عن صوت صُراخ خاشقجي ومشاهد مُصَوَّرة للمُحقِّقين السُّعوديين وأُسلوب تعذيبه وقتله.. ماذا بعد؟

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 2243
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

خالد الجيوسي

 لا يَستطيع أيّ كاتب صحافي أن يَتوقَّف عن مُتابَعة تَطَوُّرات ما حَلَّ بالزميل الكاتب الصحافي السعودي جمال خاشقجي، ليس لأنه “الحدث” الأوّل المُتصدِّر المُريب الذي يدعو للذُّهول، والذُّعر، بل لأنّ هذه المهنة “مهنة المخاطر” غير أنّها تحمل ضُغوطاً نفسيّة على صاحِبها، وصلت إلى خط اللارجعة في مُواصَلة طريقها المُتحدِّي ضِد الظّلمة من عدمه، فقَتَلَة خاشقجي لا بُد أن ينالوا عقابهم، وإلا سنَشعُر نحن أصحاب القلم على اختلافِ توجّهاتنا، أنّنا في مهب رياح التَّهديد، ومُصادرة الرأي، وحتى التصفية على طريقة أفلام الرُّعب التي كُنّا نعتقد أنّها مُجرّد “أفلام” من وحي خيالٍ مَريضٍ مُضطَّرب.

 حتى كِتابة هذه السُّطور، يبدو المُرجّح أنّ خاشقجي قد قُتِل، والآمال للأسف تبدو في طريقها إلى شوارع الإحباط، والأحزان، ويبدو أنّ المُتورّط الأساسي بالتخلُّص منه، هي الدولة السعوديّة وعلى أعلى المُستويات، فالأدلّة التي ترد تِباعاً، تُثبت رويداً رويداً أنّها هي المَسؤولة الأولى، وكُل الفرضيّات التي يُروّج لها بتورّط دولة ثالثة كإيران، وقطر، يبدو أنها ستبقى في أدراج هذا الإعلام السعودي، الذي لا يستمع أو لا يُصدّقه أحد بالأحرى، فما هي مصلحة أي دولة بتصفية كاتب سعودي “مُسالم”، يقوم لوحده بانتقاد سياسة خصمها السعودي، سواء كانت إيران أو قطر.

 لم تُثبت العربيّة السعوديّة حتى كتابة هذه السُّطور، خُروج خاشقجي من سفارتها، بل ولتزيد الطِّين بلّة، ادّعت أنّ كاميرات سفارتها لا تعمل، ولا تُسجّل، وهو أمر لا يُمكن أن يُصدّقه عاقل، فكيف بمبنى يعود للسفارة السعوديّة، لا يَملُك كاميرات حديثة تُصوّر “دبّة النمل”.

 ولنَفتَرِض جدلاً، أنّ هذا الكلام السعودي صحيح، الرئيس التركي رجب طيب أردوغان نفسه وخلال عودته من المجر على متن الطائرة الرئاسيّة، قال أنّ قنصليّة السعوديّة لديها أحدث أنظمة الكاميرات، التي تلتقط أي عصفور أو ذُبابة تمر من هناك، وهذا أمر طبيعي لا يُمكن إنكاره ومُناقشته، فالمذكورة أي المملكة تبرع في شراء كُل الأنظمة الحديثة، لكن وللمُفارقة، إمّا أن تتعطّل تلك الكاميرات عند الحاجة إليها، أو تُصيب (أسلحة) هدفاً بريئاً في اليمن!

 وبينما تُصر السعوديّة على لسان أبرز مُسؤوليها، من وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وشقيقه السفير في واشنطن الذي عاد إلى الرياض، وعليه فيما يبدو أن يعود بمعلومات إلى عاصمة أمريكا حول خاشقجي، كما أشارت وزارة الخارجيّة الأمريكيّة، كان لافِتاً كيف حوّل بعض المُستشارين لولاية العهد، مسألة اختفاء جمال خاشقجي، إلى حكاية هزليّة، أو تحديداً حكاية كرتونيّة.

 فما إن عرضت وسائل إعلام تركيّة صور الفريق الأمني السعودي المُكوّن من (15) رجلاً، وأحدهم طبيب خبير في التشريح، وآخر من الحرس الشخصي للأمير بن سلمان، وهو الفريق الذي يُفتَرض أنه المسؤول عن تنفيذ عمليّة التعذيب والقتل، حتى وصف أحد المُستشارين البارزين للأمير بن سلمان ساخِراً الأمر بجملة مسلسل كرتوني شهير تقول: “خمسة عشر رَجُلاً قُتلوا من أجل صندوق”، وهو رقم أعضاء الفريق الذي نفّذ العمليّة.

