في البحث عن شرعية الحرب السعودية الثانية على اليمن
علي محسن حميد
للسياسة السعودية في اليمن تاريخ نشط من التدخلات في شؤنه ابتداء من عام 1962عام إسقاط النظام الملكي وإعلان جمورية رخوة. ومع كل تغييرأورغبة يمنية فيه ينشط هذا التدخل ليوقفه. تدخلت السعودية عام 1962 لإعادة الشرعية الملكية وللمفارقة هاهي اليوم تشن حربا ثانية لإعادة شرعية جمهورية إلى السلطة. كل الدول تخوض الحروب من أجل مصالحها الوطنية إلا العرب الذين يؤثرون على أنفسهم خصاصة الصراحة والوضوح ويبحثون كملائكة لامصالح لهم على الأرض عن مسوغ زائف لشنهم حربوهم أو تدخلاتهم . حرب اليوم هدفها الوأد الكلي لأي فرصة مستقبلية للتغيير في اليمن وبالذات تحقيق طموحات شباب وشابات ثورة 2011 الشبابية السلمية في دولة مدنية ديمقراطية حديثة وتعددية سياسية حقيقية وعدل اجتماعي ومواطنة متساوية الخ.. وغير صحيح هنا أن السعودية تؤيد تطبيق مخرجات الحوارالوطني السم الزعاف لها ولغيرها من بعض دول المنطقة بما فيها إيران.
لهذا السبب لامانع من أن يعاني اليمنيون حتى يقبلوا بهيمنة قوى اجتماعية وسياسية تقليدية تلتقي مصالحها مع المصالح السعودية.لم تكتف السعودية في حربها على اليمن بالغارات الجوية ولكنها قامت بحصار أدى إلى مايعيشه اليمنيون من كوارث وهوما تصرخ من أجل إنهائه الفوري منظمات دولية ودول ومتعاطفون غربيون مع اليمنيين الذين لاناقة له ولاجمل في هذه الحرب.معظم العرب ممتنعون حتى عن الكلام.
التبرير السعودي للحصار والتجويع: أقر السيد عادل الجبير وزير الخارجية السعودي في 5/9/1917 بأن بلاده تحاصر اليمن وبأنه يمكن فتح مطار صنعاء إذا تولت الأمم المتحدة إدارته وأن حرب بلاده في اليمن تتم وفق القانون الدولي. وبمناسبة زيارة ولي العهد السعودي لبريطانيا قال الجبير للبي بي سي في 6 مارس الجاري بأن السعودية تخوض في اليمن حربا عادلة بدعم من القانون الدولي وحمل المتمردين المسؤلية عن سقوط ضحايا.الجبير يلوي عنق القانون الدولي ويستهين بمعاناة اليمنين ولايلقي بالا لما وصل إليه وضع إخوانه وأخواته في اليمن من بؤس يشاهده على التلفاز من حين إلى آخر.ماقاله الجبير يدين بلاده ويخضعها للمساءلة أمام الأمم المتحدة ومنظماتها المتخصصة لأنه أقر باستخدامه سياسة التجويع كسلاح في الحرب وهذا يتناقض مع اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 ومع القانون الدولي الإنساني.هنا لاأملك سوى مقارنة ماقاله الجبير بمواقف إسرائيلية من الفلسطينيين ، وأنقل عن مقال لخالد القشطيني في جريدة الشرق الأوسط السعودية في 5/3 /2002 أن جولدا مائير قالت “لن نصفح عن العرب لأنهم أجبرونا على قتلهم، وأن حجاي هوبرمان قال في صحيفة هاتسوفيه “لن نصفح عن عرفات على إجباره لنا بارتكاب خطيئة قتل الأطفال الفلسطينيين من أجل منع قتل أطفال يهود” ،وماقاله اريل شارون “علينا أن نضرب الفلسطينيين ونضربهم ثانية ونضربهم مرة تلو الأخرى حتى يفهموا”.
