تغريدة ترامب حولَ إدلب.. والحُشودات البَحريّة الأمريكيّة والروسيّة غَير المَسبوقة تُرَجِّح احتمالات الحَرب..

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 2945
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

وهَل تَقِف إسرائيل والسعوديّة خلف هذا التَّصعيد الأمريكيّ المُفاجِئ لمَنع أيِّ انتصارٍ سوريٍّ إيرانيّ؟ ولماذا نَعتقِد أنّ الأيّام الأربعة المُقبِلة سَتكون حاسِمَةً سِلمًا أو حَربًا؟
عبد الباري عطوان
 الوضع التراجيديّ السوريّ يَقترِب من مَحطَّتهِ النهائيّة في إدلب، سِلمًا او حربًا، حيثُ تَستعِد قُوّات الجيش العربيّ السوريّ، مَدعومةً على الأرض بقُوّاتٍ إيرانيّة وأُخرى تابِعة لـ”حزب الله”، وفِي الجَو بطائراتٍ روسيّة، وأكثَر من 25 سفينة حربيّة روسيّة إلى جانِب غوّاصتين في البحر المتوسط، تَحسُّبًا لأيِّ تَدخُّلٍ أمريكيٍّ عَسكريّ لمَنع استعادَة المدينة التي تُعتَبر آخِر معاقِل “هيئة تحرير الشام” (النصرة) والجَماعات السلفيّة الأُخرى، إلى سِيادة الدولة السوريّة مُجدَّدًا بعد غِياب دامَ أكثَر من سَبعِ سنوات.
الحُشودات البَحريّة الأمريكيّة والروسيّة، سَواء قُبالَة السواحل السوريّة شَرق المُتوسِّط، أو في مِياه الخليج العَربيّ (حيث حُلفاء أمريكا) تُوحِي بأنّ القُوَّتين العُظميين تَستَعدَّان لمُواجهةٍ عسكريّةٍ إقليميّةٍ أو عالميّة، إذا لم يتم التَّوصُّل إلى تسوية، أو حاوَلت إدارة ترامب الوقوف في طريق “تحرير” المَدينة (إدلب).
المُناورات البحريّة العسكريّة التي أجرَتها القيادة الروسيّة شَرق المُتوسط، وبمُشاركةٍ صينيّة هي الأضخَم من نَوعِها مُنذ 40 عامًا، ممّا يعني أنّ احتمالات الصِّدام مع الولايات المتحدة وارِد، وأنّ القِيادة الروسيّة أجرَت حِساباتِها جيّدًا، ولن تُضحِّي بإنجازِها الأكبَر في سورية.
***
تغريدة الرئيس دونالد ترامب التي نَشَرها على حِسابِه على “التويتر” وقال فيها “على الرئيس الأسد أن لا يُهاجِم إدلب، وسَيرتكِب الرُّوس والإيرانيّون خَطأً إنسانيًّا جسيمًا إذا ما شارَكوا في هَذهِ المأساة الإنسانيّة التي يُمكِن أن تُؤدِّي إلى مَقتَل مِئات الأُلوف”، هَذهِ التَّغريدة رجَّحت احتمالات الحَرب، خاصَّةً أنّ الرَّد الروسيّ عليها جاءَ على لِسان ديمتري بيسكوف، الناطق باسم الرئيس بوتين، جاءَ رافِضًا بقُوّةٍ لهَذهِ التَّحذيرات، مُؤكِّدًا “أنّ وجود مسلحين في إدلب يُقَوِّض عمليّة السَّلام في سورية، ويَجعَل من المدينة قاعِدةً لشَن هَجماتٍ على القُوّات الروسيّة في قاعدتيّ حميميم (الجويّة) وطرطوس (البحريّة)، وهَذهِ إشارة إلى تَزايُد الهَجَمات سواء بالطائرات المُسيَّرة، أو بالصَّواريخ على هَذهِ القَواعِد في الأسابيع الأخيرة.
