رسالة إلى تركي الحمد و«السعوديين/الخليجيين الجدد»
علي الصـالـح
من غير تحية فالتحية لمن يستحقها وتليق به وأنت وللأسف وغيرك من «السعوديين/ الخليجيين الجدد» المتأسرلين، غير مؤهلين لها. ما جاء في حسابك في تويتر وردّ عليك المئات من السعوديين الشرفاء، لم يكن رأيا نغض الطرف عنه، بل تطاولا على شعب وتاريخه وقضيته وثورته ونضالاته وتضحياته.
وهذا ينسحب على عبد الحميد حكيم مدير مركز جدة للأبحاث، وكان من «الرواد السعوديين الجدد» المطبعين الذين زاروا إسرائيل بقيادة الجنرال أنور عشقي، وكانت رسالته واضحة عبر «بي بي سي» العربي وقناة «الحرة» الأمريكية، بأن العرب كانوا تاريخيا على خطأ في تعاملهم مع إسرائيل ورؤيتهم لها، وطالب عمليا بالقبول بالأمر الواقع، وقدسية القدس لليهود، كما هي مكة والمدينة المنورة للمسلمين.
والثالث هو وزير خارجية البحرين خالد بن أحمد آل خليفة، الذي قال في حسابه في تويتر: «بينما نكافح معا الخطر الواضح والحالي للجمهورية الإسلامية الثيوقراطية الفاشية (إيران)، تبقى قضية فلسطين جانبية، وإنه ليس من المفيد إثارة الخلاف مع الولايات المتحدة بشأنها». ولكن تصويت الجمعية العامة يوم الخميس يقول غير ذلك يا «معالي الوزير» رغم البلطجة الأمريكية.
وقبل الرد على هذا العدوان الصارخ من «السعوديين/ الخليجيين الجدد» على الشعب الفلسطيني وقضيته وتاريخه، وددت أولا أن أقدم صورة أكثر إشراقا من خلال ما يقوله مسؤولون وفلاسفة وسياسيون أجانب عن القضية الفلسطينية.
* آن لند السويدية وزيرة التجارة وشؤون الاتحاد الأوروبي تقول: إن موقف الشعب السويدي الداعم للشعب الفلسطيني وقضاياه العادلة، نابع من قناعات أخلاقية، وإن الشعب السويدي لن يخذل الشعب الفلسطيني، وسيبقى داعماً لحقوقه وتعزيز صموده.
* جيلز دولوز الفيلسوف والناقد الأدبي والسينمائي الفرنسي الراحل يؤكد على أن: القضية الفلسطينية هي قضية الإنسانية المركزية.
فابيو أماتو عضو كتلة اليسار في البرلمان الأوروبي في بروكسل، يحذر من أن اعتراف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل «ضربة للسلام والإنسانية، وللمجتمع والقانون الدوليين ولحقوق الفلسطينيين، لأن القدس الشرقية هي عاصمة دولة فلسطين».
نيلسون مانديلا: نحن نعلم تمام المعرفة أن الحرية لا يمكن أن تكتمل من دون تحرير فلسطين.
في المقابل ماذا يقول «فلاسفتنا» الحاصلون على أعلى الشهادت من الجامعات الأمريكية، عن الشعب الفلسطيني؟ وكيف يقيمون قضيته وتاريخه النضالي المتواصل منذ قرن. وسأركز فقط لضيق المساحة على الدكتور تركي الحمد، الكاتب والروائي السعودي الحاصل على شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية، يقول: «نشر عني في تويتر أنني قلت إن القدس ليست القضية.. وهذا غير صحيح.. ما قلته إن فلسطين لم تعد قضية العرب الأولى، بعد أن باعها أصحابها الذين يعيشون حياة جميلة في الخارج منذ عام 1948 ، ونحن نعاني باسم فلسطين.. التنمية تعطلت.. والحريات قمعت.. وفي النهاية حتى لو عادت فلسطين فلن تكون أكثر من دولة عربية تقليدية.. كفانا غشا لديّ قضية بلدي في التنمية والحرية والانعتاق من الماضي. المقصد أن نعيش الواقع ونهتم بالتعليم ونبني شعوبنا إلى أن يفرجها الله، ونصنع دبابة، لكن هدر الطاقات بانفعالات لن تحقق شيئا». وقال أيضا: «في جنوب إفريقيا ناضل الصغير قبل الكبير.. فهل فعل الفلسطيني ذلك رغم كل الدعم؟ كلا.. لن أدعم قضية أهلها أول من تخلى عنها».