الإسرائيليون في عصر ماقبل نتنياهو كانوا يعترفون بارتكابهم جرائم حرب لأنهم كانوا يخشون الرأي العام الدولي ويهمهم تبريرجرائم اعترفوا بارتكابها .أما السعودية فيبدو أن لاأحد يقول لها أين هي من القانون الدولي ومترتباته وخطورة انزلاقها في حربها وما ستجره عليها من متاعب إذا قرر محام دولي اتهامها بارتكاب جرائم حرب وله في هذا مايسنده من تقارير رصينة صادرة عن الأمم المتحدة وعدة منظمات دولية متخصصة تقول أن السعودية مسؤلة عن 60% من كوارث الحرب بأوجهها المختلفة. الجبيريستحيل أن يقول بأن حربه قانونية وأنه ليس مسؤل عن ضحاياها في الأمم المتحدة .
السعودية وليس غيرها تضع نفسها في نفس الموقف الإسرائيلي الذي تدينه وتستنكره هي والذي سيسمح لإسرائيل عند ارتكابها أي عدوان ضد غزة أو لبنان بأن تقول في الأمم المتحدة بأن ضحاياها أقل من الضحايا العرب على أيدي العرب. إننا نعيش في عصر يُكيّف فيه القوي والثري القانون الدولي وفق هواه ومصلحته المتناغمة مع مصلحة عواصم بيع السلاح.السعودية تظن أن ثروتها تجعلها فوق القانون الدولي وتزين لها القول علنا بأن الحصار والقتل والتدمير والموت مرضا وجوعا قانونيا وفي هذا المسار لاينقصها إلا القول بأن حربها دينية، ولكن مهلا ففي مساجدها من يقول هذا.ولأن موقفها القانوني ضعيف فتلجأ إلى إضفاء شرعية على حربها باللجوء إلى شرعية عربية تهيمن على قراراها . ويقصد بالشرعية العربية ميثاق جامعة الدول العربية وقرارات القمم العربية والمجالس الوزارية التي تتخذ بعد نقاش عام في الجامعة العربية لتحقيق مصلحة قومية.
أما معاهدة الدفاع العربي المشترك المفترى عليها والموقعة عام 1951 فأهدافها وتفويضها محددان ومنها نصها على فض منازعات الدول المتعاقدة سلميا إذا حصلت حرب بينها ،وإخطارمجلس الجامعة ومجلس الأمن بوقوع الاعتداء،المقصود به الخارجي، وتشكيل لجنة عسكرية دائمة ومجلس للدفاع المشترك من وزراء الخارجية والدفاع مهمتهما تنظيم خطط الدفاع العربي المشترك، ضد عدو خارجي طبعا.مماسبق ندرك أن العمل العربي المشترك عمل علني وشامل ويتم في إطار مؤسسي تمثله الجامعة العربية ولايتم خارجها ويخدم مصالح عربية وموجه ضد عدو لم يكن فيما مضى سوى إسرائيل ولأغراض دفاعية بحته وليس لمحاربة دولة شقيقة.
ومن نافلة القول بأن المعاهدة لم تفعّل منذ 1951 وقداعترف الأمين العام السابق للجامعة بعد خمسة أشهر على شن العاصفة في 02 /08/ 2017بعدم تفعيلها وأيده قرار لمجلس وزاراء الخارجية في 07/09/2014حول صيانة الأمن القومي العربي. وهنا يبرزسؤال عن الكيفية التي أوقِظَت بها المعاهدة ودخلت بها الخدمة في المأساة اليمنية وحدهابعد 65 سنة من الإهمال العمد حتى في الحروب الدفاعية لمصر وسوريا مع إسرائيل .وللمقارنة فقد رفض مجلس الجامعة طلب الحكومة الليبية الشرعية شن غارات جوية على مدينة سرت التي يسيطر عليها مقاتلوا “داعش” بالرغم مما قاله الأمين العام السابق للجامعة ” بأن المجموعات الإرهابية وعلى رأسها داعش تهدد أمن واستقرار ليبيا ووحدتها وسلامة أراضيها واستقرار الأمن الإقليمي والعربي والدولي، الأهرام 19.08. 2015.
