ماذا يُفهم من استهداف خاشقجي؟

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 3563
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

ماجد محمد الأنصاري

  تضاربت الأنباء حول ما حدث للإعلامي السعودي ذي الشهرة العالمية جمال خاشقجي. فالمدير العام السابق لقناة العرب الإخبارية التي سارعتها المنية فور بثها ورئيس تحرير الوطن السعودية لسنوات، كان شخصية جدلية بتوازنه.

جمال لم يكن "حكوميا" مطلقا ولا معارضا صريحا، كان صاحب رأي يطرحه بتحفظ وكياسة، استطاع جمال أن يحافظ على هذا الموقف المتوازن منذ بداياته الصحفية في ثمانينيات القرن الماضي حتى مطلع العهد الحالي. 

لكن صانع القرار السعودي اليوم أصبح يضيق لا بالمعارض فحسب،  بل بالصامت وحتى بالمؤيد غير المتحمس، فإما أن تكون خلف النظام تهتف باسمه وإن جلد ظهرك وسرق مالك وانتهك فكرك وإلا فأنت عدو له وفي مرمى نيرانه.

كان لجمال نصيب من الحوارات الساخنة في بلاده في تسعينيات القرن الماضي بين الإسلاميين والليبراليين، لكنه وبشهادة من عاصروه كان نبيلا في الاختلاف عادلا فيه.

وحينما اندفعت بلاده نحو دعم الثورات المضادة وكبح جماح الربيع العربي كان لجمال رأي مخالف ناصحا قومه بأن يتعظوا من التاريخ، وألا يصادموا رغبات الشعوب.

وما أن كشر النظام الجديد عن أنيابه خرج جمال من بلاده إلى منفاه الاختياري، متنقلا بين الولايات المتحدة وغيرها من الدول التي يتسع فيها المجال للرأي الحر دون أن يستغل ذلك في التشهير ببلده أو الانتقام من قيادتها.

وأخيرا دفعه حسن ظنه على ما يبدو إلى خطوات ربما كانت الأخيرة إلى قنصلية بلده في إسطنبول لاستخراج أوراق تسمح له ببداية جديدة بعد أن حال النظام بينه وبين أهله، حتى وقت كتابة هذا المقال لم يحسم الأمر بعد.

لكن التأكيدات تتزايد بأن جمال راح ضحية الكلمة التي قالها ومضى كما نقش على صفحته في موقع التغريد يوما.

استهداف خاشقجي بهذا الشكل أيا كانت نتائجه له دلالات مهمة حول سلوك الرياض في التعامل مع الواقع الجديد.

بعد اختفاء جمال بيوم واحد خرج ولي العهد السعودي ليقول إن اعتقالات بلاده للمعارضين ما هي إلا محاربة للفساد والعمالة لإيران وقطر، ومضى في محاولة واضحة لاستباق ردود الأفعال لاختفاء خاشقجي القسري في محاولة لترسيخ صورته كمصلح في السعودية مغنيا على وتر الليبرالية التي يحبها الغرب.

لكن ما ان ظهرت الأنباء حتى خرج العديد من مناصري خاشقجي في الولايات المتحدة وغيرها من كبار الإعلاميين والسياسيين بحثا عن زميلهم، ومازالت المطالبات مستمرة بالكشف عن مصيره.

المشكلة هي أن الرياض لا تأبه كثيرا بذلك ، فصانع القرار هناك لا يهمه إلا رأي ساكن البيت الأبيض والذي سينتهي به الأمر بتعبير عن القلق أو مطالبة ناعمة بالشفافية، وبالتالي فالرياض ماضية في صناعة أمثلة من معارضيها.

في الداخل أحكام الإعدام تتلاحق لشخصيات ليس لها أدوار معارضة مباشرة، وفي الخارج استهداف لكل من تسول له نفسه توجيه نقد ولو كان  ناعما للنظام، والهدف كما هو دائما للأنظمة القمعية هو تخويف البقية، ولدينا من التجارب ما يكفي لنتيقن من أن هذا الأسلوب يصنع المعارضين لا الموالين.

الأنظمة القمعية بشكل عام تقع في ذات الأخطاء، استهداف المعارضين، الفشل في تبرير هذا الاستهداف أو التنصل من المسؤولية ثم التعامل بعنجهية مصطنعة مع ردود الأفعال.

مع الأسف لا تدفع الأنظمة دائما ثمنا حقيقيا لمثل هذه الممارسات، استطاعت أنظمة مارست القمع ببشاعة واستهدفت معارضيها في الخارج بكل صفاقة من الإفلات من أي عقاب يذكر.

لكن مما لا شك فيه هو أن هذه الأنظمة تفشل على الدوام في تبييض صورتها أمام الرأي العام الدولي وهذا ما سيحدث مع الرياض.

فخاشقجي له حضور قوي في الإعلام الغربي وفي دوائر مراكز الأبحاث والفكر هناك وردة الفعل على تغييبه بهذا الشكل لن تكون هادئة في تلك الأوساط، وكل محاولات الرياض تسويق بن سلمان مصلحا سيكبح جماح المتطرفين ستبوء بالفشل.

وكان يسع الرياض ترك خاشقجي والناشطين الحقوقيين في حالهم والتركيز على أولئك الذين لا يهم أي أحد في الغرب مصيرهم.

لكن السلطة المطلقة مع قلة الخبرة والتهور أعمتهم حتى عن تحقيق مصالحهم المباشرة ليدفعوا بأصابعهم نحو أعينهم دون إكتراث.

  • د. ماجد محمد الأنصاري - أستاذ الاجتماع السياسي بجامعة قطر
المصدر | الشرق القطرية