الرئيس ترامب لم يُوجِّه مِثل هَذهِ التَّحذيرات أثناء هُجوم الجيش السوري لاستعادَة الغوطة أو درعا، والتزمت إدارته بسِياسَة “صَمت المُوافِق”، فلماذا كَسَر الرئيس الأمريكي هَذهِ القاعِدة فَجأةً، وحَرَّك أساطيله باتِّجاه المِياه السوريّة؟ وهدَّد برَدٍّ كاسِح إذا جرى استخدام أسلحةٍ كيماويّةٍ يُؤكِّد الروس أنّه غَير وارِد على الإطلاق؟
الإجابة جاءَت على لسان خبيرين استراتيجيين أحدهما أمريكيّ، والثاني بريطانيّ، شارَكت معهما في برنامج Cross Talk، على قناة “روسيا اليوم” اليوم (الثلاثاء)، التي تَبُث باللغة الإنكليزيّة، وقالا بالحَرف الواحد، أنّ إسرائيل والسعوديّة هُما اللَّتان حرَّضتا ترامب على اتِّخاذ هذا المَوقِف الصُّقوري التَّصعيديّ، لأنّهما لا يُريدان للحِلف الروسي الإيراني السوري أن يَنتصِر، وأن تُحقِّق روسيا أهدافها في سورية، وأبرزها عودة اللاجئين، ووضع هيكل ديمقراطيّ توافقيّ جَديدٍ للدولة السوريّة على أرضيّة مُصالَحة تُكرِّس أمنها واستقرارها.
إسرائيل فَشِلت في إنهاءِ الوُجود الإيرانيّ في سورية من خِلال الضُّغوط على موسكو للقِيام بهذا الدَّور، أو مِن خلال غاراتها الجويّة والصاروخيّة على أهدافٍ عسكريّة وإيرانيّة داخِلها، ونَعتقِد أنّ الهُجوم الأمريكيّ على أرضيّة الأزمة في إدلب هو الفُرصَة الأخيرة، ولا نَستبعِد أن يكون اتِّفاقًا جرى التَّوصُّل إليه بهذا الخُصوص، أثناء زيارة جون بولتون، مُستشار الأمن القومي الأمريكي، وأشرس حُلفاء إسرائيل للقدس المحتلة ولقائه مع نظيره الإسرائيلي إلى جانب نِتنياهو ومَجموعة من الجِنرالات في الأُسبوع الماضي.
ما يُعَزِّز هَذهِ الفرضيّة، تهديدات إفيغدور ليبرمان، وزير الحرب الإسرائيلي، الذي أطلقها أمس، بعد تَسرُّب أنباء زيارة أمير حاتمي، وزير الدفاع الإيراني، إلى دِمشق قبل بِضعة أيّام، ولقائِه مع الرئيس بشار الأسد، وقِيامه بجولة استعراضيّة في حلب، وتوقيعه اتِّفاق مع الحُكومة السوريّة يُشرعِن الوجود العسكري الإيراني، فقد استشاط ليبرمان غَضَبًا، وأكَّد أنّ غاراته على أهدافٍ إيرانيّة لن تَقتصِر على سورية، وإنّما قد تَمتد إلى مَناطِق أُخرى مِثل العِراق، ولعلَّ الغارات الصاروخيّة الإسرائيليّة التي استهدَفت أهدافًا إيرانيّة في مدينة حماة وطرطوس، وقَبلها مطار المزّة، أحَد مَظاهِر هذا القَلق الإسرائيليّ.
الرئيس ترامب مُطمَئنٌ إلى أمْرٍ واحِد، وهو أنّه في حالِ نشوب مُواجهةٍ مع روسيا في إدلب فإنّ المملكة العربيّة السعوديّة ودول خليجيّة أُخرى من بينها دولة الإمارات، ستتولَّى تغطية مُعظَم النَّفَقات، إن لم يَكُن كلها، ولا نَستبعِد أن تتصدَّر هَذهِ المَسألة مُباحثات الشيخ صباح الأحمد، أمير الكويت، مع الرئيس الأمريكي أثناء لقائِهما في البيت الأبيض غدًا الأربعاء إلى جانِب الأزَمَة الخليجيّة طَبعًا.
