لماذا تستثمر السعودية في خط أنابيب في تركمانستان؟
ترجمة وتحرير شادي خليفة - الخليج الجديد
تحمل خطوط أنابيب الطاقة أكثر من النفط أو الغاز الطبيعي، فهي قنوات قوية للتأثير الاقتصادي والسياسي. وفي باكستان، جذب الطلب المتزايد على الطاقة انتباه العديد من الموردين المحتملين المتلهفين على أعمال البلاد وولائها. وقد وعدت المملكة العربية السعودية، على سبيل المثال، ببيع "إسلام آباد" ما قيمته 3 مليارات دولار من النفط الخام، عبر خطة سداد مؤجلة، كجزء من صفقة استثمارية كبيرة. وهو عرض تنافسي لباكستان، التي تعني مواردها المالية غير المستقرة أن البلاد بحاجة إلى كل الائتمان الذي يمكنها الحصول عليه.
لكنه ليس عرض الطاقة الوحيد الذي قد تحصل عليه "إسلام آباد". وفي عالم الغاز الطبيعي، قد لا تتمكن المملكة من المنافسة. واقترحت إيران وروسيا بناء خط أنابيب بحري لتلبية الطلب المتزايد من باكستان على الغاز الطبيعي. ووقعت الأطراف الثلاثة على اتفاق مبدئي بشأن خط الأنابيب، الذي سيبلغ طوله 2775 كيلومترا، من إيران إلى الهند عن طريق باكستان، في سبتمبر/أيلول. وعلى هذا النحو، بدت السعودية وكأنها خارج سوق الغاز الطبيعي في باكستان.
ومع ذلك، وجدت المملكة طريقا آخر إلى السوق الباكستانية، عبر "تركمانستان". وقد أعلنت الرياض مؤخرا أنها ستخصص المزيد من الأموال لبناء جزء من خط أنابيب آسيا الوسطى، الذي يمر بـتركمانستان - أفغانستان - باكستان - الهند، أو خط أنابيب الغاز الطبيعي "تابي"، كما يعرف اختصارا؛ ويعد هذا الاستثمار أحدث خطوة من قبل السعودية لمواجهة نفوذ إيران في باكستان والمنطقة المحيطة بها، لكنه قد يضع روسيا في موقف الدفاع.
فرصة واعدة جدا
وبالنسبة لإيران والمملكة العربية السعودية على حد سواء، تمثل باكستان فرصة واعدة. وهي ثاني أكبر دولة إسلامية من حيث عدد السكان، وهي القوة النووية الوحيدة في العالم الإسلامي. وسوف تكون حليفا ثمينا لأي من البلدين. وقد عرضت في الآونة الأخيرة التوسط بينهما لمحاولة حل الحرب الأهلية في اليمن. وعلى صعيد الطاقة، فإن باكستان واعدة للغاية، ويضيف سوقها المتنامي بسرعة نحو نصف مليون عميل سنويا. ولمواكبة هذا الطلب، تعتزم الحكومة زيادة وارداتها السنوية من الغاز الطبيعي المسال، إلى أكثر من 3 أضعاف، لتصل إلى 37 مليار متر مكعب بحلول عام 2030. وعلى الرغم من أن السعودية ليست منتجة للغاز الطبيعي، ولديها احتياطيات أصغر مقارنة بإيران، إلا أنها تستطيع "المساهمة في سد جزء من الطلب المتزايد على الغاز الطبيعي والغاز الطبيعي المسال في باكستان.
وهنا يأتي دور تركمانستان. وتمتلك البلاد احتياطيات وافرة من الغاز الطبيعي، ومشاكل خطيرة في التصدير والتوزيع. وعلى مدار حقبة ما بعد الاتحاد السوفييتي، كانت روسيا أكبر زبون للغاز الطبيعي في تركمانستان. وقد حاولت الحكومة في "عشق أباد" تنويع وجهات تصديرها، وبدء الشحنات إلى الصين، والضغط من أجل طريق أكثر مباشرة إلى أوروبا من شأنه أن يتجاوز روسيا، لكن جهودها جاءت بنتائج عكسية. وبسبب قلقها من فقدان السيطرة على إمدادات "تركمانستان" من الغاز الطبيعي، منعت موسكو بناء خط الأنابيب المقترح عبر بحر قزوين. وفي غضون ذلك، خفضت شركة "غازبروم" الروسية العملاقة للغاز تدريجيا مشترياتها من الغاز التركماني حتى عام 2016، عندما أوقفتها تماما. ونتيجة لذلك، لا توجد لدى تركمانستان وسيلة لنقل غازها الطبيعي إلى الغرب أو الشمال.
