سَبعُ نِقاطٍ جَوهريّةٍ ورَدَت في خِطابِ ترامب في الجَمعيّةِ العامّة حول الشرق الأوسط تَقرَعُ طُبولَ الحَرب..

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 2601
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

لماذا جَرى استبعاد المغرب “المَلكيّ” مِن “الناتو” الذي أعلَنَ تأسيسه؟ ولماذا بَرَّأ قطر مِن تُهمَة الإرهاب جَنبًا إلى جنب مع السعوديّة والإمارات؟ وكيف رَبَطَ الحل في سورية بخُروجِ إيران مِنها؟
عبد الباري عطوان
 الضَّحِكَات العالِية الصَّاخِبَة التي عَمَّت قاعَة الجمعيّة العامّة للأُمم المتحدة صَباح اليوم عِندما بَدَأ الرئيس دونالد ترامب بإلقاء خِطابِه، والفَقرة الافتتاحيّة فيه التي تَحدَّثت فيها عن إنجازاتِه الاقتصاديّة وحِرصِه على الإنسانيّة ورَخاء العالم واستقرارِه، تُلَخِّص وِجْهَة نَظَر مُعظَم دُوَل العالم تُجاه سِياسات إدارته التي تَقُود العالم إلى حافَّةِ الفَوضى والحُروب المُدَمِّرة.
الخِطاب يُمكِن تقسيمِه إلى قِسمَين رئيسيّين: الأوّل مُوجَّه إلى الشَّعبِ الأمريكيّ مِن على مِنبَر الأُمم المتحدة الدولي لكَسب أصواتِه لصالح الحِزب الجمهوري في الانتخابات النصفيّة الأمريكيّة أوائِل شَهر تشرين الثاني (نوفمبر) المُقبِل، حيث حرص على الحَديث عن انخفاض مُعَدَّلات البِطالة إلى النِّصف، وتَحقيقِ ازدهارٍ اقتصاديّ، وزِيادَة القُدرات الدفاعيّة والهُجوميّة للجَيش الأمريكيّ، أمّا القِسم الثاني فكان بمَثابَة إعلان حرب على مُعظَم دُوَل العالم، حرب اقتصاديّة على الصِّين وأوروبا وروسيا، وحَرب على مُنظَّمات الأُمم المتحدة مِثل محكمة الجِنايات الدوليّة ومجلس حُقوق الإنسان، وحَرب على إيران، وأخيرًا الحرب على مُنظَّمة “أوبِك” التي هَدَّدَها بعَظائِم الأُمور إذا لم تُخَفِّض أسعار النِّفط.
الرئيس ترامب هاجَمَ الجميع تقريبًا، ولم يَمتَدِح غير أصدقائِه، أو بالأحرى أتباعِه في العالم، وخاصَّةً إسرائيل وبعض الدُّوَل العربيّة، وتَعَهَّد بعدم تقديم أيِّ مُساعداتٍ ماليّةٍ إلا للدُّوَل التي تُؤيِّد بلاده وسِياساتِها، مُدَشِّنًا مَرحَلةَ استقطابٍ سِياسيٍّ وعَسكريٍّ غيرُ مَسبوقَةٍ مُنذ انتهاءِ الحربِ البارِدَة.
***
لنَتْرُك القَضايا الدوليّة والمحليّة ومَواقِف ترامب تُجاهَها، ونُرَكِّز على ما وَرَدَ في خِطابِه مِن نِقاطٍ عَن مِنطَقة الشرق الأوسط، ونُوجِز أهمّها كالتَّالي:
ـ أوّلاً: إقامَة تحالف استراتيجي يَضُم دُوَل الخليج السِّت إلى جانِب مِصر والأُردن للتَّصَدِّي لإيران، أو أي خطر يُهَدِّد المصالح الأمريكيّة في مِنطَقة “الشرق الأوسط”، أي حِلف “بغداد جديد” بطابِعَين سِياسيٍّ وعَسكريٍّ، ولُوحِظ أنّ المغرب غير مَدعُوَّةٍ للانضمام إلى هذا التَّحالُف، حَيثُ لم يَرِد ذِكرها في فَقَرَة الخِطاب المُتَعلِّقة بهذا التَّحالُف، ولأسبابٍ ما زالت مَجهولةً رُغمَ قطعها للعلاقات مع إيران وإنهاءِ أي تعاطِي مَعَها.
ـ ثانِيًا: أشادَ بثلاث دُوَل خليجيّة هي السعوديّة والإمارات العربيّة المتحدة وقَطر، لدَورِها الكبير في مُكافَحة الإرهاب، وهَذهِ الإشادة سيَكون لها وقع “الصَّدمة” على السعوديّة والإمارات، لأنّها بَرّأت قطر مِن تُهْمَة دعم الإرهاب، ووضَعتها في قائِمَة الدُّوَل المُكافِحة له.
ـ ثالثًا: ركَّز جُزء كبير مِن خِطابِه على إبران التي اتَّهمها بنَشرِ الفَوضى والعُنف وإنفاق المِليارات لخَلق الحُروب في مِنطَقة الشرق الأوسط، لتَوسيع دائِرة نُفوذِها، وقال أنّ قُوّتها العسكريّة زادَت بنسبة 40 بالمِئة في العامَين اللذين رفع فيها الحِصار بسبب الاتفاق النووي، وأكَّد أنّه سيَفرِض عُقوباتً جَديدةً قاسِيةً ضِدّها.