الأيّام الأربعة المُقبِلة قد تكون هي الأخطَر في هذا الملف، أي إدلب وحواشيها، وإذا لم تنجح الجُهود المَحمومة المَبذولة حاليًّا في التَّوصُّل إلى حلٍّ سياسيٍّ مَقبولٍ مِن جميع الأطراف، فإنّ الحَل العَسكريّ يُصبِح حتميًّا، وقد يَتطوَّر إلى حَربٍ إقليميّةٍ أو عالميّة.
نقول ذلك لأنّ القمّة الثلاثيّة الروسيّة التركيّة الإيرانيّة التي ستُعقَد في طِهران يوم الجمعة المُقبَل قد تتحوَّل إلى قمّة حَرب إذا تَعذَّر السَّلام، وهُناك مُؤشِّرات كثيرة تُرَجِّح بِدء الهُجوم السوري الكاسِح يوم السَّبت المُوافِق الثامن من أيلول (سبتمبر).
***
تركيا تَخشى من تَدَفُّقِ مِليونيّ لاجِيء من إدلب، ومن بينهم مُسلَّحون وأعضاء في النصرة، إلى حُدودها طَلبًا للنَّجاة، مِثلما تَخشَى القضاء على الفَصائِل السوريّة (التركستانيّة) وغير السوريّة التَّابِعةِ لها، في أيِّ قَصفٍ روسيٍّ سوريٍّ للمَدينة، ولكن تَصنيفَها المُتأخِّر (قبل أُسبوع) لهيئة تحرير الشام (النصرة) كمُنظَّمةٍ إرهابيّةٍ يُوحِي بأنّها مع تصفِيَتها أوّلاً، واحتمالات توصُّلها إلى تفاهُماتٍ سياسيّةٍ وعسكريّةٍ، مع الرُّوس والإيرانيين في المدينة (إدلب) ثانيًا، يُوحِي بأنّ تأييدها للهُجوم على إدلب شِبْهُ مضمون.
السُّلطات السوريّة حازِمَةٌ في مَوقِفها من استعادة إدلب آخِر المَناطِق الهامّة الخارِجة عن سيطرتها مهما كان الثَّمن، ويُجادِل المُتحَدِّثون باسمِها بالسُّخرِية من حديث ترامب عن مأساةٍ إنسانيّة، بالقَول أنّ ترامب دَمَّر الموصل والرقّة بالكامِل فوق رؤوس أهاليهما للقَضاء على “الدولة الإسلاميّة” (داعش)، ولم يسمحوا بخُروجِ مُقاتِلٍ واحِد حيًّا، وسلفه جورج بوش قتل مِليونين من أبناء العِراق، سواء تحت الحِصار أو بالقَصف الجويّ، أي أنّه آخِر إنسان يَحِق له التَّحذير من كارِثةٍ إنسانيّةٍ، مِثلَما قال مَسؤولٌ سُوريٌّ كبيرٌ لمُراسِلنا في بيروت.
نَتمنَّى حلًّا سِياسيًّا يَحول دون سَفك دِماء الأبرِياء، ويُعيد إدلب في الوَقتِ نفسه إلى حُضن الدولة السوريّة، ولكن التَّمنِّيات شَيء والواقِع شَيء آخَر مُختلِف كُلِّيًّا، ونَضَع أيدينا على قُلوبِنا، ونَتوَقَّع الأسْوَأ إنسانيًّا.
الأيّام القادِمة سَتكون حاسِمَةً جدًّا في المَلف السوريّ، وربّما مِثلَما قُلنَا سابِقًا ستُحَدِّد مَصير الشرق الأوسط بِرُمَّتِه.. والأيّام بَيْنَنَا.