تحولات المملكة السعودية ابعد وأعمق من السماح للمرأة بقيادة السيارة
عمرالرّداد
تشهد المملكة السعودية تحولات جذرية شاملة وعميقة ، تشمل كافة مناحي الدولة ،سياسيا واقتصاديا واجتماعيا ، تؤسس لترجمة رؤية ولي العهد السعودي،وفق الخطة الشاملة المعروفة بعام 2030،هذه التحولات ستفضي بالنهاية في مخرجاتها لتحول في بنية الدولة السعودية في كافة المناحي ،غير أن أهمها على الإطلاق والذي يشد انتباه المحللين والمتابعين والدارسين تلك التحولات المرتبطة بانفكاك الدولة عن المؤسسة الدينية وإنهاء العلاقة معها باتجاه تحجيم دور هذه المؤسسة وصولا إلى القطعية معها اوعزلها دون أن يكون لها رأي في كافة مفاصل الحياة اليومية ومعاش الناس،خاصة وان رؤى هذه المؤسسة ومقارباتها ومطارحاتها تتجاوز حدود المملكة السعودية لتشمل كل بقعة على الأرض يتواجد فوقها مسلمون مهما كانت قوتهم وعددهم ، هذه المؤسسة ذات جذور عميقة وراسخة في بنية الدولة السعودية ومؤسساتها وكذلك المجتمع السعودي باختلاف أطيافه وطبقاته ، وتشكل أهم أركان الدولة السعودية ، منذ أزيد من قرن، بحيث أصبحت جزءا لا يمكن بناء تصورات حول شكل ومضمون الدولة السعودية بدونها، وربما يسّوغ هذا الارتباط التاريخي وسطوة هذه المؤسسة مشروعية تساؤلات كثيرة حول احتمالات نجاحات وإخفاقات تلك التحولات ومستقبلها.
التحولات التي تشهدها السعودية، اكبر وأعمق من مسالة السماح للمرأة للسعودية بقيادة السيارة، او السماح بإقامة حفلات مختلطة، وإقامة مدن للترفيه ودور للمسرح والسينما، إذ تبدو سطحية أمام التغيير الذي يتم على قدم وساق باتجاه قوننة الدولة ودسترتها، بالتوازي مع تحجيم دور المؤسسة السلفية ذات الجبروت في دوائر الإفتاء والجامعات ومناهج التعليم والحضور المكثف لرموز هذا التيار في كافة مفاصل الدولة، وهو ما أسهم في تأسيس بنية للتطرف ، تجاوز عبر سنوات مساحة المملكة السعودية ، الى دول إسلامية كثيرة،حيث أصبح خريجو الجامعات السعودية من المشايخ رموزا للفتوى في بلدانهم، بفتاوى ملفتة لقضايا لم تكن موضع تساؤل ، كجواز الترحم على الميت المسيحي في بلاد الشام ، وتهنئته بأعياده، وهي الفتاوى التي تقوم على امتلاك الحقيقة ورفض الآخر.
وفي ظل عدم وجود دراسات قياس رأي عام سعودي تجاه التحولات ، فان غالبية الإحكام التي تصدر تبقى انطباعية، تستند للصور النمطية المرسومة حول المجتمع السعودي ،قبل الشروع بتلك التحولات،ولمسحوات غير دقيقة لما ينشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي ، إلا أن ما يرشح من تلك الردود يشير إلى أن هناك مقاربتين ، الأولى :تعتقد أن المجتمع السعودي وارتباطا بقوة وسطوة المؤسسة الدينية وقبليته ،فان احتمالات نجاح هذه التحولات سيبقى موضع شكوك عميقة ، والثانية: تعتقد ان المجتمع السعودي لديه الجاهزية لقبول هذه التحولات ،وخاصة المرتبطة بالانفتاح بمفهومه الشامل ، حيث ان ثلثي المجتمع السعودي(58%) وفقا لإحصاءات رسمية، من الشباب ممن تقل أعمارهم عن ثلاثين عاما، إضافة لمفاعيل العولمة واختراقاتها، خاصة في الجانب التكنولوجي ومواقع التواصل الاجتماعي ،وهو ما يعني ان التحولات ضرورة موضوعية.
ومن الواضح وفقا لما تطرحه وسائط إعلامية إن هناك صراعا بين تيارين في أوساط قادة الرأي العام ، الأول ليبرالي تقوم مقارباته على مغادرة مربعي الدولة الدينية والقبلية ،يمثله عدد كبير ممن درسوا في الغرب وكتاب ومفكرين وأساتذة جامعات ومهنيين ، فيما يمثل التيار الثاني مجاميع رموز دينية سلفية بأطيافهم المختلفة ،بمن فيهم جماعة الإخوان المسلمين من سعوديين وغيرهم، الدولة لم تأخذ موقف الحياد من هذا الصراع ، حيث تدل الكثير من المؤشرات أنها تقف الى جانب الاصلاح ، ومن بين تياراته التيار الليبرالي، وهو ما يؤكد حقيقة ان التغيير في منظومة حقوق الإنسان الشاملة والإصلاح في الإقليم لا يتحقق الا من خلال قرارات سيادية من قبل الدولة، وانه لتحقيق ذلك لابد من ممارسات قد تبدو متعارضة مع تلك المنظومة، مع الأخذ بعين الاعتبار سيناريوهات ردود فعل التيار السلفي المتوقعة ،ويبدو أنها لم تتبلور بعد ، وقد تصل لمستويات عنيفة استنادا لقواعد فقهية بالتكفير.
وفي الخلاصة فان التغييرات التي تشهدها المملكة السعودية ، لن تكون تجعل من السعودية سويسرا الجديدة ، لكنها ربما تفوق ما هو قائم في بعض دول الخليج اليوم ،وسيرتبط الحكم علي تلك التغييرات داخليا، بمدى توافقها مع الإجراءات والقرارات الاقتصادية الخاصة بالضرائب والبطالة ومدى ملموسية المواطن السعودي لتحسن أوضاعه المعيشية او على الأقل عدم تراجعها ، وهو ما يشكل تحديا جادا أمام المخططين الاقتصاديين ،في ظل انخفاض أسعار النفط وتخفيض الاعتماد عليه الى النصف،وعجز الموازنة، فيما خارجيا تتم متابعة التغييرات من قبل دوائر عديدة بطريقة مجهرية ،وسيتم الحكم عليها بمدى إسهامها في خفض أسباب التطرف والإرهاب ، رغم الجهود التي بذلتها السعودية منذ أحداث 11 سبتمبر، في ضبط العمل الدعوي والخيري الذي تحيط به شبهات حول دعم التطرف والإرهاب خارج حدود المملكة ، وهو ما يدعو لمتابعة قوى إقليمية متعددة اليوم ، ترعى الإسلام السياسي والداعشي ، تضررت من هزيمة داعش ، ومن المؤكد أن تحولات السعودية ستجعل تلك الجهات بحالة انكشاف في دعم الإرهاب، خاصة وان تحولات السعودية تجيب على السؤال المركزي بأنها تملك مشروعا متكاملا يتناقض مع مشروع داعش ولا يتقاطع معه في أية محطة، وربما تجعل تهمة الوهابية والتكفيرية أضحوكة لمروجيها.
كاتب اردني