على هامش زيارة ولي العهد السعودي الى تونس: لشارع التونسي.. الاستثناء العربي
اسيا العتروس
لم تدم الزيارة أكثرمن بضع ساعات التقى خلالها الرئيس الباجي قائد السبسي ضيفه ولي العهد محمد بن سلمان قبل أن يغادر الى العاصمة الارجنتينية بيونس ايرس لحضوراشغال قمة العشرين …احتفى قايد السبسي بضيفه على طريقة الكرم التونسي والديبلوماسية التونسية المعهودة رغم كل المظاهرالاحتجاجية الرافضة للزيارة في الخارج ..ولم يشأ البروتوكول احراج الضيف بتنظيم ندوة صحفية مشتركة تحسبا لما يمكن أن تؤول اليه في ظل الاتهامات والشكوك التي تلاحق ولي العهد السعودي منذ تأكيد السلطات السعودية جريمة اغتيال جمال خاشقجي في مقر قنصليتها باسطنبول قبل شهرين ..لا نعرف ان كان مستشارو الامير الصغير, وليس المقصود اميرسانت اكسوبري , اطلعوه على ما رافق الزيارة الى تونس من وقفات احتجاجية للمجتمع المدني ولنقابة الصحفيين والاحزاب السياسية و لا نعرف موقف الامير منها بل الاكيد أن موقفه ليس مهما بقدرأهمية المشهد التونسي الديموقراطي المتوثب الذي لا يمكن لاي سلطة أن تحاصره أو تمنع تحركاته كلما تعلق الامر بحرية الراي والتعبيروهو ما يتعين على الامير الشاب, الذي يبدوأنه يحظى على الاقل حتى الان بدعم الرئيس الامريكي, أن يدركه ليدرك أن عالم اليوم الذي تسيره العولمة لم يعد يقبل ثقافة وعقلية الزعيم والقائد الاوحد اوالحزب الاوحد وأنه لن يكون بامكان أي كان حتى وان كان ولي العهد السعودي ومهما كان حجم نفوذه منع أو مصادرة انتقال المعلومة …ويكفي ما حدث للخاشقجي في مقرقنصلية بلاده رغم كل محاولات النفي والتعتيم على الجريمة للتأكيد على ذلك …
لسنا نسبق الاحداث ولا ندعو الى نصب المشانق فالتاريخ وحده ولا نقول القضاء وحده كفيل بكشف ما خفي من هذه العملية الاجرامية وملابساتها أوما اذا كان الامر يتعلق بمؤامرة محبوكة لمزيد خنق المملكة ودفعها دفعا الى صفقة القرن أوما اذا كان الامر يعكس ما يمكن أن يبلغه الطغيان اذا استبد بصاحبه …وكل سلطة مطلقة تبقى مفسدة مطلقة حسب العلامة ابن خلدون ..
ومن هنا أهمية الاشارة الى أن ما رافق و يرافق هذه الزيارة من تحركات احتجاجية وما عاشت على وقعه عديد المؤسسات الاعلامية والحقوقية هيات المجتمع المدني الفاعلة خلال الساعات القليلة الماضية من تعبيرعن رفضها لزيارة ولي العهد السعودي تتنزل في اطار ما تكفله الديموقراطية التونسية ودستور14 جانفي من ضمان للحريات الامر الذي قد لا تقبل به أنظمة عربية واسلامية لا تقبل بصوت الشارع ولا تسمح بدور فاعل لاحزاب المعارضة التي تريد لها أن تظل في دورالمتفرج وفي أفضل الاحوال في دور المعارضة الطيعة ..بل لعلنا لا نجانب الصواب اذا اعتبرنا أن هذه القوى الاحتجاجية والحقوقية والنقابية لم تكن لتتردد في توجيه سهام النقد الى درجة السخرية الى أعلى رموز السلطة في تونس دون أن تخشى ردة فعل ضدها , وهو ما يعني أن الهوية التونسية اليوم هوية ديموقراطية استثنائية مهما حاول البعض الاستخفاف بها او الترويج لخريف تونس الزاحف ..وربما يتكررهذا المشهد الاحتجاجي من جانب عديد الاحزاب والمنظمات الحقوقية مع زيارة وزيرالخارجية السوري وليد المعلم المرتقبة الى تونس وهو ما يؤشرالى تكريس الخيار الديموقراطي في تونس , وأنه سيكون لزاما على من يختار بلد ثورة الحرية و الكرامة وجهة له أن يضع في الحسبان هذا الواقع التونسي الجديد …