يا دكتور، أنت تعلم جيدا أن ما تقوله كذب وافتراء لا يليق بحامل شهادة دكتوراه، غرضه تشويه صورة الشعب الفلسطيني والتطاول على تاريخه وصموده وثورته التي لم تتوقف على مدار قرن، والتنكر لفضله على العديد من الشعوب العربية. والحقيقة أنك بكلامك هذا إنما تروج لسياسات نتنياهو.
أما بالنسبة للتنمية والتطوير التي تتحدث عنهما، فهل كانت فلسطين حقا يوما عقبة في طريق تطوركم؟ ولِم يطرح موضوع التنمية الآن؟ أليست المملكة قائمة منذ عشرات السنين، فلم لم تفكروا في التنمية؟ ولماذا لم ترفع أنت وغيرك من السعوديين الجدد أصواتكم مطالبين بالتنمية والتحرر والتخلص من العبودية. ما قدمته السعودية من دعم، على مدى عقود لفلسطين لا يعادل%5 من ثمن الصفقة الأخيرة التي وقعها النظام مع ترامب. وهل كانت فلسطين يوما ضد انعتاقك وتحررك من الماضي في بلادك؟ أم أن الماضي هو فقط تاريخ فلسطين وقضيتها؟ فهل وقفت فلسطين يوما في طريق السماح للمرأة السعودية بقيادة السيارة؟ وهل هي فلسطين التي تفرض على المرأة السعودية تغطية نفسها من الرأس حتى أخمص القدمين؟ وهل هي فلسطين التي تحرم المواطن السعودي من أدنى حقوقه السياسية والاجتماعية وحرية التعبير؟ وهل هي فلسطين التي منعتك وغيرك من «المتفتحين والمنفتحين!» من انتقاد الأوضاع السياسية؟ هل هي فلسطين التي تقف في طريق بناء دور السينما والمسارح في السعودية؟ هل هي فلسطين التي سمحت بقتل طالبات حرقا، لأنه لم يسمح لرجال الإطفاء بدخول المدرسة لاخماد الحريق خوفا من أن تنكشف عليه الطالبات؟ وهل هي فلسطين التي تمنع الاحزاب السياسية في السعودية؟ وهل هي فلسطين التي تقف وراء عصابات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أم الحركة الوهابية سبب مصائبنا؟
هل هي فلسطين التي عززت الفساد المالي حتى زج بالسجون المئات من الأمراء بتهمة الفساد، بقرار من ولي عهد، وهو نفسه أنفق قرابة مليار ونصف المليار على ثلاثة مشتريات، لوحة المسيح لدافينتشي، ومنزل في فرنسا ويخت. لم نسمع صوتك منتقدا!
هل هي فلسطين التي ضيعت المملكة من أجلها الاف مليارات الدولارات على أسلحة منها ما بقي في المستودعات حتى علاه الصدأ، وآخرها لم يستخدم إلا لضرب الشعب اليمني؟
هل هي فلسطين التي تعيق التقدم التكنولوجي.. يا رجل قبل أن تتحدث عن التقدم التكنولوجي وصناعة دبابة أو أسلحة خفيفة أو عتاد، أليس الأولى بك أن تصنع «الغترة» التي تضعها على رأسك. أما بالنسبة للصاروخ والدبابة فإن الشعب الفلسطيني، وكما وفّر المدرسين والمهندسين والأطباء وغيرهم من قبل، قادر على توفير تقنية صنع الصواريخ والطائرات من دون طيار وغيرها.
لا أعتقد أن الدكتور تركي يستطيع أن ينكر أن الشعب الفلسطيني الأكثر تعليما وثقافة في العالم العربي، رغم الاحتلال والتهجير، وهذا ليس تباهيا بل واقع. واعتقد أن الدكتور تركي الحمد يدرك جيدا أن مئات الآلاف، إن لم يكن الملايين من السعوديين وغيرهم، خاصة في دول الخليج تلقوا تعليمهم على أيدي مدرسين فلسطينيين. ولم يحصل أن تمنن الفلسطينيون على أحد. الشعب الفلسطيني لا ينتظر منة ولا صدقة من أحد، فهو من يتصدق بالعلم والخبرة والثقافة والطاقة البشرية المنتجة.
