النفاق الكَنَدي والغَربي عموماً في أَبْهَى صوره
أ.د. عبدالعزيز صالح بن حبتور
تناولت الصحف والقنوات التلفزيونية الإخبارية الأجنبية والعربية خلال الأسبوع السـابق بخبر عاجل بأن هناك (ضجة في صفوف الحلفاء والأصدقاء) السعوديين والكنديين تجاه ما سُمي بحقوق الإنسان وحقوق المرأة تحديداً التي ترفع رايته الدول الغربية الاستعمارية (الحرة)، والحادثة كما تناولتها وسائل الإعلام المختلفة وشبكة التواصل الاجتماعي بالذات، أن هناك تغريدة كتبتها وزيرة خارجية كندا السيدة كريستيا فريلاند، كما ظهرت أيضاً في موقع السفارة الكندية بالرياض تفيد بأن الحكومة الفيدرالية الكندية تحتج على ما تعرضت له عددٍ من الناشطات السعوديات اللاتي يتعرضن للاحتجاز غير القانونية في سجون المملكة العربية السعودية، وهذا بطبيعة الحال كما صرحت به الوزيرة بأن ذلك الاعتداء بالحجز عليهن تعد تجاوزاً وتعدياً لحقوق المرأة في السعودية وإهانة لحقوق الإنسان بالعالم.
وعلى إثر تلك الأخبار فقد قررت المملكة السعودية طرد السفير الكندي من أراضيها و أمهلته 24 ساعة فحسب لمغادرة أراضيها، وطلبت من سفيرها في العاصمة الكندية (اوتاوا) بالعودة السريعة إلى أرض المملكة السعودية، واتخذت المملكة قرارات (حاسمة) تجاه الحكومة الكندية منها قرارات ذات طبيعة اقتصادية وأخرى ذات طبيعة تعليمية وخدمية، على سبيل المثال إيقاف الطلاب والمتدربين السعوديين عن الدراسة والعودة الفورية إلى أرضهم، وتجاوزت الإجراءات حتى وصلت للمرضى السعوديين وطالبتهم بالخروج من المشافي و من الأراضي الكندية والاتجاه إلى أراضي الولايات المتحدة الأمريكية، وغيرها من الإجراءات العقابية للسلطات الكندية على موقفها.
وحينما تناولت وسائل الإعلام السعودية وأصدقائها بأن هذا هو الموقف الحازم الصارم (لخادم الحرميين الشريفين) تجاه منع الآخرين، أياً يكونوا هؤلاء الآخرين أن لا يتدخلوا مرةً أخرى في الشأن الداخلي للمملكة العربية السعودية.
بعد أن تم تداول هذا الخبر لهذه المواقف على نطاق إعلامي عالمي واسع، طلبت السلطات الكندية مؤازرة من حكومة الولايات المتحدة الأمريكية باعتبارها نظرياً (حامية الديار الحُرة) لكنها اعتذرت بلطف، وبعدها طُلب من بريطانيا (العُظمى) والإمارات العربية المتحدة التوسط لدى مملكة آل سعود ولازالت الوساطة قائمة، و أعلنت عدد من الدول الأوروبية تضامنها مع الحكومة الكندية في ورطتها مع السعودية، المهم في الأمر أن تلك التغريدتين اليتيمتين للوزيرة و للسفارة الكندية بالرياض أحدثت كل تلك (الضجة) بين الحلفاء الغربيين وحليفتها وأداتهم الرئيسية بالمنطقة العربية والإقليم عموماً.
لكن ظل موقف الحكومة الكندية ثابت ودون تصعيد إلى جانب حقوق المرأة بالسعودية، وصرحت السيدة وزيرة الخارجية الكندية بالقول بأنه مهما كان رد فعل السعودية متشنجاً وعنيفاً فإن الحكومة الكندية ملتزمة التزاما صارما بالدفاع عن (حقوق الإنسان) في كل زمان ومكان، وبالذات ما يخص الناشطات السعوديات وهن الأخت سمر بدوي، و نسيم الساده، وعدد آخر من الناشطات، باعتبار أن ذلك يعد من أهم ثوابت الحكومة الكندية (الديمقراطية) تجاه حقوق الإنسان.
إلى هنا وصلت مؤثرات وصدى (الخبرية العادية) بلهجة أهلنا في لبنان إلى مدياتها الواسعة في أرجاء الكرة الأرضيّة، لكن دعونا نفتش معاً في هذا النفاق المقزز التي اتبعته كندا (الديمقراطية الحرة) و ادَّعت بأنها منافحة قوية تجاه (الإنسان) وحقوقه، وتطلب من الملكة السعودية بالذات أن تحترم حقوق الإنسان، السؤال المنطقي هنا:
أين تعيش كندا وحكومتها الرشيدة طيلة هذه الفترة الممتدة مُنذ عقود، تجاه ما يحدث في فلسطين وشعبها المقاوم الذي يتعرض لإبادة و اجتثاث من أرضه فلسطين من قبل اليهود الصهاينة؟.