صحيح أن تونس تعيش أزمة اقتصادية و سياسية عميقة , وأنها تحتاج لاستثمارات واعدة تساعد على تجاوز بعض من صعوبات كثيرة تعرقل مسيرة هذا البلد و توفربعض الافاق المستقبلية وفرص التشغيل التي يمكن أن تدفع الى الحد من أزمة الثقة العميقة بين النخب السياسية و السواد الاعظم من الرأي العام , ولكن الاكيد أن تونس هذا البلد الصغير في حجمه الجغرافي الكبير في تطلعاته واحلامه لا يمكن أن يقبل بالابتزازوالمقايضة عندما يتعلق الامربالتراجع أوالتنازل أوالقفزعن أهم وأفضل المكاسب التي ارتبطت بالمسارالديموقراطي وهي حرية الرأي والتعبير,وهذا ما يتعين على من يجعل تونس محطته ان يدركه ويتعامل معه بنفس العقلية …
ومهما يكون حجم المساعدات الخارجية فالاكيد أنها لن تحل ازمات التونسيين العالقة , والاكيد ان خلاص تونس من ازماتها الاقتصادية والسياسية لن يأتي من خارج الحدود بل ان الخلاص مرتبط بأيدي التونسيين وحدهم الذين بامكانهم انقاذ البلاد من الكساد والانهيار ..
وبالعودة الى زيارة ولي العهد السعودي المحتملة اليوم نقول صراحة أن جريمة خاشقجي بكل فظاعاتها قد كشفت الوجه الحقيقي لدعاة قيم العدالة الزائفة واسقطت الكثيرمن الاقنعة وكشفت حجم وعمق الرياء والنفاق السياسي للقوى المتنفذة عندما يتعلق الامر بلعبة المصالح والصفقات العسكرية والنفطية وهو ما جسده الرئيس الامريكي بامتيازو معه الرئيس التركي الذي يستعد للقاء العاهل السعودي في الارجنتين ..لسنا في اطار محاكمة النوايا ,ولكن و في انتظار ما سيتمخض عن لقاءات مجموعة العشرين فان الاكيد أن تونس كانت واضحة في مواقفها منذ البداية بشأن جريمة خاشقجي ولم تجانب الصواب في الاصرار بكشف الجناة و ملاحقتهم .. و سيتعين على الديبلوماسية التونسية أن تكون في حجم القيم و المبادئ التي التزمت بها والتي تفرض احترام شركاءها لها ..
أخيرا وليس اخرا قد يكون فريق مستشاري ولي العهد السعودي والمحيطين به اخطأووا في اختيار توقيت جولة ولي العهد السعودي وما يرتبط بها من أهداف ورسائل للداخل والخارج , وأنهم ربما تعجلوا القفزعلى تداعيات ملف خاشقجي معتمدين في ذلك على الموقف اللين للرئيس الامريكي دونالد ترامب والذي فاقم الشكوك بتصريحاته الاخيرة بأنه” لولا المملكة لكان الحليف الاسرائيلي في وضع خطير”وهو أيضا ما يفتح المجال لاكثر من سيناريو بشأن صفقة القرن والعلاقة المستقبلية بين الرياض و بين الكيان الاسرائيلي ..
وستفرض علينا الهوية التونسية والعقلية الديموقراطية متابعة ما يحدث من تحولات متسارعة دون رياء أونفاق …لا نعتقد أن لقاء ولي العهد برئيس البلاد يمكن أن يمنحه الحصانة في حال ظهورمزيد الادلة والحجج التي تثبت تورطه في جريمة خاشقجي ولكن يمكن أن يتعلم لوأنه شاء أن الديموقراطية ثقافة وعقلية وحقوق ومواطنة …
هل أخطا الباجي باستقباله ولي العهد في بلاد الثورة الناشئة ؟الاكيد أن الباجي قائد السبسي أتقن فنون اللعبة الديبلوماسية ووجه أكثر من رسالة لاكثرمن طرف في صفوف خصومه اوحلفائه بأنه لا يزال يمسك بزمام الاموروأنه من يمثل تونس و الديبلوماسية التونسية في الخارج كما في الداخل ..
كاتبة من تونس