الثورة الفلسطينية كانت قبلة الثوريين والمناضلين في العالم. وكانت إلى جانب الثورة الفيتنامية في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، ملهمة للكثير من الثورات وللشعوب المتطلعة للحرية والتحرر.
ونذكر الدكتور الحمد بثورة اطفال الحجارة في الثمانينيات التي نجحت في إعادة اسم فلسطين إلى خريطة الكرة الارضية، وأغنت قواميس العالم بمصطلحات جديدة.
أنت تعرف يا دكتور أن فلسطين لم يبعها أصحابها، وإن ستة ملايين منهم يعيشون فوق ترابها، وإن ثوراتهم لم تتوقف ولن تتوقف حتى دحر الاحتلال وتحقيق الاستقلال، والشعب الفلسطيني الحي قادر على إقامة دولة ديمقراطية بالتأكيد لن تكون كغيرها.
والفلسطينيون موجودون في الخارج، إما لاسباب قسرية (لاجئون وينتظرون لحظة العودة) وإما إنهم يعملون من اجل توفير لقمة عيش كريمة لأهلهم ودعم صمودهم حتى لا يعايرهم أحد.
ونوضح لصاحب الدكتوراه في العلوم السياسية أن تمَسُّح القوى السياسية العربية ووقوع الانقلابات التي كانت ترفع القضية الفلسطينية كقميص عثمان، لا يعيب الشعب الفلسطيني ولا ينتقص من قضيته، وإن كان هناك ما يمكن أن يقال فإنها تبين مدى قدسية هذه القضية وعدالتها، وتمسك الشعوب العربية، بمن فيهم الشعب السعودي الذي وقف وقاتل إلى جانب الشعب الفلسطيني خلال النكبة، أما العيب فهو في من استغلوا اسمها ويتهجمون عليها، خدمة لتيار يتبلور في السعودية ودول خليجية. تيار يعمل على ثلاثة محاور، الأول التشكيك في القضية الفلسطينية وعدالتها والتقليل من أهميتها ومحاولة إخراجها من قدسيتها، مثلك ومثل الوزير البحريني.
المحور الثاني ويمثله حكيم الذي يحاول التشكيك في عروبة وفلسطينية القدس وتاريخها. والثالث الذي يقوده ولي عهدكم ويحاول ممارسة الضغوط السياسية والمالية على القيادة الفلسطينية. وتلتقي هذه المحاور حول هدف واحد وهو تمهيد الطريق لشرق أوسط جديد محوره السعودية وإسرائيل في مواجهة محور إيران.
واخيرا أعجبني ما قاله أحد المعلقين على أقوال الحمد. فهو يعكس مآسينا التي غفل عنها «الكاتب الكبير» وهي أن المشكلة لا تكمن في فلسطين، بل في استعمار جديد يريد إعادة ترتيب المنطقة وفق سايكس ـ بيكو جديد. ونتفق معه على أن فلسطين ليست آخر المطاف وسينطبق عليكم المثل «أكلت يوم أكل الثور الأحمر».
ويقول في طفولتي كان خطيب الجمعة يدعو.. اللهم انصر إخواننا في فلسطين. كبرت فأصبح خطيب الجمعة يدعو: اللهم انصر إخواننا في فلسطين وأفغانستان والشيشان.. وكبرت ووصلت سن المراهقة فأصبح خطيب الجمعة يدعو: اللهم انصر إخواننا في فلسطين وأفغانستان والشيشان والصومال والعراق وسوريا واليمن وبورما؟ فتقدم العمر أكثر فصار الخطيب يختصر الدعاء بقوله: اللهم انصر المسلمين في كل مكان.
وأتساءل: ماذا بقي من أمة ذهبت قدسها وشامها وعراقها وليبياها ويمنها والحبل جرار ولا تعتقدوا بأن مكتها ومدينتها بمنأى.
واختتم بالقول يبدو أن السعوديين والخليجيين الجدد فقدوا الأخلاقيات كما فقدوا إنسانيتهم وفوق ذلك وطنيتهم ولكن فلسطين وقدسها، باقيتان طالما بقي في العالم فلسطيني واحد.
* علي الصالح كاتب فلسطيني
المصدر | القدس العربي