لوب لوغ: ثورة السودان بين أنياب السعودية والإمارات
ترجمة وتحرير أسامة محمد - الخليج الجديد
كانت الإطاحة بالرئيس السوداني "عمر حسن البشير" في انقلاب عسكري في 11 أبريل/نيسان الجاري بمثابة نقطة تحول في تاريخ السودان، وكان رحيله عن السلطة إنجازاً كبيراً لأولئك الذين أمضوا شهورًا في تنظيم مظاهرات كبيرة في جميع أنحاء السودان تدعو إلى إنهاء رئاسة "البشير" التي استمرت ثلاثة عقود.
ولكن ما لم يتوصل الجيش السوداني، الذي يحكم البلاد حاليًا من خلال مجلس انتقالي، إلى اتفاق مع المحتجين الذين يطالبون بحكومة بقيادة مدنية منتخبة ديمقراطيا، بشأن الانتقال إلى مرحلة ما بعد "البشير"، سيكون هناك أسئلة أكثر من الإجابات حول المشهد السياسي المستقبلي في الخرطوم.
ووعد رئيس الدولة الحالي في السودان، الفريق "عبدالفتاح عبدالرحمن البرهان"، بـ "اقتلاع النظام"، وإزالة الرقابة عن وسائل الإعلام في البلاد، وإنهاء حظر التجول الليلي، والإفراج عن كل من السجناء السياسيين وضباط الشرطة الذين قُبض عليهم سابقًا لوقوفهم مع المتظاهرين.
وتوفر هذه التأكيدات الأساس للأمل في أن يستمع الجيش السوداني، المسؤول عن البلاد، إلى مطالب المواطنين المحتجين المصرين على الإصلاحات الديمقراطية.
ومع ذلك، يبقى أن نرى ما إذا كان الجيش سيقدم تنازلات للمتظاهرين بما فيه الكفاية، وما إذا كانت الدولة ستحافظ على استقرارها النسبي إذا لم يتم التوصل بسرعة إلى مثل هذا الاتفاق الضروري.
ولكن من المؤكد أنه لن يحدث انتقال في السودان من دون لاعبين خارجيين، بما يشمل العرب وتركيا والقوى الغربية، والذين يسعون إلى التأثير على العملية بشروط مواتية لمصالحهم.
وعلى الرغم من أن الحكومات الغربية دعت السودان إلى التحول إلى الديمقراطية وإضفاء الطابع المدني عليها بعد إقالة "البشير"، إلا أنه لم يكن مفاجئًا أن أعربت كل من مصر والسعودية والإمارات العربية المتحدة عن دعمها للجيش السوداني وليس للتطلعات الديمقراطية للمواطنين السودانيين.
كان المسؤولون في الرياض وأبوظبي قلقين بشأن العلاقات المتنامية بين السودان وكل من تركيا وقطر في السنوات الأخيرة، وهم مستاؤون أيضا من فشل السودان في الانضمام إلى صفوف كتلة حصار قطر منذ اندلاع أزمة مجلس التعاون الخليجي في منتصف عام 2017، حيث حرصت الخرطوم على الحفاظ على علاقات دافئة مع جميع مشيخات شبه الجزيرة العربية، بما في ذلك الدوحة.
ومع ذلك، فإن الحكومات العربية المناهضة للثورات - مثل السعودية والإمارات - والتي تخشى نشاط الربيع العربي وصعود الإسلام السياسي في المنطقة، قد تزيد الآن من الضغط على السودان لينأى بنفسه عن قطر وتركيا.
على سبيل المثال، قد تمارس تلك الحكومات نفوذها على المجلس العسكري الحاكم في السودان لإنهاء استخدام تركيا لجزيرة سواكن كموطئ قدم عسكري في البحر الأحمر.
وقد اعتمدت الرياض وأبوظبي على السودان كحليف رئيسي في حربهما في اليمن، حيث انضمت الخرطوم إلى التحالف في بداية عملية عاصفة الحزم، وقامت بنشر الآلاف من قواتها لمحاربة الحوثيين على الأرض، ومات المئات من السودانيين في هذا الصراع منذ عام 2015.
ومع سعي السعوديين والإماراتيين للحد من عدد مواطنيهم الذين فقدوا حياتهم أو أصيبوا بجروح في الحرب، لا تريد أي دولة مغادرة السودان للتحالف.
ومع ذلك، ساهم عدم شعبية هذه الحرب في السودان في الغضب الذي ظهر في الاحتجاجات اليومية ضد البشير في ديسمبر/كانون الأول 2018.
كما تشعر الرياض وأبوظبي والقاهرة بقلق بالغ من أن الأحداث في السودان قد تشعل النسخة الثانية من الربيع العربي على مستوى المنطقة، مثلما تسببت ثورات الربيع العربي في شمال أفريقيا في اضطرابات واسعة النطاق في عام 2011 أدت إلى سقوط الحكام في مصر وتونس واليمن، ونشوء الاضطرابات التي ما زال يواجهها أفراد العائلة المالكة في البحرين.
ويعد تكرار الربيع العربي أكثر احتمالا بالنظر إلى الاحتجاجات الشعبية الأخيرة في الجزائر والأردن والعراق والمغرب.
يبدو إذن أن السعودية والإمارات ومصر مصممون على منع أي انتقال في السودان من شأنه أن يقوض مصالحهم.
وتهتم هذه الدول أكثر بدعم شخصيات في الجيش نأت بنفسها عن الإسلاميين في الساحة السياسية في السودان، مثل "صلاح قوش"، رئيس المخابرات السوداني الذي استقال مؤخراً من منصبه.
ومع ذلك، فإن القادة السعوديين والإماراتيين والمصريين يفعلون ذلك تحت خطر إثارة رد فعل شعبي، وقد تبنى العديد من السودانيين الاحتجاجات باعتبارها ثورة ديمقراطية لتمكين مواطني البلاد بعد عقود من الاستبداد والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.
ويمكن للغضب الذي حشد الناشطين المناهضين للنظام خلال الأشهر القليلة الماضية أن ينقلب بسهولة على الحكومات الأجنبية ذات الأجندات المضادة للثورة في السودان.
المصدر | جورجيو كافييرو- لوب لوغ