الابتزاز الامريكي للسعودية.. وقائع ومعطيات
الدكتور حسن مرهج
لن نناقش في هذا المقال الهيمنة الامريكية في الشرق الأوسط، و لن نتطرق لعَظمة الولايات المتحدة العسكرية، لأن الوقائع أثبتت أن الترسانة العسكرية لأمريكا لا يمكنها فرض أي مسارات سياسية أو عسكرية في المنطقة، و بإشارة بسيطة إلى اليمن و العراق و سوريا، ندرك بأن التفوق العسكري الأمريكي هو خيال يراود المنبطحين من العرب، بالإضافة إلى أولئك الذين تروق لهم تسمية الولايات المتحدة بالدولة العظمى، نعم هي دولة عظمى بدعم الإرهاب و تدمير الانسان و الانسانية، و لاشك بأن كلمة الارهاب باتت أيضا مرتبطة بالسعودية التي تقوم بتصديره بناء على أوامر أمريكية، و هذا بات من المسلمات للكثيرين من المتابعين لتطورات المنطقة خاصة في العقد الأخير، لكن و رغم العلاقة المشبوهة التي تجمع الرياض بـ واشنطن، فإن الرئيس الأمريكي ترامب قد خرج عن جزئيات هذه العلاقة، حيث أعلن مؤخرًا أنه هاتف سلمان بن عبدالعزيز وأعلن له خلال المكالمة أنه سعيد بالصداقة مع السعودية، وأن السعودية يجب أن تدفع ثمن حماية أمريكا لها، لأنه بدون هذه الحماية لن تكون هناك دولة سعودية خلال اسبوعين فقط، ليأتي ولي العهد السعودي و يعلن بأن السعودية تدفع ثمن الاسلحة الامريكية بالكامل و انها لن تدفع ثمن حمايتها، و نذكر أيضا بأن ترامب لا يفوت خطابا إلى و يتطرق إلى السعودة و يقوم بإهانة حكامها جهارا نهارا، لنصل إلى سؤال جوهري و محوري، هل العلاقة بين الرياض و واشنطن هي علاقة صداقة أم ابتزاز؟.
الوضع الداخلي في السعودية أحد أسباب إهانات ترامب المتكررة لآل سعود.
النظام السعودي نظام غير ديمقراطي ولا يتسم بالانفتاح السياسي، ونظراً إلى أن الجزء الأكبر من إيرادات هذا البلد يأتي من إنتاج النفط، فإن هذا البلد الغني بالنفط يعاني من أزمة الشرعية السياسية للحكام السعوديين، وذلك لأن حكومات الدول التي تفتقر للديمقراطية لا تعتمد على سياسة استخراج المنابع وإعادة توزيعها بشكل متساوٍ، إضافة إلى الحركات التي تزداد يوميا في الأوساط الشبابية و الثقافية في المجتمع السعودي، ونظراً لزيادة تلك الاحتجاجات والتحركات الاجتماعية فلقد قامت الحكومة السعودية بزيادة استخدام سلطة القهر والقمع ضد تلك الحركات الاجتماعية، بالإضافة إلى التحرك نحو القيام ببعض الإصلاحات الرمزية لإيهام المجتمع السعودي بأن الحكومة السعودية تقوم بتلبية جميع مطالبهم، يُضاف إلى ذلك وجود تمييز عنصري ضد الأقليات مثل الشيعة، ووجود الكثير من الفساد المالي في مختلف المؤسسات والمقار الحكومية، والتضخم، وارتفاع نسبة البطالة، والركود الاقتصادي، ووجود فجوة واسعة بين الإنفاق العسكري والتنمية الاجتماعية والاقتصادية ولقد أثارت تلك القضايا العديد من الاحتجاجات مثل المظاهرات التي حدثت في عام 2011 والتي قُتل وجرح فيها العديد من الأبرياء، و بالتالي و ضمن هذا المشهد يدرك ترامب أن آل سعود يملكون من المشاكل الداخلية الكثير، فضلا عن سخط المجتمع السعودي من الحروب المنتشرة في المنطقة و التي كانت بدعم مباشر من آل سعود، و عليه فإن هذه الأزمات الداخلية السعودية هي التي تهدد آل سعود، ليأتي ترامب و يقوم بابتزاز حكام السعودية ليدفعوا له مقابل حمايتهم من شعبهم، ففي حال رُفعت هذه الحماية فإن الشعب السعودي سيقتص من حكامه الذي طغوا و تجبروا.
البروبغندا الأمريكية
ترامب و من خلال سياسة إداراته، يحاول ان يُعمم مفهوم إيران فوبيا، ليضمن بذلك استمرار تدفق سلاحه إلى المنطقة، و بهذه البروبغندا الأمريكية القائمة على اعتبار ايران تهديد للخليج العربي، يسعى ترامب إلى تأمين سوق رائجة لتصريف السلاح الأمريكي بتضخيم الخطر الإيراني، و الادعاءات لأمريكية التي تقوم على التدخلات المستمرة من قبل إيران في الملفات العربية التي تعتبرها الولايات المتحدة ومن وراءها دول الخليج ولاسيما السعودية خطرا كبيرا.
كما يقوم ترامب بتعزيز الشعور لدى آل سعود بالتصادم الوشيك بين السعودية وإيران في مناطق النفوذ لكلا الطرفين، خاصة في اليمن و لبنان، لذلك تستغل واشنطن هذه الفبركات و تقوم على تعزيزها لعقد صفقات السلاح الذي سيكون رادعا لإيران حسب التصريحات الأمريكية، و من أجل الحفاظ على السلم و الأمن في الشرق الأوسط.
و بالتالي أفضل حل لدى واشنطن لكي تضمن استمرار تدفق بيع السلاح للعالم، هو تأزيم الأوضاع في الشرق والغرب وإثارة الفتن والنعرات بين مختلف الدول وداخل الدول نفسها، بالإضافة إلى الابتزاز الأمريكي، فإما الدفع و إما رفع الحماية لتتساقط العروش.
في المحصلة
نتمنى على السعودية كبلد عربي واسلامي، ان يوقف حربه ضد المدنيين في اليمن و ان تتوقف عن دعم الارهاب، و الابتعاد عن الأمريكي، و تشكيل منظومة عربية من شأنها التصدي للمشاريع الامريكية في المنطقة و انصاف الفلسطينيين و الانتصار لقضيتهم، و الأهم إنصاف الشعب السعودي، حينها سنكون اول المدافعين عن السعودية ضد أي ابتزاز امريكي أو تهديد ترامبي.