عن المستشار "الكفيل" السعودي
خليل العناني
يقف تركي آل الشيخ، الملقّب بمستشار ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، ورئيس هيئة الترفيه السعودية، ليخطب في حشد من الحاضرين، بينهم شيوخ وفنانون ومثقفون، عن خطته الجديدة لتشجيع الترفيه في بلده.
ويستعرض، بنوعٍ من الفخر والتباهي، أنواع الأنشطة الترفيهية التي سيتم تنفيذها في المملكة في الفترة المقبلة، ويصدر الأوامر للجهات المعنية في بلاده "بإصدار تراخيص للعروض الحية لجميع المطاعم والمقاهي في السعودية، وللعزف الموسيقي والعروض الغنائية والكوميديا الارتجالية وحركات خفة اليد، والأولوية دائما للسعودي والسعودية".
بعدها بأيام قليلة، يطير الرجل إلى القاهرة، كي يلتقي فنانين وفنانات، ويوقّع معهم عقودا سخيّة من أجل إقامة حفلات وأعمال مسرحية وسينمائية في السعودية، يقدمه خلالها أحد الإعلاميين الذين تدلدلت كروشهم من المال السعودي الذي ملأ جيوبهم طوال العقدين الماضيين.
لا يتوقف المستشار المذكور، (ثمّة هوس بلقب المستشار لدى بطانة الاستبداد العربي!)، عن شراء كل ما هو قابل للشراء، وكان قد بدأ موسم الشراء في مصر بالدخول في مجال الرياضة قبل عامين، عندما حاول القفز فوق أكبر الأندية الرياضية العربية وأعرقها، النادي الأهلي، الذي منحه رئاسة فخرية، بعد وعودٍ بالإنفاق على تطوير النادي ومؤسساته.
لكن آل الشيخ ظنّ أنه امتلك النادي بما ومن فيه، فوقع الخلاف بينهما، وسُحبت منه الرئاسة الفخرية، فاشترى ناديا رياضيا آخر، نكايةً في "الأهلي" وجمهوره، واشترى له لاعبين، ومدرّبين، ومديرين، وجمهورا، وأنشأ له قناة تلفزيونية، اشترى لها إعلاميين ومذيعين رياضيين كثيرين، كما اشترى لها مشاهدين يرّوجونها على صفحات التواصل الاجتماعي.
كما اخترق المستشار النادي الآخر الأكثر شعبية في مصر، نادي الزمالك، وأغدق على رئيسه، بالمال الوفير، وبفائضٍ من الوعود بتطوير مؤسسات النادي، وتحسين أداء فريقه في كرة القدم. وهناك من يذهب إلى القول إن غرض آل الشيخ هو تدمير الرياضة المصرية لصالح الرياضة السعودية، بكسر شوكة أهم قلاعها، عبر المال والنفوذ السياسي.
هكذا يشتري الرجل كل ما يقف في طريقه إلى الدرجة التي ترّوج فيها الآن نكتة مصرية إن "من يريد أن يغتني، فليصاحب آل الشيخ". وهو قطعاً "لا يقدح من رأسه، ولكن من رأس سيده"، على نحو ما كان يقوله مستشار آخر لبن سلمان، هو سعود القحطاني، المتورّط في التخطيط لقضية اغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي.
وهو أيضا يسير على نهج سيّده الذي يشتري النفوذ السياسي شرقاً وغرباً، فيدفع مليارات الدولارات لإدارة رئيس أميركي أحمق، من أجل نيل رضاه، ويتباهى بذلك علنا، كما يشتري نفوسا وذمما كثيرة في مؤسسات إعلامية وبحثية وأكاديمية عربية وغربية، لضمان الدعم والتأييد والصمت عن جرائمه السياسية.
وهو هنا أيضا لا يقدح من رأسه، بل يتعلّم من أستاذه ومعلّمه في أبوظبي، المتمرّس في شراء النفوس والذمم شرقاً وغرباً، من أجل مد نفوذه السياسي بأي ثمن.
يتعاطى هؤلاء مع النخب المصرية، باختلاف أنواعها، بمنطق "الكفيل" الذي بإمكانه أن يشتري كل شيء وأي شيء، وهم يدركون أن هذه النخب فريسةٌ سهلة الاصطياد، وأن شراءهم ليس صعباً، سواء رغباً أو رهباً، مستثمرين في مثلث الثورة المضادة بين القاهرة والرياض وأبوظبي، الذي نجح قبل ستة أعوام في إجهاض الربيع العربي، والانقلاب على أهم مكتسباته، وهي الكرامة والاستقلال السياسي والمالي عن الخارج.
وإذا كان الكفيل الإماراتي قد نجح، قبل ستة أعوام، في شراء نفوس رجال السلطة في مصر، عسكريين وسياسيين ومثقفين ودعاة ورجال دين، فما الذي يمنع الكفيل السعودي من دخول "السوق" المصرية، وشراء كل ما يمكن شراؤه من أجل ضمان النفوذ، ليس فقط في مصر، وإنما في العالم العربي؟
وهم يدركون أن مصر هي "الجائزة الكبرى" التي لا يمكن الاستغناء عنها. كما أنهم مدركون حجم الانحطاط والانسحاق الذي وصلت إليه النخب المصرية في ظل الحكم السلطوي الذي يهيمن على البلاد والعباد.
واللافت في الأمر، وإن لم يكن مفاجئاً، قابلية هذه النخب للشراء والارتماء في أحضان الكفيل السعودي (والإماراتي)، من دون شعورٍ بالإهانة أو احترام الكرامة، وهو يتعاطى معها بمنطق "البيع والشراء".
ولا أشك في أن بعضهم يتعاطى مع آل الشيخ باعتباره شخصا "أبله" أو "تافها"، يمتلك مفاتيح ثروة ليس لها آخر، أو "بقرة" سمينة، يجب حلبها وامتصاصها حتى آخر قطرة.
صحيح أن معظم هذه النخب متحالفة ومتماهية في مواقفها السياسية مع السلطة الحالية في مصر، لكنها ليست فقيرة أو بحاجة لأموال "الكفيل" السعودي أو الإماراتي، خصوصا وأن لديها من المال الكثير الذي حصّلته من جيوب المصريين.
لذا إذا كان من لوم، فهو يقع على عاتق هذه النخب التي تبدو مستعدةً لفعل أي شيء من أجل إرضاء الكفيل "التافه".
- د. خليل العناني، أستاذ العلوم السياسية بمعهد الدوحة للدراسات العليا.
المصدر | العربي الجديد