الحقوقيات في السعودية يواجهن خطر الإعدام
علي آل غرّاش
ملف قضايا الحقوق والحريات في السعودية شهد تطورا كبيرا وكانت له أصداء دولية وبالخصوص بعد حملة الاعتقالات الأخيرة للنشطاء والحقوقيين من الجنسين وبالذات النساء، حيث تحول ملف اعتقال النساء إلى مادة مثيرة لوسائل الإعلام، تتصدر الأخبار العالمية وتشغل المؤسسات الحقوقية، وقضية مهمة لدى الدول التي تدعم الحريات على مستوى العالم، لدرجة أن ملف الحراك النسائي تحول إلى مادة لإثارة أزمات دولية إلى حد قطع العلاقات السياسية بين السعودية وبعض الدول كما حدث مع كندا.
لماذا كل هذه الحملات؟
يمارس العهد السعودي الجديد في ظل ما يعرف برؤية 2030 التطويرية الذي صرف مبالغ طائلة للترويج لتلك الرؤية وتسويقها عبر مؤسسات عالمية للعلاقات العامة والإعلان والدعاية، وكانت لها أصداء إعلامية في وسائل الإعلام الدولية بأن المملكة الجديدة هي دولة دون تشدد بل قائمة على الانفتاح والحداثة، يمارس على أرض الواقع، داخل المملكة ما يخالف كل ما يتم الإعلان عنه وتسويقه.
فقد شهدت البلاد بعد الإعلان عن الرؤية حملات اعتقالات واسعة ضد رجال الأعمال والشخصيات الاقتصادية، واعتقالات واسعة ضد الكتاب والمثقفين والنشطاء والحقوقيين، كما شهدت حملة غريبة في تاريخها باستهداف النساء بالاعتقال التعسفي والملاحقات والتعذيب إلى درجة التلويح بالإعدام بسبب نشاطهن الحقوقي السلمي.
لقد استطاعت المرأة في السعودية أن تؤكد وجودها وقوتها وتأثيرها، رغم سياسة السلطة التي جعلت منها إنسانا مهمشا محروما من حقوقه، وتحت سيطرة الرجل المحروم من حقوقه والمهمش في دولة لا تؤمن بالانتخابات والدستور، المرأة تتطلع لانتزاع الحقوق بأي طريقة رغم غياب حرية التعبير عن الرأي والتعددية، وغياب أي مؤسسات أو أعترف بأي أحزاب سياسية أو حقوقية أو مدنية وفي ظل نظام صارم لا رأي إلا رأي السلطة الحاكمة التي تحكم بالحديد والنار والدم.
ممنوع التعبير عن الرأي أو التظاهر أو الاحتجاج ومن يفعل ذلك فهو مجرم حسب القانون ويطبق عليه أقسى العقوبات باسم الدين. فالحراك الإصلاحي السلمي يتواصل رغم حملات الاعتقال والسجن والإعدام للعديد بسبب التعبير عن الرأي والاحتجاج السلمي.
وخسر العهد الجديد في البلاد كل ما كسبه خلال الحملات الإعلامية التي كلفته المليارات لتلميع مشروع رؤية 2030، وحرق كل المكتسبات الإعلامية التي صاحبت حملة قيادة المرأة للسيارة حيث كان اهتماما إعلاميا واسعا بالمناسبة وتحولت إلى حدث عالمي وقد تغنت به الوسائل الإعلامية الحكومية لفترة طويلة، وذلك من خلال الاعتقالات التعسفية الواسعة وبالخصوص ضد النساء الأكاديميات والحقوقيات والناشطات، حيث وجد الإعلام الغربي مادة أكثر إثارة تخالف ما تروج له السلطات السعودية من انفتاح وإعطاء المرأة حقوقها.
لقد تمكنت المرأة السعودية أن تفرض وجودها وأن تكون في طليعة اهتمام الوسائل الإعلامية الغربية والعالمية المتعطشة لرصد أخبار المملكة وبالخصوص حول النساء، كما هي عادة هذه المؤسسات التي تهتم أكثر بشؤون النساء بعد عقود من الزمن من التغييب والتهميش وغياب الحقوق والحريات، وبروز ناشطات وحقوقيات بفضل جهودهن ونشاطهن عبر وسائل إعلام التواصل الاجتماعي، وطرح قضايا حية بطريقة مميزة ومؤثرة وبسقف عالي، مما أدى إلى انزعاج النظام الرسمي.
