هل نَرى قُوّاتً عَسكريّةً تُركيّةً في الكويت على غِرار ما يَحْدُث حاليًّا في قطر؟

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 2413
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

 ولماذا يُؤكِّد رئيس البرلمان الكويتيّ بأنّ تركيا ليسَت “جُمهوريّة موز” وستتغلّب على الأزَمَة الاقتصاديّة؟ وما هُوَ “سِر” تَزامُن هذا التَّأكيد مع تَأزُّم العلاقات السعوديّة التركيّة على أرضيّة “أزمة خاشقجي” وفَشَل زِيارَة بن سلمان للكُويت؟

عبد الباري عطوان

 أضافَت دولَة الكويت دَليلًا جديدًا يُؤكِّد تَصاعُد تَوتُّر علاقاتِها مع المملكة العربيّة السعوديّة، واتِّساع الهُوّة بين مَواقِف البَلدين العُضوَين في مجلس التَّعاون الخليجي، عندما أعلن بيانٌ رسميٌّ كُويتيٌّ صَدَرَ في خِتام الاجتماع الخامِس للجنةِ التَّعاون العَسكريّة التركيّة الكُويتيّة الذي انعقد في الكويت يوم الأربعاء، توقيع مُمثِّلي الجَيشين التركيّ والكويتيّ خُطّة عمل للتَّعاون الدِّفاعي المُشتَرك لعام 2019 بهَدف تعزيز التَّعاون العسكريّ بين البَلدين.

وكالة الأنباء الكويتيّة التي وزّعت نَبأ توقيع هَذهِ “المُعاهَدة”، قالت أنّ اللواء الركن محمد الكندري، نائب رئيس هيئة أركان الجيش الكويتيّ ونَظيره التركيّ العميد إموت يلدير، وَقّعا على الاتّفاق، وأضافَت بأنّه جَرى الاتِّفاق على تَبادُل الخُبرات العَسكريّة وتَوحيد الجُهود، دُونَ كَشفِ المَزيد مِن التَّفاصيل حول البُنود الأُخرَى.

مَصادِرٌ كُويتيّةٌ تَحدّثت إلى “رأي اليوم” لم تَستبعِد أن تكون هَذهِ “المُعاهَدة” تتضمّن تَواجُد قُوّات تركيّة في الكويت، وشِراء صفقات أسلحة تركيّة خاصَّةً في ميادين الدُّروع، على غِرار مُعاهَدة الدِّفاع المُشتَرك القَطريّة التركيّة التي حَمَت الدوحة مِن اجتياحٍ عسكريٍّ للدول الأربَع التي تُقاطِعها وتَفرِض حِصارًا عليها في بِدايَة الأزَمَة الخليجيّة قبل عامٍ ونِصف العام تَقريبًا، وكان أوّل مَن كشف الاحتمالات الجديّة لهذا الغَزو الشيخ صباح الأحمد الجابر أمير الكويت الذي قال أنّ وِساطَة بِلاده مَنَعت الحَرب.

 

***

المَعلومات المُتَوفِّرة لدينا أنّ عدد القُوّات التركيّة المُتواجِدة في قاعدة عسكريّة تركيّة قُرب العيديد يَصِل إلى 35 ألف جُندي بكامِل مُعدّاتهم الثَّقيلة، ولَعِبت تركيا دورًا كبيرًا في تخفيف آثار الحِصار عَن قطر عِندما أقامَت جِسرًا جَويًّا لتَعويضِ كُل الوارِدات القطريّة القادِمة من السعوديّة التي تَوقّفت في بِدايَةِ الأزَمَة، وإغلاق الحُدود بين البَلدين.

السُّلطات القطريّة ردّت هذا الجَميل بزِيادَة استثماراتِها الماليّة في تركيا، وزارَ الأمير تميم بن حمد آل ثاني أنقرة في ذروة أزمة تراجُع قيمة الليرة التركيّة حامِلًا في حقيبته صَكًّا بـ15 مِليار دولار لدَعم العُملة التركيّة، سواء على شَكلِ استثمارات، أو ودائِع في البنك المركزي التركي، ونَجَحت هَذهِ الخطوة في وقف انهيار الليرة وعَودَتِها تَدريجيًّا إلى حالةٍ مِن الاستقرار النِّسبيّ.

كان لافِتًا أنّ جميع الصُّحف الكويتيّة بِما في ذلك تِلك القريبة مِن المملكة العربيّة السعوديّة، أبرَزت تصريحات السيد مرزوق الغانم، رئيس مجلس الأُمّة الكويتي التي أدلى بِها على هامِش مُشاركته في المُؤتمر الثالث لرؤساء البرلمانات الآسيويّة الأُوروبيّة، الذي انعَقد في مدينة أنطاكيا التركيّة الساحليّة التي فاجَأ فيها الكثيرين بتأكيده على أنّ تركيا “ليسَت جمهوريّة موز وستتجاوَز الحرب الاقتصاديّة التي تُشَن ضِدّها، وهي حَربٌ ستَفْشَل حَتْمًا”.

