السعودية تحشد ضد كندا... والولايات المتحدة تراوِغ
في اليوم التالي لأزمتها المتصاعدة مع كندا، وكما هو دأبها عند كل اختبار تضع نفسها فيه، حشدت السعودية كل طاقاتها الداخلية والخارجية لتأييد «حربها» الدبلوماسية والتجارية على أوتاوا، على خلفية انتقادات وجّهتها الأخيرة إلى تعامل الرياض مع النشطاء الحقوقيين. وخلافاً لما كانت تأمله المملكة من تفاعل إيجابي مع خطواتها الترهيبية يتخذ أقله شكل الصمت، جاءت الردود الدولية مائلةً على نحو إلى الكنديين، من دون أن تبلغ، خصوصاً على المقلب الأميركي، حدّ توجيه تأنيب إلى السعوديين.
وجدّد مجلس الوزراء السعودي، أمس، «رفض المملكة المطلق والقاطع لموقف الحكومة الكندية السلبي والمستغرب»، مدافِعاً عن اعتقال النشطاء الذين طالبت السفارة الكندية في الرياض بإطلاق سراحهم، وداعياً إلى «احترام سيادة كل دولة وعدم التدخل في شؤونها الداخلية». وفي الاتجاه نفسه، أتى موقف «هيئة كبار العلماء» التي عدّت التصريح الكندي «تدخلاً سافراً للتأثير في نظام العدالة الجنائية»، قائلة إن الدولة «لا تقيّد تصرفات أحد أو توقفه أو تحبسه إلا بموجب أحكام النظام»، وإن «القضاء في المملكة سلطة مستقلة، ولا سلطان على القضاة في قضائهم لغير سلطان الشريعة الإسلامية». وعلى المنوال نفسه، تتابعت مواقف المنظمات الإقليمية المهيمَن عليها سعودياً، كمجلس التعاون الخليجي وجامعة الدولة العربية و«المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة» (إيسيسكو). أما على مستوى الدول، فاصطف كل من السودان والأردن إلى جانب السعودية في «ردع التدخلات المستهجنة في شؤونها الداخلية وعلاقتها بمواطنيها»، و«حقها في تنفيذ قوانينها وأنظمتها»، فيما جاء موقفا الكويت وعُمان أقلّ حماسةً، بإعرابهما عن أملهما في «تجاوز هذا الموقف بين البلدين»، وإن شدّدتا على «عدم جواز التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى». وكانت قطر، من جهتها، قد أبدت تضامنها مع كندا، مُتبرِّئةً من بيان مجلس التعاون الخليجي بهذا الخصوص.
على المقلب الغربي، اجتمع الأوروبيون والأميركيون على التشكيك في الإجراءات السعودية بحق النشطاء الحقوقيين، وكذلك الدعوة إلى تهدئة الخلاف بين «حليفَين مقرّبين»، لكنهم امتنعوا عن توجيه لوم صريح إلى الرياض. وحضّت الولايات المتحدة، على لسان الناطقة باسم وزارة خارجيتها، الحكومة السعودية على «احترام الحقوق القانونية والحريات المعترف بها دولياً والحريات الشخصية، ونشر معلومات حول قضاياها القانونية»، فيما حثّت بريطانيا الطرفين الكندي والسعودي على «ضبط النفس»، مُبديةً في الوقت نفسه «قلقها بشأن قضايا حقوق الإنسان في السعودية». وأشارت المفوضية الأوروبية، بدورها، إلى «(أننا) نريد فهم المزاعم ضد النشطاء، وضمان حصولهم على محاكمة عادلة»، مُكتفِية في تعليقها على الخلاف المستجد بالقول: «نحن نؤيد الحوار». تعليقات ومواقف يبدو أنها لا تزال تراوح في إطار «الدفاع الضعيف»، في أحسن الأحوال، عن حقوق الإنسان في السعودية، بما أن «القضايا الاستراتيجية» المشتركة مع المملكة لم يطاولها أي تغيير، بل سلكت مسار الازدهار منذ اعتلاء محمد بن سلمان سدة الحكم. ولعلّ هذه اللامبالاة، خصوصاً من الجانب الأميركي، هي التي «تشجّع السعودية على مقاومة انتقادات الآخرين»، لكونها تعلم «أن القادة في واشنطن أقل اهتماماً بالتعبير عن معارضتهم لسياساتها الداخلية، أو لأفعالها ضد دول مثل كندا»، وفق ما جاء في تقرير لمركز «ستراتفور» الاستخباري الأميركي تعليقاً على الأزمة.
ومع ذلك، تظلّ الردود الغربية، معطوفةً عليها دعوة المنظمات الدولية وفي مقدمها «أمنستي» إلى «عدم الإذعان للترهيب»، وكسر الصمت الذي استمرّ «لفترة أطول مما ينبغي»، عامِلاً مساهِماً في إضافة المزيد من القتامة على صورة السعودية في الخارج، وبالتالي «تثبيت مخاوف الشركات، وتقليل معنويات المستثمرين» وفق ما نبّه إليه تقرير «ستراتفور»، مع ما يعنيه هذا الأمر من انعكاسات سلبية على «الإصلاحات» التي يقودها ولي العهد السعودي.