 الشُّبهات التي تحوم حول مكان تنفيذ الجريمة (السفارة)، كثيرة، فبعض شُهود العيان الأتراك المُتواجدين بالقُرب منها ساعة دخول خاشقجي، قالوا أنهم سمعوا أصوات استغاثة، وصُراخ، ثم حل الصمت في المكان، القُنصل السعودي محمد العتيبي المُرتبك خلال مُقابلته مع وكالة رويترز حين سمح الوكالة التجوّل في السفارة، ثم ألغى جميع مواعيده حسب تقرير الكاتب البريطاني ديفيد هيرست في موقع ميدل إيست آي، ومُتواجد في منزله بعد الجريمة بثلاثة أيّام لم يُغادره، هذا عدا عن إعطاء إجازة للمُوظّفين على غير العادة بعد استراحة الغداء، والقول بأنّ القنصل سيكون في اجتماع طارئ طِوال اليوم، ووصول الفريق الأمني ذاته الذي رصدته كاميرات المُراقبة (15) رجل إلى مبنى السفارة.

 أمام كُل هذا التورّط السعودي، والحاجة إلى التعقّل والتصرّف الدبلوماسي، وبالنّظر إلى نفي السعوديّة حتى كتابة هذه السُّطور مسؤوليتها عن الحادثة، وتأكيد خُروج خاشقجي من السفارة بعد 20 دقيقة لكن دون دليل ملموس، ظهرت على مواقع التواصل الاجتماعي السعودي، حملات مُنظّمة لمُقاطعة للسياحة التركيّة، وحملات تُهاجم الرئيس أردوغان، وحملات تدعو للدِّفاع عن الوطن المُستهدف، وهذه الحملات الافتراضيّة التي عهدناها من الجُيوش الإلكترونيّة، ربّما تُدين المملكة، أكثر ما تُبرِّءها، فخاشجقي لم يختفِ في أحد مباني الأمن التابعة للسلطات التركيّة، كما أنّ مُساومة تركيا ببدء مُهاجمة سياحتها، والإضرار بليرتها، يُؤكِّد التهمة على المتّهم فيها، والواثق من براءته لا يَدخُل في مُساوَمات.

 لا نعلم حقيقةً، إلى أي حد يُمكن للسُّلطات التركيّة أن تذهب بعيداً في الثأر لروح الصحافي خاشقجي، فبعد صحيفة نيوورك تايمز وحديث التقطيع ومنشار العظم، ها هي صحيفة خاشقجي الواشنطن بوست التي كان يكتب فيها مقال الرأي، نقلت عن مسؤولين أميركيين، وأتراك، أنّ السلطات التركيّة لديها التسجيلات الصوتيّة، والمُصوّرة التي تُظهِر صوت كُل من صُراخ جمال خاشقجي، والمُحقّقين السعوديين، وأسلوب تعذيبه، وقتله، السُّؤال المطروح متى تخرج هذه التسجيلات إلى العلن إن توفّرت، ولماذا تطول التحقيقات، إذا كان دليل الإدانة جاهِزاً، هل من مفاعيل السياسة والمُساومة فيها نصيب؟

 في الخِتام، لم نَجِد أكثر صِدقاً وعفويّة في مشاهد التضامن العربيّة والعالميّة مع الزميل خاشقجي، حين انهارت مُحرّرة مقالات الرأي في صحيفة الواشنطن بوست كارين عطية بالبُكاء، خلال حديثها عن اختفائه، وتمنّت عودته، وأن يكون بخير، لكنّها في الوقت نفسه قالت إن لم يعد فشكرًا له على كُل ما فعله، وهي كما أكّدت لن تجعل هذا يَمُر مُرور الكِرام، ولن تنسى ما جرى له أبداً، ربّما ليس هُناك أصدق من دُموع كارين العفويّة المُتضامنة، لكن ماذا عن لا مُبالاة رئيس بلاد هذه المُحرّرة دونالد ترامب، وهو يتحدّث عن خاشقجي، لعلّه سيَمُر في عالمنا، لكن عند ربّ خاشقجي الحِسابُ العَظيم.

 كاتب وصحافي فلسطيني