حضور وتميز
ويعاني المجتمع السعودي من التهميش والتغييب، فالمواطن الرجل رغم أن المجتمع يقال عنه ذكوري، إلا أن حقوقه مسلوبة ولا يتمتع بأي حرية أو حصانة، فهو مغيب عن المشاركة في اتخاذ أبسط القرارات المصيرية – فتلك قرارات بيد الملك وعائلته فقط -، والنساء هن الأكثر تغييبا وتهميشا طوال العقود الماضية منذ تأسيس المملكة عام 1938.
لكن نتيجة اهتمام الإعلام الغربي بملف وقضايا الحراك النسائي ورصد نشاطهن الملفت عبر برامج التواصل فقد تحول هذا الحراك إلى قوة مخيفة للنظام في ظل تضامن العديد من المؤسسات الحقوقية والإعلامية ومؤسسات بعض الدول بملفهن وقضاياهن، ومن خلال ذلك أصبحت المرأة السعودية أكثر قوة وتأثيرا وتحظى باهتمام إعلامي عالمي وقد تجلى ذلك، في قضية المطالبة بقيادة السيارة وحرية السفر والعمل وبعد الاعتقالات الأخيرة للناشطات والحقوقيات.
ومن المعروف أن النظام السعودي نظام شمولي لا يقبل بأي رأي ينتقد سياسته وقراراته، وليس من السهل أن يتراجع عن أي قرار داخلي يتعلق بالشعب بسهولة، ولقد أرغم على السماح للمرأة بممارسة حقها الطبيعي بقيادة السيارات نتيجة الحراك النسائي والتضحيات الكبيرة كمسيرة السيدات في السادس من تشرين الثاني/نوفمبر 1990 اذ تعرضن للاعتقال وتشويه السمعة وطردهن من العمل، وتكرست هذه القضية في الإعلام العالمي وسببت حرجا شديدا للسلطة.
ومن خلال ذلك أصبحت توصف بالدولة الرجعية والمتخلفة والمتشددة، لم تنفعها حملة رؤية 2030 وصرف الأموال الطائلة ورفع شعارات الانفتاح وفتح المجال لبرامج الترفيه وفتح دور سينما، ولقد حاولت سلطات الرياض الاستفادة من قرار رفع حظر منع النساء من قيادة السيارة واستغلال وسائل الإعلام التي غطت الحدث لمدح وتمجيد السلطة، على أساس أنه جزء من رؤية 2030 في ظل تغييب الجهود والتضحيات التي قام به النشطاء والناشطات، والخروج بمظهر الدولة الحضارية والمتقدمة.
وسحب أهم قضية مثيرة من تحت بساط النشطاء والناشطات بالتحديد، حيث أن الحكومة تتوقع أنها بعد رفع الحظر قد قضت على أي سبب لوجود حراك نسائي، ولكن استمرار الحراك بطرح قضايا حقوقية جديدة أزعج السلطة جدا فغضبت وشنت حملة اعتقالات واسعة ضد الحقوقيات والناشطات.
وتصنع الحكومة الأزمات دائما، حيث أن قراراتها بمنع المرأة من القيادة هو أساس المشكلة الاجتماعية لتحرك النشطاء والناشطات للمطالبة بقيادة السيارة، وعدم وجود حرية وانتخابات في مجلس الشورى هو الذي يجعل الحقوقيين والحقوقيات يطالبون بالحرية والتعددية والانتخابات المباشرة، وقيام السلطة بالاعتقالات التعسفية هو الذي يصنع الأزمة والمشكلة، وليس المشكلة في المطالبات الاجتماعية بالحق.
