هل كان اجتماع حُكَماء “آل سعود” المُغلَق للإطاحة بالأمير بن سلمان؟.. ماذا لو فاجأ الغاضِبين من مقتل خاشقجي ونصّب نفسه مَلِكاً وانضم لمِحوَر المُقاومة؟
خالد الجيوسي
طَبَّقَ الأمير محمد بن سلمان وليّ العهد السعوديّ، المثل القائل “جنت على نفسها براقش” حرفيّاً، وذلك في قصّة اختفاء واختطاف ومقتل الكاتب الصحافي جمال خاشقجي، في حادثة عالميّة، وقعت مع دُخول الأخير القنصليّة السعوديّة على الأراضي التركيّة، وتعرّضه لأبشع أنواع التعذيب، الذي انتهى بمقتله، وتقطيع جسده بالمِنشار، وعلى أنغام الموسيقى كما تقول آخر الأنباء أو التَّسريبات، فحتّى دِماء أهل اليمن، ورئيس وزراء لُبناني مُحتَجز، لم يُثيروا أو لم يستطيعوا أخذ كٌل هذا الحيّز، المُفضِي ربّما لرحيل بن سلمان، وانتهاء طُموحاته بالعرش الملكي.
العالم فيما يبدو حتى كتابة هذه السُّطور، لا يقتنع برواية وليّ العهد التي تقول أو قالها للرئيس الأمريكيّ دونالد ترامب، وهي أنّه لا يعلم ما حدث داخل السفارة، فحتى حُلفاء المملكة التقليديين، لم يستطيعوا مُمارسة الصَّمت، وغض النظر، عمّا وقع من حادثة أليمة بَشِعة، تُؤكِّد الاستخبارات الأمريكيّة، أنه لا يمكن أن تتم عمليّة اغتيال بكُل هذا التخطيط، ولا تكون على اتِّصالٍ مُباشرٍ بالأمير الشاب، الحاكم الفِعلي للبِلاد.
اللافت في قضيّة الخاشقجي القتيل، أنّ الأضواء مُسلَّطة على الأمير بن سلمان، والألقاب الدمويّة، والمُطالبات بالعزل، ولا توجد أي شُكوك حول مسؤوليّة الملك سلمان بن عبدالعزيز بطريقةٍ أو بأُخرى، فغاية الجميع الآن، هي الإطاحة بولي العهد السعودي، واستبداله، وهي النقمة التي طالت كامل السعوديّة، حتى إشعار التنازل، التنحّي، الرحيل، أو ما شابه.
تبدو الرواية التي يتم التخطيط لها، أي رواية الاعتراف بعد الإنكار، التي ستُحمِّل شخصيّة كبيرة المسؤوليّة “كبش فداء”، عن انفلات الأًمور خلال التحقيق مع خاشقجي، ما أدّى إلى مقتله، رواية مكشوفةً للعالم، فغاية العالم المُتضامن هو كشف الحقيقة التي مفادها أن خاشقجي قُتِل في القنصليّة، وبأمرٍ مُباشرٍ من الأمير بن سلمان، والبحث عن أكباش فداء لا يعنيهم، خاصّةً في ظِل اطّلاع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على تسجيلات، سلّمتها السلطات التركيّة له، تُوثِّق فعليّاً ما جرى مع الصحافي المغدور خاشقجي، وهي “لفلفة” باتت تُدين ترامب ذاته، المُتعاطف مع بن سلمان، لمصالح ماليّة، وشخصيّة، وباتت مكشوفَةً للجميع.
مُستقبل العربيّة السعوديّة كُلّه بات في مهب الريح، فالعالم أجمع على أن يقف وقفة رجلٍ واحد، ضد فعلتها أو فعلة أميرها، وبالتالي على المملكة اتِّخاذ إجراء داخلي، يُجنّبها، المزيد من المُقاطعات، التي بدأت برأس مُؤتمر “دافوس الصحراء” الذي كان يُراهَن عليه في دعم رؤية 2030، وقد ينتهي بعُقوبات أقسى، وحصار أشد من ذاك الذي تفرضه بلاد الحرمين على شقيقتها الخليجيّة.
صحيفة “لو فيغارو” الفرنسيّة تحدّثت الأربعاء فعليّاً عن هذا الإجراء الداخلي، تحت عُنوان خبر “آل سعود” في اجتماع مُغلق لحل الأزمة، وقالت الصحيفة أنه وفي ضوء أزمة اختقاء خاشقجي، بدأ حُكماء العائلة، ومُنذ أيّام، بالنَّظر وبأعلى درجات الاهتمام في حالة وليّ العهد السعودي، وهي المعلومة التي نقلتها عن مصدر دبلوماسي في باريس، وأكّدها مصدر سعودي اتّصلت به بالعاصمة الرياض، فهل كان هذا الاجتماع تحضيراً أو بداية التفكير بعزله؟
وزير الخارجيّة الأمريكي مايك بومبيو، ونقلاً عن شبكة “سي إن إن”، قال للأمير بن سلمان خلال اللقاء الذي جمعهما، أنّ مُستقبله كملك على المحك، وعليهم إجراء تحقيقاتهم بسرعة كبيرة، وإذا لم يفعلوا ذلك، فسيتعيّن على الولايات المتحدة، التعامل مع هذا الأمر، وأنّ ترامب مُضطر لاتِّخاذ إجراءات، لأنّ العالم سيُطالب بها.