وفي الجنوب، لم يكن حظ تركمانستان أفضل بكثير. فإيران، التي تعارض أيضا بناء خط أنابيب تحت بحر قزوين، متورطة في نزاع مع تركمانستان بسبب الغاز الطبيعي منذ نحو عامين. وقد بدأت المشكلة عام 2017، عندما توقفت تركمانستان عن إرسال الغاز الطبيعي إلى إيران، زاعمة أن طهران مدينة لشركة الطاقة المملوكة للدولة، "تركمان جاز"، بمبلغ 1.8 مليارات دولار. وقد بدأت إيران شكوى رسمية ضد تركمانستان في يناير/كانون الثاني، ومنذ ذلك الحين، ذهبت القضية إلى التحكيم الدولي. وفي هذه الأثناء، تعد الصين هي الدولة الوحيدة التي اشترت الغاز التركماني. وقد أدى فقدان عائدات تصدير الطاقة إلى انهيار الاقتصاد التركماني، ودخوله في أزمة كاملة، مع ارتفاع التضخم ونقص الغذاء. وأصبح الوضع مريعا لدرجة أن الشرطة التركمانية بدأت تغريم الأشخاص الذين يأتون إلى العاصمة من أجزاء أخرى من البلاد لشراء الطعام.
تنافس ثلاثي
ويمكن للمملكة العربية السعودية مساعدة تركمانستان في إيصال الغاز الطبيعي إلى أسواق تصدير جديدة من خلال خط أنابيب "تابي". وبالمقابل، تستطيع تركمانستان أن تكفي باكستان عن الاعتماد بشكل كبير على الغاز الطبيعي الإيراني، وبالتالي، من أن تصبح أكثر خضوعا لنفوذ إيران. وتتوقع باكستان استلام أول شحنات الغاز من تركمانستان من خلال "تابي" عام 2020، على افتراض اكتمال المشروع. ومن المقرر أن يتم تشغيل خط الأنابيب من حقل "غالكينيش" في تركمانستان عبر إقليم "قندهار" في أفغانستان قبل أن يمر إلى باكستان ثم الهند. ولقد جعلت الحرب في أفغانستان، وتهديد المتمردين هناك، عملية بناء خط الأنابيب أمرا محفوفا بالمخاطر، وطردت معظم المستثمرين.
وقد يكون الأمن جزءا فقط من المشكلة. وهناك أيضا إمكانية معارضة دولية لخط الأنابيب "تابي"، وبالتحديد من روسيا. ويعد المشروع صداعا لموسكو. وبمجرد الانتهاء منه، فإن خط الأنابيب سيعرض نفوذ روسيا على تركمانستان للخطر، وهي منطقة كانت تربطها علاقات وثيقة بموسكو منذ القرن التاسع عشر. ولقد حافظت تركمانستان على حيادها منذ انهيار الاتحاد السوفييتي، حيث امتنعت عن الانضمام للتكتلات الروسية مما أثار غضب موسكو.
وفي الأعوام الأخيرة، كثفت روسيا جهودها بشكل ملحوظ لضمان وجودها في آسيا الوسطى. ولكن نظرا لأنها ليست في وضع مالي جيد لإقراض الأموال إلى "عشق أباد"، فقد اعتمدت موسكو بدلا من ذلك على الضغط الاقتصادي لمحاولة فرض تعاون تركمانستان. وكانت النتائج متفاوتة، وهي الآن في طريقها إلى الخسارة، ليس فقط مع تركمانستان بفضل خط "تابي"، بل ربما أيضا بسبب السعي للأرباح؛ حيث تفكر "غازبروم" في المساعدة على تطوير أربعة حقول للغاز الطبيعي في إيران، وبناء مصنع للغاز الطبيعي المسال، إلى جانب خط الأنابيب البحري، لتسهيل شحن الغاز الطبيعي الإيراني إلى باكستان.
ومع ذلك، يبدو أن احتمال تورط السعودية في تركمانستان قد جدد اهتمام روسيا بالغاز الطبيعي التركماني. وأفادت تقارير أن شركة "غازبروم" تفكر في استئناف وارداتها من البلد الواقع في آسيا الوسطى. ويعني هذا يعني أن علاقة موسكو بالرياض وطهران قد تتغير. وكانت روسيا تاريخيا هي القوة الوحيدة التي تميل إلى الحفاظ على علاقات جيدة مع إيران والسعودية، وبيع الأسلحة إلى كلا البلدين، ومحاولة العمل كوسيط بينهما. لكن قد تصبح مصالحهم المتداخلة، إن لم تكن المتضاربة، في تركمانستان، أساس نزاع ثلاثي جديد على هذا الخط.
المصدر | جيوبوليتيكال فيوتشرز