصل التحريري هنا إلى أن هذا التعامل الجماعي الحذر مع الإقليم يحتاج إلى تنسيق مشترك، كما أنه جماعياً لمصلحة كل دوله القُطرية الثلاث، فليس من صالحه هدم رابطة مجلس التعاون الخليجي، رغم فشل هذا المجلس الذريع!
وإنما إبقاء الباب الموارب قائماً، واستمرار حيوية مشروع فك الاشتباك، سواء تحقق عبر عجز محور أبوظبي، أو أي تعديلٍ في علاقات أبوظبي والرياض، بعد أن يتولى ولي العهد السعودي الحكم، إن قُدّر لهذا الخليج المبتلى أن تصمد خرائطه من دون زحف الرمال الكبرى.

* مهنا الحبيل كاتب عربي مستقل مهاجر إلى كندا.

المصدر | العربي الجديد