لو كان لخُصوم الأمير محمد بن سلمان، ترتيب هذه الكارثة التي أضرّت بسُمعته الشخصيّة، ووجهه الإصلاحي، الذي تحوّل إلى دمويّ، لما استطاعوا، كما فعل هو أو من خلفه أن يُقدِّموها على طَبَقٍ مِن فِضَّة، وهي كارثة فيما تبدو، لن يقبل العالم فيها، إلا برأس فاعِلها الحقيقيّ.
هُناك أربع فرضيّات يُرشِّحها الداخل السعودي لكاتب هذه السطور، قد تلجأ إليها المملكة أو بن سلمان ذاته لطيّ هذه الأزمة نهائيّاً:
الأولى: أن ينجح فعليّاً هذا الاجتماع الذي وصفه البعض بالسِّرّي لحُكماء العائلة (آل سعود) والذي تحدّثت عنه صحيفة “لو فيغارو”، وينجحوا بالإجبار أو التراضي، بعزل الأمير بن سلمان عن منصبه، وتعيين شقيقه سفير واشنطن بديلاً عنه كحل وسط، يُبقي الحُكم بأيدي أبناء المليك الحالي سلمان بن عبدالعزيز، ويُجَنِّب البِلاد مَصيراً أسْوَداً قاتِماً، على أن تكون “عُقوبة” الأمير على فعلته هي العزل من منصبه فقط، دون إجراءات أُخرى.
الثاني: أن تقوم الولايات المتحدة نفسها إدارة ترامب، وللتخلُّص من الضغط العالمي، والحِفاظ على ما تبقّى من صورتها الإنسانيّة، وبالنَّظر إلى تحذيرات وزير خارجيّة الإدارة لبن سلمان بأنّ مُستقبله كملك على المِحَك، بالاستغناء عن خدمات الأمير بن سلمان بالإجبار، وجلب كُل من الأسماء المُرشّحة التي يتم تداولها هذه الأيّام في الإعلام الغربي، الأمير أحمد بن عبدالعزيز المُتواجد في لندن، وآخر الأبناء المُحنِّكين للملك عبدالعزيز، أو الاستعانة بالأمير محمد بن نايف ولي العهد السابق، والذي عزله بن سلمان من منصبه، في صفقة جرى ترتيبها مع الأمريكيين.
الثالثة: أن يُفاجِئ الأمير بن سلمان العالم، ويُنَصِّب نفسه ملكاً، ويعزل والده الذي يتردّد أنه يُعاني من أمراض فُقدان الذاكرة ببيان تنحّي، ويُصبح على العالم أن يتعامل معه كملك مُتوّج على عرش العربيّة السعوديّة، وخادمٍ للحرمين، وهو ما قد يخلط الأوراق، ويُعيد حسابات العالم، يقول أصحاب هذه الفرضيّة.
الرابعة: ونظراً للصمت الإيراني والروسي، أو التعليقات الخجولة التي صدرت عنهما فيما يتعلّق بتحميلها المسؤوليّة المُباشرة عن مقتل خاشقجي، تُفتح أبواب العاصمة الرياض لحليفيّ الرئيس السوري بشار الأسد، وبقدرة قادر تنضم المملكة إلى “محور المُقاومة”، وهو ما أشار إليه بالفِعل في مقاله الإعلامي السعودي تركي الدخيل، المُقَرَّب من الأمير بن سلمان، في معرض استعراضه للرُّدود المُتوقّعة للسعوديّة على الغضب الأمريكي، والتصالح حتى مع حماس وحزب الله، وهو بالتأكيد ليس استعراضاً أو طرحاً من بنات أفكاره كما قال لاحقاً، بل هو خيار موضوع حين تحين ربّما لحظة الحقيقة.
بالنَّظر إلى شخصيّة الأمير محمد بن سلمان، وخوضه جميع تلك التحدٍّيات من حرب اليمن الحازمة، مُقاطَعة قطر، احتجاز الحريري، أزمة كندا، اعتقال العُلماء، ورجال الأعمال، والمُنتقدين وكسر كُل ضوابط المجتمع وصولاً لقيادة المرأة.
أمام هذا، نعتقد أنّ الرجل سيخوض المعركة حتى النهاية، وسيستخدم أوراقه وإن كانت خاسرة، وإن كانت إحدى ميادينها “تويتر”، فتوحيد صورة العرض له على حسابات مُؤيّديه التي تم الدعوة إليها، والتصعيد مع قطر، وتحميلها مسؤوليّة مقتل خاشقجي، بل واتِّهام الإعلام الأمريكي بأنّه مُموّل منها، في إطارٍ افتراضي، وكأنّما تم عزله عن العالم، هذا كُلّه لا يُوحي إلا بأنّ الأمير الشاب سيذهب للنهاية، وإن كان الثَّمن مصير بلاده نفسها، أمّا نحن فلا يسعنا إلا التَّرحُّم على زميل مهنتنا “المغدور” الزميل جمال خاشقجي، والله المُوفِّق والمُستعان.
كاتب وصحافي فلسطيني