السعودية: يسقط الفساد… يعيش الفساد!

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 2125
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

رأي القدس
 أعلن الديوان الملكي السعودي الأربعاء الماضي إنهاء حملة الفساد التي أمر بها رئيسها وليّ العهد محمد بن سلمان، وقدّمت النيابة العامة السعودية نتائج «الغزوة» المباركة التي دامت 15 شهراً كالحات: استدعاء 381 شخصاً من كبار الأمراء ورجال الأعمال والمسؤولين السابقين، و«استرداد» مبلغ 400 مليار ريال عبر إجراءات تسوية مع 87 شخصاً منهم أقرّوا بالتهم التي وجهت إليهم وقبلوا تسوية أوضاعهم بتسليم أصول عقارية وشركات وأوراق ومحافظ مالية ونقد جار.
لاحقت حملة مكافحة الفساد السعودية الكثير من التجاوزات التي نشرت عنها وسائل الإعلام وتابعتها الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان، ورغم الطابع المترف الذي أحاط بالمعتقلين من خلال تخصيص فندق 5 نجوم لإقامتهم، فإن معلومات كثيرة تسرّبت تؤكد حصول تعرّض بعض المعتقلين للتعذيب.
لا ينفي الاحتفال بالمبالغ الضخمة التي اعلنت السلطات تحصيلها رغم تشكيك جهات عديدة بصحة هذا الرقم (تعادل 106 مليارات دولار) عن العمليّة طابعها السياسيّ، فلا يخفى أن هذه الضربة الكبرى التي لم توفّر رموز العائلة الحاكمة وكبار رجال الأعمال كان المقصود فيها إرهاب النخبة السياسية والاقتصادية وانتزاع اعترافها بجبروت وليّ العهد ورجاله المتعطشين للتحكم بكل مفاصل الحياة السعودية، وبالخصوص الشخصيات المؤثرة سياسياً كالأمير متعب بن عبد الله واقتصاديا كالوليد بن طلال.
لم يكن مستغرباً بعد خضوع المعتقلين الكبار للتنكيل والابتزاز والتهديدات أن يقوم الكثيرون منهم بـ«تسوية» أوضاعهم، ويبدو أن درجة «الإقناع» العالية فعلت فعلها إلى درجة أن الأمير الشهير الوليد بن طلال خرج من المحنة يدافع عن وليّ العهد السعودي دفاعاً مستميتاً تواصل حتى بعد تكشّف مأساة اغتيال الصحافي جمال خاشقجي، الذي كان صديقاً شخصياً للوليد الذي كلّفه بإدارة قناة «العرب» والتي قضي عليها، عام 2015، وهي لا تزال في ساعاتها الأولى للبث، بدعوى أنها قامت باستقبال أحد قادة المعارضة البحرينية.
الغريب أيضاً أنه قبل إعلان انتهاء الحملة بيوم واحد أعلنت السلطات اعتقال أكثر من 100 شخص على خلفية «الفساد» نفسها، فهل قام القائمون على الحملة بمداهمة سريعة أخيرة لأكثر من 100 سعودي وفي هذه الحالة كيف تمكنوا من إنهائها بعد يوم واحد؟
الأقرب للمنطق أن الشبكة القضائية والأمنية طلب منها غلق هذه الصفحة حالياً تحت وطأة الضغوط السياسية والاقتصادية الكبيرة التي يعاني منها الجناح الحاكم، والتي تعود في جزء كبير منها لتداعيات مقتل خاشقجي، التي انضافت على البلبلة التي خلقتها الاعتقالات، وانحسار الأحلام الكبيرة جداً عن خصخصة جزء من أوبك للحصول على تريليوني دولار (كما قيل حينها)، وإنشاء مشاريع كبرى مثل مدينة نيوم، وكل ذلك أدى لتراجع كبير في الرغبة العالمية في الاستثمار في السعودية أو المراهنة على حكم بن سلمان الذي تحوّل بين ليلة وضحاها من سياسيّ شاب طموح يملك أدوات هائلة للتأثير إلى متّهم بالقتل، ومسؤول عن كارثة اليمن، وعن اعتقال الناشطين والناشطات.
في حمأة الحماس العالميّ الذي تمّ تخصيصه لوليّ العهد السعودي العام الماضي، وفي عزّ حملة العلاقات العامّة في أمريكا وأوروبا، ولاحقاً مع زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب واشتداد حرارة العلاقات بين وليّ العهد وجاريد كوشنر مستشار وصهر ترامب، تجاهل الجميع الشعار السياسي الشهير الذي يقول إن القوة المطلقة هي فساد مطلق، والنتيجة المستخلصة من كل ذلك هو أن ادعاء معالجة الفساد قد يكون باباً لظهور فساد لا يمكن لأحد معالجته!