نعم.. السعودية حققت معظم أهدافها في اليمن
صلاح السقلدي
حين يقول البعض بأنَّ المملكة العربية السعودية -ومعها باقي الدول المنضوية تحت مظلة التحالف العربي الذي يقود حرباً لا هوادة فيها باليمن – هذا البلد الأكثر فقراً وبؤساً بالمنطقة- قد أخفقتْ حتى اليوم بتحقيق أهدافها بعد مرور ثلاثة أعوام من الحرب, فهذا القول لا يجافي الحقيقة, إذا ما عُــدنا لطبيعة الأهداف التي أعلنَها السيد/عادل الجبير السفير السعودي بالولايات المتحدة الأمريكية حينها, ليلة انطلاقة هذه الحرب في الـــ26 من مارس أذار عام 2015م, من العاصمة الأمريكية واشنطن ,فأهم هذه الأهداف وأبرزها هي استعادة سلطة الرئيس هادي الى صنعاء وتدمير قوة الحركة الحوثية المسنودة من قوات الرئيس السابق علي صالح, وهذا ما لم يحصل فعلاً -حتى اللحظة على الأقل- باستثناء تدمير جزء من قوات حركة انصار الله “الحوثيين” وقوات المؤتمر الشعبي العام, أو بالأحرى ما تبقى منها.
وبالمقابل حين يقول البعض بأنّ السعودية قد حقّقتْ جُــل أو- كُــل -اغراضها من هذه الحرب, فهذا القول أيضاً صحيحاً الى حد كبير, إذا ما علمنا أن الهدف الرئيس والغير معلن للسعودية من هذه الحرب هو إضعاف اليمن واستضعافه عسكريا وسياسيا وشلُّ قدراته البشرية وطاقاته الطبيعية, والاستحواذ على موقعه الجغرافي وموانئه وحزره, والتسيّــد على استقلالية إرادته الوطنية وقراره السياسي, وتمزيق نسيجه الاجتماعي و بث روح الفرقة الطائفية والاجتماعية, وتدمير المؤسسات الرسمية للدولة عسكرية وأمنية ومدينة -شمالاً وجنوباً على السواء-,وإنشاء عوضا عنها كيانات موازية مرتبطة ارتباطا سياسياً وعضوياً بالجهة الممولة مالياً- والتي هي بالتأكيد جهات من خلف الحدود-و تغيب عنها –أي عن تلك الكيانات – الولاء الوطني الى حدٍ كبير,يسهل بالتالي التحكم بها وتوجيهها الوجهة المطلوبة عن بُــعد في الوقت والزمان المطلوبيَــن بحسب مقتضيات الحاجة بواسطة ضغطة زر ” الكونترول السياسي” .
هذا بالضبط ما يتم على قدمٍ وساق,فاليمن المثقّل الذي ينوء منذ عقود بأعباء الخلافات الداخلية بدولتيه اليمن الشمالي والجنوبي حتى عام 90م –عام الوحدة المهترئة- وما بعد ذلك التاريخ, ستضيف له هذه الحرب مزيداً من الأعباء وتدحرج فوق رأس كتلة ضخمة من المآسي التي لن يقوى على شدة وطأتها الثقيلة, ليصير بالتالي طريدة سهلة المنال بين مخالب الصقر الخليجي .
فقبل أيام فقط تحدثَ وزير الخارجية السعودية السيد \ الجبير قائلا ان اعادة الإعمار بالمحافظات الواقعة تحت سيطرة الشرعية الموالية للرئيس هادي سيكون بعد انتهاء الحرب. ما يعني ذلك أن لا إعمار ولا عودة للخدمات الضرورية ولا استقرار سياسي ومعيشي إلا ببلوغ التحالف صنعاء وهزيمة الحوثيين. أو بمعنى أوضح :سلّـــم واستلم.
فالرياض ترى في عملية الإعمار وعودة الحياة الى طبيعتها ورقة مساومة وتركيع ثمينة,- بعد أن فقدت منذ عام 2014م ركائزها التاريخيين وأدوات هيمنتها التليدة- ,فما عجزت عن تحقيقها وزارة الدفاع, فأن وزارة المالية والطاقة كفيلتان بتحقيقها- أو هكذا ترى وتطمح المملكة في قادم الأيام-, كنوع من أنواع الحرب الناعمة, فهي أي المملكة تعرف أن لا دولة بالعالم من شرقه الى غربه قادرة على المساعدة بتحمل كلفة حرب بهذا الحجم المروع.. وبالتالي فأية سلطة ستحكم اليمن -سواء كان هذا اليمن يمناً واحدا أو يمنيين أو يمنات- وسواء أتت هذه السلطة برغبة سعودية أو بغير ذلك, فلن يكون لديها أي تلك السلطة مِـن منقذ لانتشال البلد من بين انقاضه غير اللجوء والاستعانة بالسعودية,((ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى×عدوا له ما من صداقته بد)) , فهذه هي الحقيقة التي تدركها المملكة وتتصرف على أساسها. فبلدٍ كهذا أصبح جسده أشلاء متناثرة خائر القوى لن يكون لمسالة السيادة الوطنية واستقلالية القرار الوطني واردة في حساباته حينها (وهذا هو المطلوب بالضبط),وسيكون “اليمن “بالتالي – وفقا لمخططات السعودية -أضعف من أن يعترض على مصادرة إرادته الوطنية ونهب ثرواته الطبيعية والحكم بمنافذه البحرية والبرية,وحتى سيكون عاجزا عن الاعتراض على اقتطاع أجزاء من اراضيه كما درجت العادة عند السعودية بعد كل حرب تخوضها باليمن, -أو يخوضها اليمن ضد نفسه-وليس حرب عقد الثلاثينات من القرن الماضي وما أفضت إليه من اتفاقيات كاتفاقية الطائفة الجائرة عننا ببعيد, ولن تكن آخرها التوقيع على ترسيم الحدود التي تمت عام 2000م والتي ظفرت السعودية باعتراف تاريخي من اليمن بأحقية المملكة بالأراضي اليمنية –جيزان, نجران,عسير-,بعد أن وجدت في وضع ما بعد حرب 94م التي استهدفت حينها الشريك الجنوبي بوحدة 90م فرصتها الذهبية بذلك مقابل تخليها عن القيادات الجنوبية النازحة وإرغامها على العودة منكسرة الى بين يدي جلاديها بصنعاء مقابل موافقة نظام حكم ما بعد تلك الحرب على التوقيع على اتفاقية ترسيم الحدود الشهيرة تلك .
.. ولكن ولكي نكون أكثر إنصافا للحقائق ولأنفسنا وللجميع فأن هذا الحال الذي بلغه اليمن وهذا المآل الذي صار إليه بلد مباح وارض براح تتخطفه ضباع الدول الصغرى وسباع الدول الكبرى ما كان له أن يصير كذلك دون عقوق وحماقة أبناءه وارتزاق قطاع واسع من نخبه السياسية والفكرية شمالا وجنوباً عبر عقود من الزمن, وقديماً قالت العرب: من أضاع أسمه أضاع قسمه.