وجه التشابه بين أزمتي السعودية مع قطر وايران
صالح السيد باقر
في الظاهر لا يوجد أي وجه تشابه بين الأزمتين اللتان انتهتا الى قطع العلاقات بين الرياض من جهة والدوحة وطهران من جهة أخرى، ولكن لو تمعنا قليلا في تفاصيل الأزمتين لوجدنا هناك تشابه في عدة وجوه وليس وجها واحدا، وبالأحرى لنقل أن هناك تشابه رئيسي واحد وتشابهات ثانوية.
فمن التشابهات الثانوية هي أن السعودية اتهمت ايران وقطر بتعريض أمنها وأمن بعض الدول للخطر من خلال دعم بعض من أسمتهم السعودية بالارهابيين، وتقصد بهم المعارضين، فبما أن السعودية لديها معارضين شيعة وسنة لذلك وجدت أن أفضل طريقة لتشويه سمعتهم والتمهيد لقمعهم هو الايحاء بأن المعارضين الشيعة مرتبطين بايران والسنة مرتبطين قطر.
ومن المتشابهات الثانوية هي أن السعودية رفضت عودة العلاقات الدبلوماسية مع ايران وقطر دون أن تذعنا بالكامل لمطالبها وشروطها، ولو أخذنا بنظر الاعتبار الشروط التي وضعتها الرياض لاستئناف علاقاتها مع الدوحة وطهران لوصلنا الى قناعة ان السعودية تريد تحقيق غايات أخرى من هذه القطيعة ولو كانت تريد التوصل الى حل لما طالبت بتنفيذ شروط تعجيزية.
السعودية تطالب ايران بالتخلي عن كل مبادئها وأهدافها التي وردت في الدستور الايراني والتي تٌلزم الحكومات الايرانية بتنفيذها، مقابل عودة العلاقات، كما انها تدعو قطر الى التخلي عن كل ما بنته وحققته طوال السنوات الماضية والتخلي عن أي دور لها في المنطقة والعالم وتكون تبعا لها شأنها شأن البحرين ودول أخرى، مقابل عودة العلاقات.
اصرار السعودية على تنفيذ ايران وقطر شروطا تعجيزية يقودنا الى التشابه الرئيسي والاساسي في الأزمتين القطرية والايرانية فالسعودية تريد أن تبقى جذوة الأزمة متقدة حتى يتحقق الهدف الرئيسي من استمرارها، فيا ترى ما هو الهدف الرئيسي من الأزمة مع ايران وقطر؟
فيما يتعلق بايران فان الجميع يعلم أن الرياض قررت قطع علاقاتها مع طهران بعد الهجوم على السفارة السعودية في طهران واحراق القنصلية السعودية في مشهد، وقد وقع الهجوم والحرق بعد اعدام السلطات السعودية للمعارض البارز آية الله الشيخ نمر باقر النمر، فقد استثمرت الرياض الهجوم والحرق أيما استثمار، وذلك عندما صعدت من لهجتها ضد طهران حتى بدأت وسائل الاعلام تتحدث عن هجوم عسكري أو ضربة عسكرية سعودية ضد ايران انتقاما للهجوم على سفارتها، كما ان أغلب دول العالم ادانت الهجوم على السفارة السعودية وتعاطفت مع الرياض، وفي ظل هذه الضجة الاعلامية الواسعة تجاهل العالم ومنظمات حقوق الانسان قضية النمر الذي أعدمته السعودية لمجرد انه انتقدها.
الرياض ضربت عصفورين بحجر واحد، فقد تخلصت من الشيخ نمر النمر وفي نفس الوقت حصلت على تعاطف دولي معها نتيجة الهجوم على سفارتها وايضا انتقادا دوليا لطهران في هذا الاطار.
وما يتعلق بقطر فأيضا للسعودية هدف رئيسي من هذا التصعيد يمكننا التعرف عليه لو عدنا قليلا الى الوراء، فالجميع يتذكر أن الأزمة انفجرت خلال زيارة الرئيس الأميركي للسعودية وبالتحديد اثناء اجتماعه مع قادة دول مجلس التعاون، ومع وجود تناقض في الروايتين القطرية والسعودية حول ما جرى في الاجتماع حيث قالت وسائل الاعلام السعودية ان ترامب اتهم قطر خلال الاجتماع بدعم الارهاب بينما رواية وسائل الاعلام القطرية تقول أن ترامب اتهم قطر والسعودية بدعم الارهاب، فيبدو ان الرواية القطرية أقرب للواقع، ولكن الضجيج الذي نشهده اليوم يوحي للعالم برمته أن هناك داعم واحد للارهاب وليس داعمين، وهذا بالتحديد ما أرادت الوصول اليه السعودية من أزمتها مع قطر.
العالم كله يدرك أن السعودية تدعم الارهاب ماليا وعسكريا بل وبشكل علني في بعض البلدان كسوريا، بينما تدعمه معنويا وفكريا وبصورة غير مباشرة في أغلب بلدان العالم، فكل الارهابيين في العالم يتبنون الفكر المتطرف الذي تموله السعودية وتسعى الى نشره.
السعودية تسعى الى ابعاد الشبهات والاتهامات عن نفسها من خلال اثارة الأزمة مع قطر ولم يعد أحد يتحدث اليوم عن الدعم السعودي للارهاب بل أن كل الشبهات تحوم حول قطر، وستبقى الأنظار بعيدة عن السعودية ما دامت الأزمة متأججة، ولذلك وضعت الرياض شروطا تعجيزية على قطر، فاذا وافقت قطر على الشروط فانها حققت مكسبا عظيما، واذا لم توافق فانها تكسب ايضا استمرار الازمة والانظار تبقى متوجهة لقطر بدلا السعودية، وتسعى بين فترة وأخرى الدول الى حلها دون أن يلتفت احد الى القضية الرئيسية وهي الدعم السعودي للارهاب.