ماكرون ومحمد بن سلمان في لعبة اصطناع العظمة

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 2608
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

قاسم عزالدين
كاتب لبناني وباحث في الشؤون الدولية والإقليمية
 تسابق ماكرون وابن سلمان في لعبة اصطناع العظمة في القدرة على التهديد بالعدوان وراء ترامب ضد سوريا. فمحمد بن سلمان الذي موّل ورعى الجماعات السعودية في تعميم القتل والخراب في سوريا، يوحي لترامب وماكرون أن قواته يمكن أن تشارك في العدوان ولا تكتفي بدفع التكاليف التي يطالب بها ترامب. كما أن ماكرون الذي يحلو له تسويق عظمته في فرنسا، يحاول أن يشيع أن الطائرات الفرنسية يمكنها الاشتراك في العدوان إلى جانب أميركا ولا تسقط كالعصافير في سوريا بحسب توقعات الاركان العسكرية في فرنسا وأوروبا.
في طريق عودته من بلاد الحلم الأميركي الذي يرمز إلى حضارتها الإنسانية العريقة دونالد ترامب، عرّج محمد بن سلمان على باريس تحت عهدة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي يتقن لعبة اصطناع العظمة ولا يتقن فنونها محمد بن سلمان.
ولي العهد السعودي يمتلك في باريس بعض القصور التاريخية التي أثار بيعها إلى أثرياء النفط موجة استهزاء احتجاجاً على عرض تاريخ فرنسا في حثالة السوق. فهو يتباهى بشراء اللوحات الفنّية بمئات ملايين الدولار تشبّهاً بأغنياء النبلاء للدلالة على رقيّ معنوي لكن بعض كبار التجّار والسماسرة يقتنون اللوحات الشهيرة كاقتناء السلع التجارية الفارهة.
وسط أزيز احتجاجات المنظمات الإنسانية رفضاً لجرائم بن سلمان ضد حضارة اليمن وأهلها وتحت وطأة شكوى حقوقية تطالب باعتقاله، كان ماكرون يوقع مع مضيفه 19 بروتوكولاً تجارياً وعلى "وثيقة استراتيجية" تضمن استمرار بيع الأسلحة للسعودية بين الهوامش التي يمكن أن يتركها ترامب لفرنسا وبريطانيا.
أتحف ماكرون مضيفه بعشاء خاص في متحف اللوفر الشهير، على مرأى من لوحة يوجين ديلاكورا المسماة "الحرية تقود الشعب". وهي اللوحة التي ترمز إلى ثورة من أجل الجمهورية ضد الملك شارل العاشر. لكن المرأة في اللوحة التي تحمل العلم الفرنسي فوق أجساد ضحايا الثورة، يتخذها اليمين المتطرف شعاراً له في تجسيد "ماريان" للتعصّب والشوفينية.
ولا ريب أن عشاء ماكرون ومحمد بن سلمان أمام لوحة ديلاكورا، لم يأخذهما إلى ما يعبّر الفنان في ألوانه من الافتنان بسحر الشرق كما لم يعبّر أحد قبله ولا أحد بعده على ما يقول الشاعر الفرنسي شارل بودلير. فقد وجد في رحلته إلى المغرب العربي "جنّة الله على الأرض" بحسب وصفه الأماكن والجمال والناس. ولم يعرف ما يفوق سحر الأماكن التي خّلقت للفن في المغرب العربي، سحراً وعراقة حضارة متراكمة في اليمن. فماكرون وابن سلمان لم يلتقطا من معين سحر الأمكنة والناس سوى ما يدرّ من إبادته لملأ الجيوب.
في هذا السياق تسابق ماكرون وابن سلمان في لعبة اصطناع العظمة في القدرة على التهديد بالعدوان وراء ترامب ضد سوريا. فمحمد بن سلمان الذي موّل ورعى الجماعات السعودية في تعميم القتل والخراب في سوريا، يوحي لترامب وماكرون أن قواته يمكن أن تشارك في العدوان ولا تكتفي بدفع التكاليف التي يطالب بها ترامب. كما أن ماكرون الذي يحلو له تسويق عظمته في فرنسا، يحاول أن يشيع أن الطائرات الفرنسية يمكنها الاشتراك في العدوان إلى جانب أميركا ولا تسقط كالعصافير في سوريا بحسب توقعات الاركان العسكرية في فرنسا وأوروبا.
الشاب الحاذق في لعبة التسلّق في فرنسا، أخذته شهوة الطموح في إطلاق التهديدات والوعود منذ لحظة وصوله إلى الرئاسة الفرنسية. وقد ركب على حصان " الاصلاح والتحديث" كما يركب محمد بن سلمان. لكن ما يسمى الاصلاح الذي يتبناه ماكرون يأخد فرنسا إلى ما يأخذ دول العالم الثالث في قطع دابر معظم الحقوق الاجتماعية ودور الدولة في الرعاية الصحية والتعليم والعمل. ويضعها تحت براثن رجال الأعمال والتجارة. ويشمل هذا التحوّل عن رعاية الدولة، إضعاف الجيش وتضعضع ثقة الفرنسيين بقدرة فرنسا في الاتحاد الأوروبي وفي تميّزها عن الولايات المتحدة.
منذ لحظة وصوله إلى الرئاسة، يحاول اصطناع لعبة العظمة لطمأنة الفرنسيين من الخوف والمخاطر التي تهددهم. وفي تلك اللحظة افتعل إهانة رئيس الأركان بيار دوفيلييه بتذكيره على الملأ "أنا رئيسك". لكن رئيس الأركان ردّ بالقول "لأن الجميع يعاني من نقص ما، فلا أحد يستحق الطاعة العمياء".
خلافاً لهذه الحكمة يقدّم ماكرون طاعة عمياء لترامب، ويقدّم ابن سلمان الطاعة نفسها. وربما لهذا السبب يصطنع كل منهما العظمة لسدّ نقص ما أو أكثر. فماكرون الذي يطمئن إلى أن الشعب الفرنسي يتطلّع إلى أن يحكمه ملك حاكم بأمره في اصطناع العظمة الجوفاء، يذكّره الرئيس الفرنسي السابق فرنسوا هولاند " عجرفة الملك لا تدوم طويلاً، فالشعب الفرنسي أخذ ملكه لويس السادس عشر إلى المقصلة". وأعدم زوجته ماري أنطوانيت.

الميادين نت