أهميّة هَذهِ التَّصريحات، إلى جانِب الاتِّفاق أو المُعاهَدة العسكريّة التركيّة الكويتيّة تأتِي ليس فقط مِن عَكْسِها للانفتاح الكويتي على تركيا، وإنّما بسبب تَوقيتِها أيضًا، ونُشير إلى عِدّة نُقاطٍ في هذا الصَّدد:

ـ أوّلًا: أنّها تأتِي في ذَروة التَّوتُّر في العَلاقة السعوديّة التركيّة على أرضيّة “أزَمَة” اختفاء الصحافي السعودي جمال الخاشقجي، وتَزايُد التَّسريبات الرسميّة عن قَتلِه، وربّما تقطيعه، داخِل القُنصليّة السعوديّة في إسطنبول على أيدِي فريق مِن رجال الأمن السُّعوديّين قَدِموا خِصِّيصًا مِن الرياض لهَذهِ المُهِمّة، وتأكيد السُّلطات التركيّة أنّ الخاشقجي دَخَلَ القُنصليّة حيًّا ولم يُغادِرها.

ـ الثاني: أنّ هذا التَّقارُب التركيّ الكويتيّ يأتِي بعد فشل الزيارة التي قال بِها الأمير محمد بن سلمان، وليّ العهد السعودي إلى الكويت يوم السبت الماضي، في حَل الخِلاف بين البَلدين حول آبارِ نِفطٍ مُشتَركةٍ في حَقليّ الخفجي والوفرة، وهِي الآبار التي أوقَفت السُّلطات السعوديّة إنتاجها عام 2014، وتُطالِب الكويت بتَعويضاتٍ تَصِل إلى 8 مليارات دولار مُقابِل حصّتها التي تَصِل إلى 250 ألف برميل يوميًّا مِنها (500 مليون برميل يوميًّا حجم الإنتاج الكُلّي)، وقد اعتَرَف الأمير بن سلمان الذي اختصَر زيارته مِن يومَين إلى ساعَتين بوُجودِ خِلافاتٍ مع الكُويت حَوْلَ هَذهِ الآبار.

ـ الثالث: حالةُ الجَدل، بَل الغَضب، التي أثارَتها تَغريدات الأمير خالد بن عبد الله بن فيصل بن تركي آل سعود على حِسابِه على “التويتر” في أوساطِ الكُويّتيين التي قال فيها “أنّ الكويت تحتاجُ لعاصِفةِ حَزمٍ داخليّةٍ لتَطهيرِها مِن قَذارَة الإخونج وأذناب تنظيم الحمدين (قطر) فالوَضع زادَ عن حَدّه”.

ـ الرابع: إطلاق السُّلطات السعوديّة حملةَ تَحذيرٍ لسُوّاحِها الذين يتدفّقون إلى تركيا هَذهِ الأيّام ويُقدَّر عددهم أكثر من 600 ألف سائِح سَنويًّا، بمُقاطَعة تركيا والبَحث عن أماكِن سياحيّة أُخرَى لانعدام الأمن فيها أوّلًا، ولمَوقِفها المُعادي لبِلادِهم، وتَمتَلِئ وسائِط التواصل الاجتماعي بتغريداتٍ تَعكِس تَوجُّهاتً رسميّةً في هذا الصَّدد.

 ***

 ظُهور الخِلافات السعوديّة الكويتيّة بهَذهِ الطَّريقة التي تَعكِس خُروجًا عن التَّقاليد الخليجيّة المَعروفة بالتَّمَسُّك بفَضيلة الكِتمان يُوحِي بأنّ حالة الانقسام في مَنظومَة مجلس التعاون الخليجي تتوسّع وتتعمّق، وتَطفو على السَّطح، وأنّ الكويت باتَت أقرَب إلى المِحوَر القطريّ العُمانيّ في الأزمةِ الخليجيّة، وكانَ لافِتًا أنّ الدُّوَل الثَّلاث حَرَصَت على إدانَة الهُجوم “الإرهابي” الذي استَهدَف عَرْضًا عَسْكريًّا في الأحواز، جنوب غرب إيران، وأدّى إلى مَقتَل وإصابَة 85 شَخْصًا بينَما لم تَفْعَل الشَّيء نفسه الدُّوَل الثَّلاث الأُخرَى المُقاطِعة (بكَسر الطَّاء) لدَولَة قطر، أي السعوديّة والإمارات والبحرين.

مِن المُؤكَّد أنّ هَذهِ الخِلافات ستَنعَكِس بصُورةٍ أو بأُخرَى، على خُطَط الرئيس ترامب بإنشاءِ حِلف “الناتو” العربي، ويَضُم دُوَل الخليج السِّت إلى جانِب الأُردن ومِصر، وسيتم تدشينه في اجتماعٍ خاص يُعقَد في مطلع العام الميلادي القادم في واشنطن، ومعلوماتنا تُفيد بأنّ الدُّوَل الثَّلاث (الكويت، قطر، وسلطنة عمان)، غير مُتَحَمِّسة لهَذهِ المَنظومة التي ستَقِف في الخَندق الأمريكيّ ضِد إيران.

الكُويت بَدأت التَّغريد خارِج السِّرب السُّعوديّ في الوَقتِ الرَّاهِن على الأقَل، وربّما تكون وساطَتها لحَل الأزَمَة الخليجيّة وصلت إلى طَريقٍ مَسدودٍ، إن لم تَكُن، انتَهَت فِعْلًا.. والأيّام المُقبِلة ستَكْشِف الكَثير مِن المُفاجَآت.. واللهُ أعْلَم.