لماذا نجحت أبوظبي في الرياض وفشلت في مسقط؟
مهنا الحبيل
توقفت طويلاً وراجعت المعلومة المهمة والحسّاسة، التي بلغني بها الأخوة في زيارتي الأخيرة لمسقط، بشأن ملف الوحدة الوطنية في عمان، وقرارات السلطان قابوس الاستراتيجية، التي عبر بها، من مأزق كبير، سعت إمارة أبوظبي وربما أطراف أخرى، للولوج عبره إلى الهيكل الأمني القومي.
ومن خلال سياساته، تعيش اليوم عُمان استقرارا اجتماعيا صلبا، وحراك تقدم مدنيا، تحيط به الروح والقيم الإسلامية، التي تُسمع ويُشهد صوتها في كل ركن عماني.
ورغم أن كلا حدثي عُمان في 2004 و2005 و2011 ليسا جديدين عليّ، إلّا أن المعلومة الإضافية الخطيرة، أعطت بعداً هاماً، لا يُفسر رحلة عمان، وموقفها من الفتنة الاجتماعية السياسية فقط، لكنه يشرح مسرحا مهما لأحداث الخليج العربي، والتي تقودها إمارة أبوظبي، باندفاع عنيف ومتطرف، يمثله مشروع ولي عهدها الحالي.
وقبل العودة إلى هذه القصة، في الأمن الخليجي القومي، نعيد قراءة المشهد الأخير، لأزمة الخليج العربي، وتداخل طموحات الحكم الجديد، بذات هذا المشروع، وكيف أن الخليج العربي ينزف، ويورط من جديد، وقد تبخر حلم ضرب ترامب لإيران، عبر هجوم عسكري، واسع ومؤثر، وبدأت المنطقة تستعد لنزاع ساخن أو بارد، لن يتجاوز التسوية القادمة مع إيران.
ورغم أن سيناريوهات إيران، تربح في النهاية مع صفقات الغرب، رغم وجود نزاع مسلح، إلّا أن قضية الحرب الكبرى، التي كانت تدفع لها أطراف خليجية، لم تكن أبداً من صالح الشعب العربي في الخليج، وشعوب الشرق، برغم كل جنايات إيران، وإرهابها في المنطقة.
إلّا أن فكرة ومشروع الحرب الكبرى، التي دفعت لها أبوظبي والرياض، كان كارثة ستدور على المنطقة، وعلى ساحل الخليج العربي، وليست لعبة بلاي ستيشن، يوقف جحيمها بالريموت كنترول، والغرب وواشنطن تحديداً، لديها سجل حافل لحماية جغرافيتها، وراء المحيطات من أي آثار سلبية، فيما تُسدد شعوب المشرق العربي، فواتير المغامرات الخاسرة.
ومع ذلك فإن ترامب خضع لقاعدة اللعبة، التي خطط لها سابقاً، مع المؤسسات، فحصد ما يمكن من حلفائه، ثم التوصل لتسوية أو تعديل، أو حتى إبقاء الاتفاق النووي، بعد الحرب الكلامية الكبرى، التي كان قصف الإعلام فيها، أهم من صواريخ كروز.
ورغم كل هذا الفشل، لاتزال دورات التصعيد الخاسرة، مستمرة في أزمة الخليج العربي، ومن الواضح تماماً، أن تعقّد الموقف أمام أبوظبي وحلفائها، في أزمة الخليج، حوّل الصراع إلى كتلة لهب شكّل أزمة نفسية، وموقفا عاطفيا متوترا، لتجنب مواجهة نتيجة خسارة الحرب على قطر، والفشل في نقض استقلالها، رغم كل الدورات التي سعت لذلك، في سجل أزمة الخليج العربي الكارثية.
ويكفي ما جرى في قمة الظهران، لصورة المملكة العربية السعودية، حين تنشر صورة ممثل دولة في اجتماع رسمي، تستضيفها القمة، ويَفتخر المضيف بإهانة ضيفه، فهذه لم تسبق أبداً في التاريخ العربي، ولا يوجد أي شخص سوي، تغيب عنه آثار هذه الحادثة، لكن الأمر البارز، هو نجاح أبوظبي في توريط الرياض، في هذه السلوكيات، التي تُفاقم مأزق السعودية داخلياً وخارجياً.