سياسة الحكومة هي السبب في وجود المشاكل والأزمات الوطنية، فهي المسؤولة عن إصدار القوانين والأنظمة، عموما وقيادة المرأة للسيارة هو حق لها قد تأخر نحو 250 سنة من صناعة السيارة وقد تحقق بعد تضحيات كبيرة جدا، وهو حق بسيط جدا أمام الحقوق الأكثر والأعظم تتطلع المرأة الحصول عليها. وحتما الحراك المطلبي من قبل الرجال والنساء سيتواصل في ظل الوعي وبالخصوص لدى المرأة بالجانب الحقوقي والحريات.
واقع النشاط النسائي
شهدت السعودية منذ 2011 حراكا وحضورا مميزا من قبل الشباب حيث أن 70 في المئة فيها تقل أعماهم عن 30 سنة، وهذه أكبر شريحة عربية تستخدم برامج التواصل الاجتماعي، وقد وجد الشباب السعودي من الجنسين وبالخصوص النساء عبر برامج العالم الافتراضي مجالا واسعا وساحة مفتوحة لطرح القضايا النسائية والوطنية التي تتعلق بالحقوق والحريات في ظل غياب أي منبر أو مؤسسة مدنية على أرض الواقع داخل البلاد حيث يمنع تأسيس مؤسسات أو جمعيات أو نقابات أهلية.
واستطاعت المرأة أن تستغل التقنية الجديدة للتعبير عن آرائها والمطالبة بحقوقها بصوت مرتفع، وقيادة الحملات عبر وسائل التواصل كالمطالبة بقيادة السيارات والحريات والحقوق وعدم الاعتداء والاعتقال التعسفي. وشهد الحراك النسائي تصاعدا ملفتا ومؤثرا كانت له أصداء داخل البلاد والخارج، فقد استطاعت المرأة السعودية المهتمة بالنشاط الحقوقي والحريات أن تكون على معظم القنوات الفضائية العربية والعالمية للتحدث وتناول الملف الحقوقي والحريات في السعودية وأن تتحدث عن رؤيتها وتطلعاتها والمشاركة في المؤتمرات الدولية وأن تحصل على التقدير في العديد من دول العالم كالناشطة الحقوقية المعتقلة حاليا سمر بدوي التي تم تكريمها من قبل وزيرة الخارجية الأمريكية والغريب ان الإدارة الأمريكية لم تتحرك للدفاع عنها بعد اعتقالها.
نجاح الحراك النسائي في إدارة برامجهن المطلبية الحقوقية بسلمية بعيدا عن المسميات أو التيارات الحركية أو الحزبية سياسية أو دينية، وتحقيق نتائج قوية للحملات التي يتم طرحها عبر برامج التواصل، والمطالبة بالحقوق وتفاعل المجتمع بعمومه، أدى إلى رفع سقف المطالب عند النساء وطرح والابتكار في طرح الحملات والبرامج، والوصول إلى إثارة الرأي العام وصناعة رأي الشارع. والمميز أن الحراك النسائي شهد تفاعلا من قبل جميع الشرائح النسائية من كل الأطياف والمناطق أي ان الحراك تجاوز الحالة الطائفية والمناطقية والطبقية.
كما كان للنساء دور في المظاهرات والاحتجاجات من خلال الرصد والنشر والتصوير، والكتابة حول الفعاليات بطريقة وأسلوب مهني، هذا الحراك الجديد القوي أربك السلطة وأفراد مؤسستها الأمنية.
فمارست أولا أسلوب الترهيب من خلال اعتقال الرجال من الآباء أو الأزواج أو الأبناء وكتابة تعهد بأن لا تمارس البنت أو الزوجة الكتابة، هذا الأسلوب نجح مع الرجل حيث شهد الحراك الرجالي تراجعا بعد حملات الاعتقال والتهديد والضغوط، ولكن الحراك النسائي استمر أكثر قوة والحكومة التي كانت تتظاهر باحترام العادات والتقاليد بعدم استهداف النساء بسبب التعبير عن الرأي.
ورغم بذلها محاولات للسيطرة على الحراك النسائي السلمي، لم تتمكن من السيطرة فقامت سلطات الرياض المنزعجة من الحراك باستهداف النساء عبر حملات اعتقالات تعسفية واسعة وبذلك خلعت قناع التظاهر باحترام العادات والتقاليد الاجتماعية والدينية بعدم الاعتداء على النساء لأنه يُعتبر اعتداء على العرض والشرف.
