واشنطن والأزمة الخليجية
ياسر الزعاترة
تصاعد الدعم الأميركي لموقف قطر خلال الأيام الأخيرة، بخاصة على لسان وزيري الخارجية والدفاع الأمريكيين، مع الحديث عن ضرورة إيجاد حل للأزمة الخليجية.
وهي أخبار لا تبدو سارة للطرف الآخر، وإن عكست -على نحو ما- تناقضات المواقف بين الوزيرين الأمريكيين اللذين يعبران أكثر عن الدولة العميقة، وبين الرئيس الذي يغرد على هواه، ولا يُستبعد أن يخرج من جديد كي يصطف إلى جانب الطرف الآخر.
وفيما قد يصنّف البعض ذلك في سياق تبادل الأدوار، وقد يكون ذلك صحيحاً بالنسبة للدولة العميقة، إلا أن سيرة ترمب لا تقول بذلك، فيما تبقى السياسة الخارجية أقرب لمسارات يحددها البنتاغون مع الخارجية، منها إلى مسارات يحددها هو «ترامب»، وإن خرّب عليها بتصريحاته الرعناء.
والحال أن من يفقهون منطق الدول «الإمبريالية»، لا يمكن أن يروا أن واشنطن حريصة على إنهاء الأزمة الخليجية لصالح أي طرف، فهي منذ اندلاعها وهي تصبّ في مصلحة أميركا، وإن صبّت أيضاً لصالح دول أخرى، كما هو حال روسيا على سبيل المثال.
كل ذلك يفرض على كل المخلصين القول، إنه آن الأوان لإعادة النظر في الأزمة بعيداً عن النهج السابق، لا سيما أنها استنفذت أغراضها، ولم تعد في واقعها تتجاوز المراوحة التي تضر بالجميع دون جدوى.
أمام الواقع الخليجي تحدٍ كبير، ما يعني أن الحفاظ على تماسك مجلس التعاون الخليجي ليس أمراً هامشياً لمواجهة التحدي المشترك.
السعودية تحتاج إلى ظهير في معركتها بعيدا عن الخليج، وأميركا ليست الظهير الحقيقي، لأن هاجسها هو الكيان الصهيوني، وأي تدخل في القضية الفلسطينية مجاملة لترامب، سيعود بتأثيرات سلبية على المملكة، فضلاً عن أبعاده المبدئية، في الوقت الذي لن يفعل فيه ترمب شيئاً ضد إيران.
ويجب ألا ينسى أحد أن سنوات ما قبل الأزمة قد شهدت انسجاماً كبيراً بين الرياض والدوحة في جملة من الملفات، وبخاصة الملف السوري رغم بعض التباينات، واليوم هناك فرصة لإعادة ترتيب الموقف من سوريا على نحو يمنع الانهيار، في الوقت الذي تلعب فيه الدوحة دور همزة وصل بين الرياض وأنقرة.
سوريا هي الحلقة الأهم في هذه القضية، والتفاهم السعودي مع قطر، وتالياً مع تركيا يفسح المجال أمام لملمة الموقف من جديد، وإذا ما كان بوسع الرياض أن تغير في الموقف المصري، فسيتغير المشهد برمته، من أجل حل شامل، يوقف هذا النزيف الذي أصاب كل الشعوب والدول في المنطقة، ولم يخدم سوى الصهاينة، من دون أفق لتحقيق أحلام هي أقرب للأوهام، عمادها إعادة النظر في حقائق التاريخ والجغرافيا في المنطقة، وقد ينطوي ذلك على خير للمواجهة الأخرى الأكبر في المنطقة، أعني المواجهة مع المشروع الصهيوني بنسف أحلامه في التمدد والهيمنة، استغلالاً للظروف الراهنة.
بعد فشل المراهنة على إخضاع قطر بمنطق الحصار، أصبح الحوار هو سبيل حل الأزمة التي تستنزف الجميع، وهو حل لا يمكن أن يأتي باتفاق شامل على كل شيء، وإنما بتحديد عاقل للأولويات، التي كان خللها هو السبب الأهم لاندلاع الأزمة.
* ياسر الزعاترة كاتب صحفي أردني/ فلسطيني
المصدر | العرب القطرية