أما قمة شرم الشيخ 29 مارس 2015 التي أسيئ تفسير قرارها حول اليمن فلم تعبرعن تأييد صريح للعاصفة لأنها استخدمت لغة فضفاضة مثل ” المنزلق الذي كاديهوي إليه اليمن الذي استدعى تحركا عربيا ودوليا ينهي انقلاب الحوثي”، وكاد لغويا لاتعني الجزم ومن ثم لاتبرر الحرب على اليمن .أما الإشارة إلى التحرك الدولي في بيان القمة فيهين معاهدة الدفاع العربي المشترك ويعترف بموتها ويشكل ثاني سابقة عربية سيئة بتشريع التدخل العسكري الخارجي في شأن عربي ضد دولة عربية بعد خطيئة الجامعة / العرب الكبرى باستدعاء حلف الأطلسي عام 2011 ضد نظام القذافي وهو ماأدى إلى إيصال ليبيا إلى ماهي فيه. كان قرارقمة شرم الشيخ إجراء إسعافيا لإضفاء شرعية على حرب غير شرعية ومناقض لمعاهدة الدفاع العربي المشترك ولآلية العمل التي حددتها.
الشرعية الدولية : لم يعد القانون الدولي سوى الحمار الذي يركب عليه القادروالزعم بأن الحرب قانونية كلام سياسي – استهلاكي بحت لايدرك قائله عواقبه. المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة الفقرة 3 و 4 تطلب من الدول الأعضاء حل نزاعاتها بوسائل سلمية والامتناع عن التهديد أو استخدام القوة ضد الوحدة الترابية أو الاستقلال السياسي لأي دولة. لنقارن وضع اليمن السيادي اليوم بوضعه قبل عاصفة الحزم في 26 مارس 2014 لنعرف أن الدمار ليس ماديا فقط.أما المادة 51 من الميثاق التي ظلمت ظلما بينا في الحالة اليمنية وكيّفها البعض بحسب هواه فتقر فقط حق الدفاع عن النفس ضد عدوان يتعرض له عضو في الأمم المتحدة وعندما تستخدم دولة هذا الحق عليها أن تخطر مجلس الأمن بما قامت به. اليمن في مارس 2015 لم يعتد على السعودية لكي تزعم بأنها مارست حق الدفاع عن النفس ومعركتها مع إيران يجب أن تتم في مكان يوجع إيران ولايدمر غيرها .
ويذهب البعض في تفسيره لقرارمجلس الأمن رقم 2216 الصادر في 14/04/2015 بأنه أضفى شرعية على الحرب رغم أنه لم يذكرها بالإسم لاهي ولاالتحالف .الشرعية عرفا وإجراء تمنح من مجلس الأمن قبل شن الحرب وليست لاحقة لها .لقد توخى القرار2216 تحقيق السلام ولم يقدم غطاء شرعيا للحرب. وخاطب طرفا واحدا فيها وتجاهل الطرف القوي الآخر البادئ بها وبينما طالب الحوثيين بوقف تهديد الدول المجاورة أو استفزازها تجاهل وحتى اليوم غارات السعودية وحصارها. القرار وضع أسسا للتسوية السلمية بدعوة جميع الأطراف ولاسيما الحوثيين الالتزام بالمبادرة الخليجية ونتائج مؤتمر الحوار الوطني الشامل وقرارات مجلس الأمن وتسريع المفاوضات للتوصل إلى حل توافقي والتنفيذ الكامل للاتفاقيات المبرمة والالتزامات التي تم التعهد بها لبلوغ هذا الهدف وطالب جميع الأطراف اليمنية بالالتزام بتسوية الخلافات عن طريق الحوار والامتناع عن الأعمال الاستفزازية.
إن الاقتصار على ذكر الأطراف اليمنية وحدها يوضح بأن تجاهل المجلس لدورالسعودية كان تعبيرا عن رؤيته لعدم شرعية حربها لأن مطالبته لها بالإسم بما طولبت به الأطراف اليمينة تعني اعترافه بشرعية حربها ولهذا صور الحرب وكأنها يمنية – يمنية فقط وفي هذا الأمر جانبه التوفيق.لعلنا نتذكر أن حرب بوش وبلير على العراق كانت غير مشرعة لعدم صدور قرار مسبق من الأمم المتحدة يجيزها وإلى اليوم هناك من يطالب بمحاكمة الرجلين كمجرمي حرب جراء ماسببته حربهما المفتعلة التي شنت لصالح إسرائيل من مآسي للعراقيين يعانون منها حتى اليوم.