من بن سلمان إلى بولتون: نداء الاستغاثة
حسن البراري
لا يمكن فهم مكالمة وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مع مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون وجاريد كوشنر والتي حاول فيها تبرير مقتل جمال خاشقجي بالقول إنه «إسلامي خطي» إلا في سياق اللعب على وتر الخوف الغربي من التطرف الإسلامي.
فالطغاة في العالم العربي طالما وظفوا «الخطر الإسلامي» ضمن إستراتيجيتهم لدفع الغرب لغض الطرف عن سياسات هؤلاء الطغاة في تكميم الأفواه والإقصاء السياسي والاستئثار بالسلطة، فهؤلاء الطغاة يحتملون أي شيء سوى النقد الغربي لهم لأنه من شأن ذلك أن يقوض من شرعيتهم.
هذه المكالمة تكشف بأن دموع التماسيح التي ذرفها الأمير السعودي على مقتل جمال خاشقجي لم تكن إلا سحابة دخان تخفي خلفها نية مبيتة لتصفية كل من يخالفه من السعوديين، وكان ينبغي على القيادة الأمريكية ان تربط بين هذه المكالمة وضلوع بن سلمان شخصيا في مقتل الصحفي السعودي.
وفي السياق أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كان قد توسط لدى الإدارة الأمريكية لنجدة ولي العهد شخصيا على اعتبار أن استقرار السعودية يعد متطلبا سابقا لمواجهة إيران.
والحق أن نتنياهو وجد في وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان خير حليف لتحقيق غرضين هامين إسرائيليا هما: تشكيل تحالف لمواجهة إيران والإجهاز على القضية الفلسطينية.
وبعد مقتل خاشقجي بأيام قليلة نشرت صحيفة هاآرتس ما يمكن اعتباره تحسراً إسرائيلياً على تورط محمد بن سلمان، فالجانب الإسرائيلي يعوّل عليه كثيرا لأنه تعهد للإسرائيليين وللمنظمات الأمريكية المؤيدة لإسرائيل للعمل بشكل حثيث مع الجانب الإسرائيلي.
نداء الاستغاثة الذي تضمنته مكالمة الأمير بن سلمان مع جون بولتون وجاريد كوشنر تلاه عملية توسط يقوم بها الجانب المصري الرسمي والإسرائيلي.
وما من شك أن بن سلمان يعوّل كثيرا على الجانب الإسرائيلي لعل الأخير يفلح في قلب النقاش العام في الولايات المتحدة ما يساعده على الإفلات من عقوبة مقتل جمال خاشقجي.
التركيز الإسرائيلي على أهمية استقرار السعودية في مكانه، فالسعودية ليست دولة عادية بل تمثل ثقلا لا مصلحة لأحد بزعزعة استقرارها، غير أن استقرار السعودية ليس مرهونا بوجود ولي العهد السعودية على سدة الحكم في الرياض.
المفارقة أن سياسات السعودية في السنوات الأخيرة هي من زعزع الاستقرار الإقليمي وقلل من مكانة السعودية، ففي عهد بن سلمان أصبحت السعودية قوة لا يخشاها أحد ولا أبالغ إن قلت لا يحترمها الكثيرون في العالم.
وهذا أمر محزن، ففي سنوات قليلة تحولت المملكة العربية السعودية من ركيزة استقرار إلى أكبر مهدد للاستقرار الإقليمي، ولعله من المفيد قراءة ما بين السطور لحديث وزير الدفاع الأمريكي ماتيس عندما قال في البحرين بأن اغتيال خاشقجي يزعزع من استقرار المنطقة.
ويبقى السؤال إن كان بالإمكان إعادة تأهيل محمد بن سلمان دوليا بعد أن تراجعت أسهمه ووصل بالبعض المطالبة بمحاكمته شخصيا؟
ما من شك أن الطريقة الوحشية والمدبرة لقتل خاشقجي قد أثارت فزع العالم ورسخت صورة استشراقية نمطية بأننا في هذا الإقليم لا نقيم وزنا لحياة الفرد ولا نتلكأ في ملاحقة المعارضين السلميين.
فالطريقة الداعشية في تقطيع أوصال المرحوم خاشقجي من شأنها أن تلقي بظلالها على صورة ولي العهد السعودية. وتبخرت مئات الملايين من الدولارات التي أنفقت لتحسين صورته في السنتين الأخيرتين على نيران عملية مقتل خاشقجي في قنصلية سعودية وظيفتها تقديم الخدمات والمساعدات للسعودية قبل أن تتحول إلى مخفر شرطة أو فخ للنيل من المواطن السعودي الذي انتقد سياسات بن سلمان.
* د. حسن البراري أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأردنية
المصدر | الشرق القطرية