يستعمروننا.. ويستحمروننا

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 2699
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

سليمان نمر

 

 لا مانع عند وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، أن يدفع العرب ثمن بقاء (احتلال) القوات الأميركية في الأراضي السورية، لكنه يريد من قطر أن تدفع الثمن، "لأن القوات الأميركية تتواجد في قاعدة العديد وهي تحمي قطر، ولولا وجود هذه القوات لسقطت قطر بأقل من أسبوع". لا مانع، إذن، لدى الوزير الجبير أن يدفع العرب ثمن احتلال الأميركان أراضينا واستعمارهم لها، فهذا ما يريده سيد البيت الأبيض، وسيد بعض العرب الذي لا يستعمرنا فقط بل "يستحمرنا".
وطبعا، وجدها الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، فرصة ليبتز فيها المملكة ودول الخليج "الغنية"، ويقول لهم "ادفعوا ثمن حمايتنا لكم، أو سأسحب قواتي من سورية، وأرسلوا أنتم قواتكم إلى هناك". ويعرف ترامب وغيره أن السعودية لا تستطيع أن ترسل قواتها أو قوات غيرها من الدول التي شكلت منها السعودية "التحالف الإسلامي لمكافحة الإرهاب" إلى سورية، على الرغم مما أبداه بعض المتحمسين أن السعودية قادرة على ذلك.
في زمن الاستعمار البريطاني والفرنسي لبلادنا العربية قبل أكثر من قرن، كان هذا الاستعمار يدفع ثمن احتلاله لنا، ليس أموالا لمن كانوا حكاما أو زعماء قبائل، بل كان مسؤولا عن حمايتنا وعن تعليمنا وتحسين أحوالنا. وعلى الرغم من ذلك، كنا نرفضه، فثار بعضنا ضده وحاربه، إلى أن استقل عالمنا العربي، بعد أن قسمه الاستعمار قبل أن ينسحب.
وقبل سنوات، أخذ بعض العرب يستدعي الاستعمار، ويمنحه التسهيلات والقواعد، وقال بعض  "للسعودية مصلحة في وجود القوات الأميركية هناك، وجدها ترامب فرصة ليطالب السعودية (الدولة الغنية) أن تدفع الثمن"العرب هؤلاء إن تدويل المصالح في منطقة الخليج يحميه من التهديدات الإيرانية. وجاء آخرون بالحماية الدولية (الاستعمار) لحماية أنظمة حكمهم من "تآمر جيرانهم". والآن نرى أن بعض حكامنا العرب يستدعون الولايات المتحدة، ليس لحمايتهم فقط، بل لضرب أشقاء عرب آخرين وقصفهم. ويستغل الرئيس ترامب خلافات حكامنا وافتعال الأزمات فيما بينهم (مثل الأزمة المفتعلة مع قطر) ليبتزّهم. ونرى حكاما عربا يخضعون للابتزاز الأميركي لنا، فيضيعون ثروات شعوبهم لشراء رضى الرئيس ترامب، وشركائه في الغرب ممن "يستحمروننا"، ليس ضد إيران فقط، بل ضد جيران وأشقاء عرب آخرين، ليس بصفقات التسلح الضخمة التي تفوق الحاجات الفعلية، بل أيضا بشراء ما يعتقدونه نفوذا عند مؤسسات صنع القرار وأدوات الرأي العام في الولايات المتحدة.
لقد استطاعت كوريا الجنوبية، بوساطة الصين، أن تنهي أزمتها مع جارتها الشمالية، بعيدا عن الولايات المتحدة التي لها مصلحة في أن تحمي كوريا الجنوبية، ولها قواعد عسكرية فيها. ولكن سيول نجحت بتجنب ابتزاز الرئيس ترامب لها، حين طلب منها شراء صواريخ مضادة للصواريخ الكورية الشمالية، بحجة حمايتها من كوريا الشمالية.. ونحن يستحمرنا ترامب ويبتزنا، ليس بسبب البعبع الإيراني فقط، بل بسبب الأزمة الخليجية، وبحجة محاربة "داعش".
للسعودية مصلحة في بقاء القوات الأميركية في سورية، لا سيما على الحدود السورية مع العراق، حتى تقطع هذه القوات الجسر الذي مدّته طهران من إيران إلى سورية ولبنان عبر العراق. وقد أخذت السعودية، منذ أكثر من عام، ترفع يدها عن التدخل المباشر في الأزمة السورية، ووكلت الولايات المتحدة التعامل مع المعارضة السورية المسلحة عسكريا وماليا. ولذلك لاحظنا أن فصائل المعارضة السورية المسلحة أخذت تتعرض لهزائم عسكرية واسعة جعلت النظام السوري يحقق انتصارات كثيرة خلال العام الماضي. ولذلك أخذت الولايات المتحدة تتدخل عسكريا، مباشرة، في سورية. ولم تكتف بدعم مقاتلي المعارضة الكردية في شمال شرقي سورية، بل أقامت أيضا القواعد العسكرية هناك، ويوجد حاليا نحو ألفي عسكري أميركي على الأراضي السورية، بحجة محاربة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) الإرهابي.
ولأن للسعودية مصلحة في وجود القوات الأميركية هناك، وجدها دونالد ترامب فرصة ليطالب السعودية (الدولة الغنية) أن تدفع الثمن، وإلا فسيسحب هو قواته، ولترسل السعودية وحلفاؤها قوات إلى سورية لتحارب هناك. وهي، بالطبع، لا تستطيع أن ترسل قوات، فتكفيها "حرب الاستنزاف" في اليمن. والمطلوب حاليا أن تدفع الرياض الثمن، من دون أن تقول للرئيس ترامب إن لوجود قواته في سورية مصالح سياسية وعسكرية له، على الأقل في مواجهة الوجود العسكري والنفوذ السياسي الروسي في سورية.