هل الحكومة الكندية لم تُشاهد ما حدث و يحدث، و ما تعرض له الشعب اللبناني في العام 2006م، والشعب العراقي في العام 2003م، والشعب السوري منذ العام 2011م، والشعب الليبي منذ العام 2011م، طيلة عقدين من الزمان و أكثر و منطقتنا العربية مُستباحة من الإدارات الأمريكية و بالمال السخي من المملكة السعودية، ألم يشاهدوا الحصار وتأثيراته المدمرة على العراق العظيم منذ العام 1991م، و الحرب العدوانية ونتائجها الكارثية والمأساوية على تلك الشّعوب؟.
هل أن السلطات الكندية غافلة ولَم تصلها أية معلومة من مُخبريها أو من الأجهزة الاستخباراتية التابعة لها أو لغيرها عن الدور المحوري للملكة السعودية في كل ما حدث ويحدث في منطقتنا العربية؟.
هل الحكومة الكندية لا تقرأ ولا تشاهد ولا تسمع في أية نشرة إخبارية من أي وسيلة إعلامية عن ما حدث ويحدث من مجازر شبه يومية بحق الشعب اليمني العَظِيم، و التي ذهب ضحيتها عشرات الآلاف من الشهداء، من الأطفال، والنساء، والشيوخ والشباب، كل تلك الجرائم التي نفذتها السعودية والإمارات، والحكومة الكندية في سُبات عميق، أيعقل كل هذا الصم ، والعَمَى (والجَهَر) من كل هذا المشهد التراجيدي؟.
آخر هذه المجازر البشعة التي ارتكبتها طيران دول العدوان السعودي والإماراتي في سوق السمك والمستشفى الجمهوري بمدينة الحديدة في تاريخ 2 أغسطس 2018م، وجريمة قتل تلاميذ المدارس ومدرسيهم في سوق شعبي لمدينة ضحيان بمحافظة صعده بتاريخ 9 أغسطس 2018م، ألم يشاهد السيد/ جاستن ترودو والسيدة/ كريستيا فريلاند كل هذه الدماء والأشلاء والمآسي؟!!!.
هنا يتساءل الرأي العام اليمني، هل الحكومة الكندية لا ترى في حقوق الإنسان سوى الاحتجاز الذي تعرضت له عددٍ من الناشطات السعوديات وهنَّ على عدد أصابع اليدين فحسب، مع أننا ندين ذلك الفعل القبيح غير الأخلاقي بأقسى العبارات والمواقف، لكن بالمقارنة مع ما يتعرض له اليمانيون الكُرماء ومنذ أربعة أعوام تقريباً من مرضٍ وقتلٍ وتشريدٍ وحصارٍ ودمار لكل مقدراته، تعد ما تعرضت له الناشطات ما هو إلا نزهةً ترفيهيةً عابره، و لا أظن حكومة كاستن ترودو تحتاج لكل هذا التلميع والزيف الإعلامي، وللتذكير فحسب بأن هذه الحكومة الكندية قد وقعت عقد لبيع ناقلات جُند عسكرية مصفحة بمبلغ يتجاوز الـ 17 مليار دولار، وهذه تعد عملياً مشاركة في عدوان السعودية على اليمن، وهي بمثابة جريمة حرب مشتركة بين السعودية وكندا تجاه الشعب اليمني.
الخلاصة:
لقد أصبح جلياً و واضحاً للرأي العام المحلي وحتى الأجنبي بأن التزلف والنفاق والكذب البواح هي سمة مميزة للدول الغربية الرأسمالية الديمقراطية (الحرة) الداعية لحماية حقوق الإنسان، وحينما تتخذ مثل هذه المواقف الرسمية والإعلامية من حكوماتهم ما هي إلا بمثابة تخدير ساحر للبسطاء في العالم أجمع و في بلدانهم على وجه الخصوص، وهو أسلوب مُتبع ومتعارف عليه بين جميع أحزابهم لرفع الشعارات الطنانة كأقوى الأسلحة بين الخصوم الحزبيين في المعارك الانتخابية السياسية في بلدانهم ليس إلا، و مساهمة في الضحك على من يصدقهم من العوام، والله اعلم منا جميعاً.
﴿ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ ﴾
– رئيس مجلس الوزراء – صنعاء – الجمهورية اليمنية