قضية خاشقجي مقابل السكوت عن ذبح 50.000 طفل يمني.. تحسين شروط الابتزاز!

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 2570
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

د. نبيل نايلي
 “إنّ عدم وجود أرقام موثوقة عن عدد القتلى في اليمن حتى الآن، قد سهّل على القوى الأجنبية التغاضي عن الاتهامات بأنها متواطئة في كارثة إنسانية.. “! الكاتب والصجفي باتريك كوكبرن، Patrick Cockburn.
إنّ مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، المورّط في صفقات الأسلحة كما في تمجيد صنيع تنظيم القاعدة وحرب أفغانستان ودمار العراق وتخريب سوريا، جريمة مرّوعة شغلت ولا تزال الاهتمام الدولي الانتقائي. وفي ذاك ما يطرح السؤال كيف يمكن لوفاة شخص واحد أن تتلقّى كل هذه التغطية الإعلامية في حين يستمرّ التعتيم على الفظائع السعودية المستمرّة في اليمن؟
إنّ محاولات الرئيس دونالد ترامب العديدة تبرئة ذمة الحاكم الفعليّ في المملكة العربية السعودية، ولي العهد، من خلال “التكهّن” بأنّ “عملاء” هم من يقفون وراء اختفاء السيد خاشقجي داخل القنصلية مزحة سمجة وأمر مثير للضحك على ذقون بعضهم، كما إنّ التباكي الأوروبي –دولا واتحادا- والحديث عن وقف صفقات الأسلحة ليس إلاّ نفاقا مقنّعا ريثما يسعّر الابتزاز.
أما دعا البرلمان الأوروبي إلى “فرض حظر فوري على بيع الأسلحة للسعودية، وبالتالي وفرض عقوبات على المملكة السعودية المارقة التي تنضم إلى الولايات المتحدة وإسرائيل باعتبارها المصدر الرئيسي للجريمة في جميع أنحاء الشرق الأوسط والعالم؟ أ ليست فرنسا لا تزال تقول إنها “لن تطبّق العقوبات إلاّ إذا ثبت أنّ الرياض متورّطة بالفعل في قتل الصحافي السعودي المثير للجدل؟” والسيدة ميركل تقل قبل أيام: “إنّ ألمانيا لن تمدّ السعوديين بالسّلاح – بسبب الجريمة الشّنيعة التي ارتكبت على جمال خاشقجي؟”
ليست مليارات دولارات المعتمدة لصفقات الأسلحة هي المعرّضة لخطر الإيقاف أو المساءلة فحسب، بل إنّ جوقة الحديث عن حقوق الإنسان وحمّى حرية التعبير وحرية الرأي مجرّد رفع عتب ونفاق دولي وابتزاز رخيص. ومهما كانت الأدلّة التي تمتلكها الحكومة التركية والتي لم يتم الإعلان عنها بعد ولا حتى في الخطاب الرّئاسي، فإنّ زمن الكشف عنها بيد من يساوم “القيادة” السعودية الغبية.
بكلّ المقاييس، إن إعلان وأسلوب الحرب على اليمن غير إنساني. ورغم ألاّ أحد يعلم تحديدا عدد الأشخاص الذين لقوا حتفهم نتيجتها، إلاّ أنّ موقع “النّزاع المسلّح، ” Armed Conflict Location & Event Data Project المستقلّ (ACLED) قدّر أن ما يقارب الــ 50.000 قد قتلوا في الفترة من يناير 2016 حتى يوليو 2018. كما أحصى ما لا يقلّ عن 50.000 طفلا قد قضوا خلال 2017 وحده. كما قدّرت الجمعية أن حوالى 400.000 طفل يحتاجون إلى علاج ويعانون سوء تغذية حادّ.
مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في اليمن يؤكّد أنّ:
“22.2 مليون يحتاجون شخص في اليمن إلى في حاجة ماسة للمساعدات الإنسانية و الحماية، وقدّر أنّ 17.8 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي وأنّ 16 مليون شخص يفتقرون إلى المياه الصالحة للشرب والصرف الصحي، وأنّ 16.4 مليون يشكون من عدم الحصول على الرعاية الصحية الكافية. احتياجات ازدادت بشكل مطّرد في جميع أنحاء البلاد.
من جهته، أفاد مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أن “الغارات الجوية لقوات التحالف بقيادة السعودية تسبّبت في معظم إصابات المدنيين المباشرة. فالغارات تطال مناطق سكنية أو أسواقا أو مواكب جنازات أو حفلات زفاف أو مرافق وقوارب مدنية بل ومرافق طبية!!! “. كما أبلغ المجلس عن أطفال مجنّدين بالقوة تتراوح أعمارهم بين 11 و17 عاما.
وأكّدت دراسة كتبتها مارثا موندي، Martha Mundy، لمؤسسة السلام العالمي: أنّ “استراتيجيات التحالف في الحرب على اليمن هي القصف الممنهج وحرب الغذاء كما أشارت إلى أنه منذ أغسطس 2015، يبدو أن هناك تحوّلًا في الأهداف العسكرية والحكومية إلى المدنية والاقتصادية ، فاستهدفت مصادر المياه والبنية التحتية، وإنتاج الأغذية وتوزيعها، والطرق والمدارس، والمعالم الثقافية، والعيادات والمستشفيات. “
تجيب موندي عن الفظاعات التي تقترف في اليمن، فتقول: “بينما تدعم الولايات المتحدة والمملكة المتحدة حلفاءهما دون خجل أو تردّد، فإنّ للمملكة السعودية والإمارات المتحدة أولويات اقتصادية مختلفة في هذه الحرب. فالمملكة تحول دون استخدام يمن موحد لعائداته النفطية، وتمنع تطويره لخطوط أنابيب جديدة إلى المحيط الهندي ؛ أما الإمارات فتخنق وتسيطر على الموانئ البحرية وعلى التجارة والسياحة والثروة السمكية. وما الهجوم على ميناء الحديدة الرئيسي) إلاّ سعيا منها لإستكمال هذه الحرب الاقتصادية عسكريا. ورغم المعاناة والجوع والمرض ورغم قول أحد الدبلوماسيين السعوديين (خارج الهواء): “بمجرّد أن نسيطر عليهم، سنقوم بإطعامهم” ورغم التعتيم وهذا النفاق الدولي لم يستسلم اليمنيون ولم يرضخوا.
كوكبرن يوضح أنّ “أحد الأسباب التي جعلت المملكة العربية السعودية وحلفاءها قادرين على تجنّب الغضب العام بشأن تدخلهم العسكري وحربهم على اليمن، هو أن عدد القتلى المدنيين لم يُمنح التغطية الضرورية. وقد بلغ هذا الرقم “بشكل منتظم 10000 قتيل في غضون ثلاث سنوات ونصف”.
لا تزال التغطية الإعلامية لكارثة اليمن الإنسانية المستمرة محتشمة. مرة أخرى، إنّ مصير السيد خاشقجي سلّط الضوء على ممارسات السعودية وفضح سياسة النفاق والكيل بمكيالين. ولكن ماذا عن مأساة إخوتنا في اليمن وهذه الاستخفاف بحياة الملايين في حين نصبت خيم العزاء منذ اليوم الأول لإختفاء خاشقجي ؟
باحث في الفكر الاستراتيجي، جامعة باريس.