ماذا يعني اعتلاء بن سلمان العرش بالنسبة للعلاقات السعودية الأمريكية؟

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 2602
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

ترجمة وتحرير شادي خليفة - الخليج الجديد
 منذ مقتل "جمال خاشقجي" في القنصلية السعودية في إسطنبول في 2 أكتوبر/تشرين الأول، استخدم بعض المشرعين الأمريكيين السلطة الأخلاقية لمحاولة إعادة تشكيل الخلافة في المملكة العربية السعودية. وفي نوفمبر/تشرين الثاني، اتهم السناتور الجمهوري "ليندسي جراهام" ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" بأنه "مجنون"، وأكد أنه "لا بد أن يترك مكانه". ويعد هذا الخطاب خطيرا للغاية، نظرا لأن الولايات المتحدة لم يسبق لها أن تدخلت في ترتيبات أسرة "آل سعود" الداخلية. ولكن بغض النظر عن التفضيلات التي قد تكون لدى بعض السياسيين في واشنطن فيما يتعلق بخلافة المملكة العربية السعودية، فمن المرجح أن تقبل الولايات المتحدة في النهاية التعامل مع "بن سلمان" كملك.
وكان صعود "بن سلمان"، الذي بدأ عام 2015، قد حول النظام التقليدي لخط الخلافة في المملكة وقضى على النموذج التقليدي للقيادة في البلاد في فترة ما قبل "بن سلمان"، التي كانت تستند إلى اتخاذ القرارات الجماعية وبناء التوافق بين مجموعة كبيرة من الأمراء. وبحكم القوة التي يمتلكها "بن سلمان" الآن، من الصعب تخيل أي تحدٍ موثوق لحكمه، أو موقعه في خط الخلافة، بغض النظر عن الضغط الذي قد تحاول واشنطن فرضه.
وحتى ما قبل قضية "خاشقجي"، تم تعزيز سلطة "بن سلمان" في الرياض، لدرجة أنه لم يواجه أي قيود من أفراد أسرة "آل سعود". وفي الأشهر الأخيرة، عزز "بن سلمان" سلطته في المملكة على الرغم من كل الانتقادات التي تلقاها من المشرعين في الولايات المتحدة، بعد استنتاج وكالة الاستخبارات المركزية أنه أمر بقتل "خاشقجي". ولم تتسبب التداعيات السياسية لقتل الصحفي العام الماضي في تخفيف "بن سلمان" لحملته الداخلية، أو حتى تراجع استهدافه للمعارضين السعوديين في الخارج لإعادتهم إلى المملكة.
وبالتالي، نظرا لأن أجهزة الأمن السعودية، وجميع مؤسسات الدولة المهيمنة، تخضع لسيطرة "بن سلمان"، فمن الصعب للغاية تخيل أي معارضة ناجحة للأمير من الداخل. وبينما يكره الكثيرون في أسرة "آل سعود" "بن سلمان"، إلا أنهم يفتقرون إلى القدرة على إيقافه.
وبما أن المملكة ملكية مطلقة، لا يمكن اتخاذ قرار تغيير ترتيب الخلافة إلا من قبل الملك "سلمان" نفسه. وعلى الرغم من أن "سلمان"، منذ أن أصبح العاهل السعودي في يناير/كانون الثاني 2015، قام بإزالة 2 من أمراء التاج الآخرين، وهما الأمير "مقرن"، في أبريل/نيسان 2015، والأمير "محمد بن نايف"، في يونيو/حزيران 2017، لم يظهر الملك أي علامة على نيته إزاحة ابنه من الخلافة.