وهنا يعود الأمر لحجم التمكن الظبياني من السعوديين، وامتداداته على علاقتهم الخارجية، وانهيار سمعة الدولة المركزية الكبرى، والأخطر المواجهة الأهلية العنيفة، التي تدفع لها أبوظبي مع الإسلاميين في التعليم والشارع الاجتماعي العام بسرعة، لإسقاط النظام الاجتماعي في الداخل السعودي، ودلائل نجاحها المطلق فيه.
هنا تأتي حكاية مسقط، ففي عام 2004، نفذت السلطات الأمنية في عُمان حملة اعتقالات، تجاه حركة طلبة العلم والدعاة الإسلاميون، من المدرسة الإباضية، وقبل ذلك في مطلع التسعينيات، كانت هناك حملة أمنية في المدرسة الشافعية، بسبب شكوى الشيخ زايد حينها، من علاقة جمعية الإصلاح في الإمارات، بشباب عمان الإسلامي، وقد احتوى السلطان قابوس كل التوترات الأمنية عبر العفو السياسي، والاحتواء الاجتماعي وطويت الصفحة.
لكن أحد أهم عناصر تحفيز السلطنة، لتطويق هذا الانقسام الاجتماعي الأمني، هو كشف محاولة الانقلاب التي أعد لها ولي عهد أبوظبي في البلاط السلطاني، وأُعلن القضاء عليها في التليفزيون الرسمي العماني عام 2011، وكل هذا ليس بجديد، إذن ما الجديد؟
الجديد الذي فسّر حراك مشروع أبوظبي اليوم، بما فيه تمكنها من الملف الأمني الاجتماعي السعودي، ومصادمتها الأخيرة مع رئيس الوزراء البحريني، الشيخ خليفة بن سلمان، إثر تدخله في حملة استهداف الشارع الاجتماعي السني القديم في البحرين، لكن المعقل الأهم للرواية العمانية، هو طبيعة الخلية التي اكتشفت في 2011، واتضح أن العناصر الرئيسية من ذات الخلية، من ضباط الأمن، هم ذاتهم من لفق التهم لتلاميذ الشيخ الخليلي والدعاة الإسلاميون، في 2004.
وبالتالي تبين للسلطان ولأجهزة الدولة، أن عملية الاتهامات والتصعيد على إسلاميي عُمان، كان مشروعا تمهيديا استراتيجيا لخلخلة بناء الدولة، وضرب علاقة السلطان الاجتماعية والسياسية، بالتوجه الإسلامي بالعموم.
وهنا نلحظ قضية مهمة أن مواجهة ولي عهد أبوظبي، في 2004، كانت مع علماء ودعاة السادة الإباضة، البعيدين كلياً عن الإخوان، بعد انقسامات التسعينيات، وتأثير الفتنة المذهبية التي تورطت فيها السعودية، بالهجوم الطائفي، على مدرسة إسلامية عريقة، في ساحل الخليج العربي، ممتزجة شعبيا واجتماعيا، بالمدارس السنية الأخرى في الساحل.
أدرك السلطان حينها، هذا المسار الخطير، وألقى العلامة الخليلي كلمته الشهيرة، بطي صفحة الماضي، وتأكيد الاتحاد مع مشروع النهضة العماني، والوحدة الوطنية الجامعة، وسَلِمَت عمان من خطة التقسيم والفتنة الاجتماعية.
التي ربطت خيوطها، في مشروع ولي عهد أبوظبي من 2004 حتى 2011، وقضية عمان اليوم، تجاوزت هذه المؤامرة، والحراك المدني والروح الإيمانية، هما من ضمن توجهات السلطان، التي صنعت نموذجاً قوياً، في التعايش والوحدة الوطنية والتشجيع للمشروع التقدمي.
لكن مشروع أبوظبي في الرياض اخترق وتمكّن، وهو اليوم يقطع مراحل كبيرة خاصة في قضية المواجهة الأهلية الكبرى، التي سخّرت لها أبوظبي، كل جهودها وإمكانياتها، لتفجير الشارع العام.
وهي ليست آخر صفحات مشروع أبوظبي، إنما هي أولى صفحات مشروعها الجديد، وشريكها الحليف! لوراثة مآلات الوضع السعودي، وهو ما فطن له السلطان قابوس مبكراً، ففشلت في مسقط ونجحت في الرياض.
* مهنا الحبيل مدير مكتب دراسات الشرق الإسلامي.
المصدر | الوطن القطرية