اعتقالات تعسفية
لم تتحمل سلطات الرياض إصرار النساء على الحراك والمطالبة بالحقوق مما يعني إحراجا لها، لهذا قامت بفتح ملفات أي ناشطة عبر برامج التواصل أو الإعلام لمحاسبتها، ومن خلال ذلك اعتقلت نساء من كل المدن والمناطق والطوائف والتيارات منهن: إسراء الغمغام وهتون الفاسي ونعيمة المطرود وعزيزة اليوسف وفاطمة النصيف ولجين الهذلول وإيمان النفجان ونوف عبدالعزيز ونور المسلم ونسيمة السادة ومياء الزهراني وسمر بدوي وأمل الحربي وغيرهن، على خلفية نشاطهن الحقوقي السلمي.
اعتقالات كان لها ردود فعل في الخارج – وصمت داخل المملكة نتيجة الخوف من الاعتقال- وما زالت لغاية اليوم ردود الفعل التي تندد وتستنكر حملات الاعتقال تتواصل من قبل المؤسسات والجمعيات الحقوقية الدولية والأهلية ومن قبل الدول مثل كندا التي نددت باعتقال الناشطة نسيمة السادة وسمر بدوي زوجة المعتقل الحقوقي المحامي وليد أبو الخير منذ خمس سنوات تقريبا وشقيقة المعتقل الناشط رائف بدوي، وبسبب ذلك غضبت الرياض وقطعت علاقتها الدبلوماسية مع أوتاوا.
وطالما كانت السعودية سببا في قطع العلاقات الدبلوماسية بينها وبين العديد من الدول المؤثرة الغربية. فقد اندلعت أزمة مع لندن في بداية 1980 بسبب عرض فيلم سينمائي عنوانه «موت أميرة» على أحد القنوات البريطانية، ويتناول قصة إعدام الأميرة مشاعل حفيدة الأمير محمد بن عبد العزيز. عرض الفيلم أغضب الرياض وقامت بسحب سفيرها وطردت سفير بريطانيا وشنت حملة ضد لندن وقطعت علاقتها لأربعة أشهر تقريبا.
اعدام الحقوقيات
هناك قلق شديد من أن يؤدي غضب الرياض إلى إعدام بعض المعتقلات بسبب التعبير عن الرأي، حيث طالبت النيابة العامة مؤخرا بإعدام الناشطة الحقوقية السلمية المعتقلة إسراء الغمغام، وقدمت النيابة اتهامات ضدها تتعلق بالنشاط والحراك السياسي والمطلبي والتظاهر والتصوير وكافة الاتهامات المقدمة ضدها تتعلق بالتعبير عن الرأي، ولو أقدمت الرياض على إعدامها فستكون هذه أول عملية إعدام لامرأة بسبب التعبير.
وتم اعتقال الغمغام في 8 كانون الأول/ديسمبر 2015 بمداهمة شقتها واعتقالها مع زوجها الذي ما زال معتقلا. وهي أول امرأة تعتقل بتهمة ممارسة النشاط السياسي خلال الأعوام الخمسة الأخيرة.
ولم يعلم أحد باعتقالها إلا بعد انقضاء يومين. وفي 6 اب/أغسطس الماضي عقدت جلسة لمحاكمة الغمغام دون وجود أي محامي حيث طالبت النيابة إصدار حكم الإعدام، والجلسة الثانية ستعقد في 28/10/2018.
وقد شهدت برامج التواصل الاجتماعي حملات تندد بالمحكمة، وعبرت الجمعيات الحقوقية في العالم عن قلقها الشديد على سلامتها كما عبرت كندا عن استنكارها.
وفي الأثناء يتنامى قلق شعبي محلي وعالمي من أسلوب الرياض في معالجة الأزمات الداخلية عبر القوة، شعار العهد الجديد.
علي آل غرّاش - كاتب سعودي
المصدر | القدس العربي