الرياض ترفض التدخلات
ومن وجهة نظر الرياض، على القوى الأجنبية التوقف عن التظاهر بسذاجة بأنها قادرة على التأثير في عملية الخلافة. علاوة على ذلك، قد يأتي الضغط الخارجي على الملك "سلمان" لإقالة ابنه بنتائج عكسية، ويجعل القيادة السعودية تصر على الوقوف إلى جانب "بن سلمان". وكما قال الأمير "تركي الفيصل"، وهو رئيس سابق للمخابرات السعودية وسفير سابق في واشنطن: "كلما زاد النقد الأجنبي لولي العهد، كلما أصبح أكثر شعبية في المملكة".
وفي الواقع، يجد المسؤولون في الرياض أنه من المثير للغضب أن يحاول المشرعون الأمريكيون التفكير في مسألة الخلافة في المملكة، وهو خط أحمر لقيادة المملكة. وبالنسبة للأسرة الحاكمة في السعودية، قد يشير تغيير خط الخلافة تحت ضغط من حكومة الولايات المتحدة إلى الضعف والخضوع للقوة العظمى، في وقت تعمل فيه الرياض على إبراز الهيمنة السعودية في الشرق الأوسط، والاستقلالية عن الغرب، مع تحول العالم إلى عالم متعدد الأقطاب.
ومن شأن مثل هذه الضغوط من جانب الولايات المتحدة أن تسرع على الأرجح توجه الرياض الجيوسياسي شرقا، والذي أدى إلى قيام المملكة بالاستثمار في علاقات أعمق مع الصين والهند وباكستان وروسيا. ومع تشكك القيادة السعودية في التزام الولايات المتحدة طويل الأجل بأمن المملكة، تحاول الرياض تنويع تحالفاتها وشراكاتها العالمية من أجل الحصول على استقلال جيوسياسي أكبر عن الحلفاء الغربيين التقليديين للمملكة. ويؤكد صمت هذه الحكومات غير الغربية على ملف "خاشقجي" على حرص هذه الدول غير الغربية على تجنب انتقاد سجل المملكة في حقوق الإنسان، وهو عامل أكسبها نقاطا لدى "بن سلمان". وفي حالة كل من الصين وروسيا، وفرت قضية "خاشقجي" فرصة لدفع إسفين أكبر بين الولايات المتحدة وحليفها الرئيسي في الخليج العربي.

علاقات في خطر
وإذا شارك الرئيس القادم للولايات المتحدة، بعد "ترامب"، السناتور "غراهام" في الرأي القائل بأن "بن سلمان" لا ينبغي أن يصبح ملك السعودية، فقد يواجه تحالف الرياض مع واشنطن أزمة ثنائية غير مسبوقة. وبالفعل، ومع تعرض سمعة "بن سلمان" بين المشرعين الأمريكيين وأعضاء المؤسسة السياسية لأضرار جسيمة في أعقاب مقتل "خاشقجي"، لم يعد ولي العهد يستطيع ببساطة القيام بزيارة إلى واشنطن. وبينما في الوقت الحالي يمكن لـ"بن سلمان" مواصلة العمل مع رئيس الولايات المتحدة، الذي كانت إدارته قد بذلت جهودا للتغطية على ولي العهد في ملف "خاشقجي"، تدور أسئلة مهمة حول العلاقات السعودية الأمريكية في فترة ما بعد "ترامب". وبالنظر إلى الخطاب المعادر للمملكة من بعض المرشحين الديمقراطيين للرئاسة، مثل السناتور "بيرني ساندرز" والنائب "تولسي غابارد"، لا يمكن لـ"بن سلمان" تجاهل هذه المخاوف.
وبالطبع، يوجد سيناريو محتمل يتم بموجبه استهداف "بن سلمان" داخليا، وربما يواجه نفس مصير "أنور السادات"، الرئيس المصري الذي تم اغتياله. ومن شأن هذا أن يمنع ولي العهد من أن يصبح "خادما للحرمين الشريفين"، وهو اللقب الرسمي لملك السعودية منذ عام 1986. لكن يبدو أن هذا السيناريو غير مرجح. ويبقى الأمر الأكثر ترجيحا هو أن "بن سلمان" سيصبح ملك السعودية القادم، حتى لو أثار هذا الغضب في مجلس الشيوخ الأمريكي. وبقدر ما يواجه العديد من المسؤولين في واشنطن مشكلة كبيرة مع "بن سلمان"، من المرجح أن قبوله كأمر واقع سيكون ضروريا. حيث سيتعين على الولايات المتحدة أن تتعامل، بشكل أو بآخر، مع "الملك" الشاب الذي يحكم أهم حليف عربي لواشنطن، والبلد الذي يقود أسعار النفط عالميا.
ومما لا شك فيه، سوف تصل أصداء شغل "بن سلمان" لمنصب العاهل السعودي القادم إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وخارجها. وكما يتضح من الحرب في اليمن، والحصار المفروض على قطر، والصراع الدبلوماسي السعودي الكندي منذ أغسطس/آب 2018، واعتقالات فندق "ريتز كارلتون"، واحتجاز "سعد الحريري" عام 2017، يتخذ "بن سلمان" قرارات في السياسة الخارجية تعكس تفكيره المتهور. وإذا كان "بن سلمان" قد خلق بالفعل مثل هذه الأزمات للمملكة في علاقة بلاده بواشنطن على مدار الأعوام الـ4 الماضية فقط، فمن يمكنه حقا التفكير في ما يمكن أن يفعله، كملك للمملكة العربية السعودية، وما يمكن أن يحدثه من تغيير في المملكة والشرق الأوسط الكبير، خلال العقود الـ4 أو الـ5 القادمة إذا حكم حتى وفاته الطبيعية.

المصدر | جورج كافييرو - كونسورتيوم نيوز