تنافس سعودي ــ مغربي في أفريقيا؟
عوامل كثيرة تتشارك فيها كل من السعودية والمغرب، لكن ذلك لا يعني أن أحدهما سيفسح المجال للآخر على صعيد الاستثمارات، خاصة أن الرباط عادت قبل مدة قصيرة إلى حضن منظمة «الاتحاد الأفريقي»
عبيد أعبيد
الرباط | منذ إصدار الملك السعودي، سلمان، تعليماته بإحداث وزارة تُعنى بالشؤون الأفريقية، يتولى تسييرها سفير الرياض في القاهرة، أحمد قطان، تدور التساؤلات حول جدوى هذه الحقيبة الوزارية الجديدة، وسر استصدارها في هذا الوقت بالضبط (نهاية الشهر الماضي). ويأتي قرار سلمان عقب شهر واحد من إقرار الملك المغربي، محمد السادس، إحداث وزارة جديدة تُعنى هي الأخرى بالشؤون الأفريقية، ويتولى إدارتها محمد الجزولي، علماً أنها أول حقيبة وزارية مخصصة حصراً لدبلوماسية القارة السمراء.
يطرح هذان القراران أسئلة عن فائدة الوزارتين لكلا البلدين، وعمّا إن كان ثمة «نزاع» بين المملكتين حول مراكز النفوذ في أفريقيا. في هذا الجانب، تحدثت التقارير الصحافية السعودية باستفاضة عن كون القرار يأتي في ظل تنامي التنافس الإقليمي والدولي، خاصة شرق القارة ومنطقة القرن الأفريقي، وكذلك لقطع الطريق على المستثمرين السعوديين الذين يضخون أموالاً كبيرة في استثمارات فردية، وأبرزها استثمارات الملياردير محمد حسين العمودي، مالك مصفاة «سامير» في المغرب، كما له مشاريع عملاقة في إثيوبيا.
من جهة ثانية، ترتبط الوزارة السعودية الجديدة بصراع النفوذ الذي يشمل تركيا وقطر إلى جانب حليف الرياض، الإمارات، الذي له مشاريع كبيرة أيضاً في دول أفريقية عدة. مع ذلك، ثمة نظرة أخرى تقول إن المغرب لا تخلق أي خوف لدى السعودية، خاصة في ظل التحالف الوثيق بين الرباط والرياض. يشرح خالد الشكري، وهو باحث في الشؤون الأفريقية في جامعة محمد الخامس، أن السعودية تقدِّر أنّ إنشاء المغرب وزارة أفريقية في هذا التوقيت «أمر مرتبط أساساً بوجود الرباط خارج الاتحاد الأفريقي لمدة تجاوزت ثلاثة عقود، وهي تطمح الآن ــ بعد عودتها ــ إلى مدّ أواصر التعاون مع جيرانها وتعويض القطيعة، ولا علاقة له بالبحث عن مراكز نفوذ في القارة».
لكن الموساوي العجلاوي، وهو أستاذ في معهد الدراسات الأفريقية في الرباط، يرى عكس ذلك، ويذهب إلى أنّ وجود الرباط في أفريقيا مبني أساساً على تقوية الاستثمارات المالية في دول القارة، مستدلاً بكون المغرب ثاني أكبر مستثمر في جنوب القارة، بعد جنوب أفريقيا، وذلك بفارق شاسع عن السعودية والخليج عموماً. وذكر العجلاوي أن توجه المملكة نحو عمق أفريقيا تسارعت وتيرته منذ عودتها إلى الاتحاد الأفريقي بداية العام الماضي وطلبها الانضمام إلى المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، مشيراً إلى «الحضور المغربي الوازن على مستوى القارة ككلّ وداخل مؤسساتها الخمس».
مع ذلك، هل تضيّق السعودية الخناق على المغرب في مراكز الثروة والاستثمارات الأفريقية، ولا سيما في قطاعي البنوك والطاقة؟ يجيب أحمد سليفا، وهو باحث في معهد الدراسات الأفريقية، أن منافسة السعودية للمغرب في القارة «غير ممكنة»، إذ إنه رغم «اشتغال كليهما على محاربة الإرهاب والتطرف ووجود مصالح مشتركة كثيرة بينهما، فإنهما يتّبعان نموذجين مختلفين». وأضاف سليفا أن «السعودية تعرف تحولات سياسية كبيرة، وليس من مصلحة أي أحد الدخول في صراع اقتصادي مع الرباط، بل يمكن أن يكون هناك تكامل في إطار دول الخليج وأفريقيا»، مشيراً إلى وجود «علاقة خاصة» تجمع البلدين.
وفي تقرير للمركز الفكري المغربي «أو سي بي بوليسي سنتر» صدر في منتصف كانون الثاني الماضي، جاء أن المغرب صارت ثاني دولة مستثمرة في أفريقيا بعد جنوب أفريقيا، وأنّها نجحت في إبرام نحو 500 اتفاق للتعاون منذ بداية الألفيّة. أما السعودية، فأظهرت آخر تقارير رواد الأعمال في الخليج أنها تحتلّ المرتبة الثانية ضمن «مجلس التعاون لدول الخليج العربيّة» في حجم الاستثمارات في القارة الأفريقية. ويوضح التقرير أن إجمالي استثمارات السعودية والإمارات في أفريقيا بلغ نحو 14.8 مليار دولار، فيما تحتل أبو ظبي المرتبة الثانية عالمياً في حجم الاستثمارات في القارة السمراء بمبلغ يصل إلى 11 ملياراً في 2017، لكن على الصعيد العالمي يأتي ترتيب السعودية خامساً بحجم استثمارات يبلغ 3.8 مليارات.
رغم القواسم السعودية ــ المغربية المشتركة، تظل قضية نزاع الصحراء حجر عثرة أمام الرباط في سعيها لاكتساح مراكز النفوذ والثروة في القارة، إذ لا تزال هذه القضية تثير حساسيّات مع دول كبرى مثل جنوب أفريقيا ونيجيريا والجزائر، وهو الثالوث الذي يملك أكبر تأثير سياسيّ في تكتلات القارة ومنظماتها.