ـ رابِعًا: هَدَّدَ بإعلانِ الحَرب على سورية في حال استخدام جيشها لأسلحةٍ كيماويّةٍ وربط بين الحَل النِّهائيّ والأمن والاستقرار فيها وبالقَضاء كُلِّيًّا على الوجود العَسكريّ الإيرانيّ على أرْضِها.
ـ خامِسًا: جَدَّد تهديداته لمُنظَّمة “أوبك” وحَمَّلها مسؤوليّة زِيادَة الأسعار، وشَدَّد على ضَرورَة القِيام بدَورٍ كَبيرٍ لخَفْضِها لِما يُمكِن أن تُلحِقُه مِن أضرارٍ بالغةٍ بالاقتصاد الأمريكيّ، وأكَّد أنّه لن يتسامَح بأيِّ زِيادَةٍ للأسعار، غامِزًا من قناة الدول العربيّة المُنتِجة الرئيسيّة مِثل الكويت والسعوديّة والإمارات والجزائر تحديدًا.
ـ سادِسًا: إعلانه الحَرب على المُنظَّمات الدوليّة مِثل محكمة الجِنايات الدوليّة، والمجلس العالميّ لحُقوق الإنسان ومُنظَّمة اليونسكو، يأتِي بسبب مَواقِف هَذهِ الدُّوَل الرَّافِضة للانتهاكات الإسرائيليّة، واتِّهامِها لإسرائيل بارتكابِ جرائِم حرب في فِلسطين المُحتَلَّة وجَنوب لبنان.
ـ سابِعًا: يَعتبِر ترامب أنٍ نَقله للسِّفارة الأمريكيّة مِن تل أبيب إلى القدس المحتلة دَعْمًا للسَّلام بين العَرب ودُوَل الاحتلال الإسرائيليّ، ولم يَتَطرَّق مُطلقًا بأيِّ كَلمَةٍ لصالِح حَل الدَّولتين، أو وحُقوق الشَّعب الفِلسطينيّ، في تَبَنٍّ كامِلٍ لوِجهَة النَّظر الإسرائيليّة.
***
نَعتَرِف بأنّنا لم نُفاجَأ بهذا الخِطاب العَدائيّ للرئيس ترامب تُجاه العَرب الشُّرفاء وقضاياهم العادِلة، ومُخطَّطاتِه لابتزاز دُوَل الخليج واستغلالِ الأوضاع الاقتصاديّة المصريّة والأُردنيّة الحَرِجة لتَشكيلِ تَحالُفٍ عربيٍّ طائِفيٍّ لخَوضِ حُروب أمريكا وإسرائيل في المِنطَقة، وضِد إيران خاصَّةً، فقَبل يومين من هذا الخِطاب نشر تغريدةً على “التويتر” “تُعايِر” هَذهِ الدُّوَل بأنٍها مَدينةٌ لبِلادِه في حِمايَتِها، وأنُها لا تستطيع البَقاء أُسبوعًا واحِدًا دُونَ الحِمايةِ الأمريكيّة.
الابتزازُ الأمريكيّ، وعلى ضُوءِ ما وَرَد في هذا الخِطاب، سيَستَمِر ويتَصاعَد في أشكالٍ مُتَعدِّدةٍ، سواء على شكل فرض شِراء المزيد من صَفَقات الأسلحة الأمريكيّة، أو تأييد التَّطبيقات العمليّة الأوَّليّة لصَفقة القرن، والأُخرَى القادِمَة، والالتزام المُطلَق في تَطبيقِ الحِصار الأمريكيّ على إيران وتَحَمُّل النتائج الكارثيّة الاقتصاديّة والأمنيّة التي يُمكِن أن تَترتَّب على ذَلِك.
أخيرًا نَجِد لِزامًا علينا التَّذكير أنُ مُطالَبة ترامب للدُّوَل الخليجيّة تحديدًا بِلَعب دَورٍ مِن أجلِ تخفيض أسعار النِّفط، يعني تقليص حَجم عوائِدها التي تبدو شُعوبها في أمَسِّ الحاجَةِ إليها في ظِل سِياسات التَّقشُّف والغَلاء، والضرائب، ورفع الدَّعم، وزِيادَة الرسوم لسَد العجز في ميزانيات حُكوماتِها.
ترامب جعل بِلاده أكثَر دولةً مَكروهةً في العالم، وهذا يَنطبِق أيضًا على حُلفائِها بصُورةٍ أو بأُخرى، وقد يَجُرها إلى حُروبٍ اقتصاديّةٍ وعَسكريّة تَقودها إلى مُواجَهةِ العالم بأسْرِه الذي بدأت دوله تتكتَّل ضِدّها، وهَذهِ الوَصفة السحريّة المُجرَّبة للدَّمارِ والإفلاس.. إنّه خِطابُ شخص مُتَهَوِّر غبيّ، وعُنصريّ يقرع طُبولَ الحرب، ويُوحِّد مُعظَم دُوَل العالم ضِدَّه وبلاده، وهذا لا يُفيد الكَثيرين، بل رُبّما يُسعِدهم، خاصَّةً الذين اكتدوا بنارِ العُنصريّة والظُّلم الأمريكيّين.