التقييم الأمريكي لحصار قطر: معركة لا لزوم لها تعزز نفوذ تركيا وإيران
ترجمة وتحرير فتحي التريكي - الخليج الجديد
في 25 مارس / آذار 2011، أقلعت طائرة ميراج تابعة لسلاح الجو القطري من قاعدة سودا الجوية في كريت للمساعدة في فرض منطقة حظر جوي تحمي المعارضين من قصف نظام الرئيس الليبي «معمر القذافي». وكانت العمليات القطرية أكثر من رمزية، حيث قام الجيش القطري بتدريب المعارضين وشحن الأسلحة ومرافقة وحدات القتال في المعركة، ولعب كحلقة وصل بين قادة المعارضين وحلف الشمال الأطلسي. وقال ضابط عسكري أمريكي متقاعد رفيع المستوى: «لم يكن علينا أن نمسك بأيديهم. ببساطة، بينما كانت الولايات المتحدة تقود من الخلف في ليبيا، كان القطريون هم من يديرون المشهد».
لم ينس البنتاغون دور قطر في ليبيا وهو أحد الأسباب التي جعلت وزير الدفاع «جيمس ماتيس» يعمل بجد للتصدي للخلاف بينها وبين الإمارات والسعودية ومصر. في الواقع، فإن «ماتيس» فوجئ من التحرك السعودي، وفق ما نقله ضابط عسكري كبير: «لقد اعتقد أن السعوديين اختاروا معركة لا لزوم لها، في وقت اعتقدت فيه الإدارة أنها وحدت دول الخليج في جبهة ضد إيران».
وفي وقت الإعلان السعودي، كان «ماتيس» في سيدني مع وزير الخارجية «ريكس تيلرسون» لتخفيف المخاوف بشأن انسحاب إدارة «ترامب» من اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادي واتفاقات باريس للمناخ. وعندما ذكر الانقسام الحادث بين السعوديين والقطريين، وصفه «تيلرسون» أنه ليس أكثر من «أحد مهيجات التوتر الجديدة في المنطقة مؤكدا أنه لن يضعف المعركة الموحدة ضد الإرهاب».
ولكن في حين كان جواب «تيلرسون» يهدف إلى تهدئة المخاوف بشأن الأزمة، وراء الكواليس كان هو و«ماتيس» يتجادلان للتخلص من الأضرار الناجمة عن العمل السعودي. وقد اجتمع الاثنان في سيدني وقررا أن «تيلرسون» سوف يأخذ زمام المبادرة في محاولة لحل الأزمة. ولهذا السبب، وبعد ثلاثة أيام من مؤتمر سيدني الصحفي، دعا «تيلرسون» المملكة العربية السعودية والإمارات والبحرين ومصر إلى تخفيف الحصار المفروض على قطر وأعلن أن الولايات المتحدة تدعم جهود الوساطة التي تقودها الكويت. وكان «تيلرسون» يعارض التصريحات التي أطلقها «دونالد ترامب» في نفس اليوم أن قطر «كانت تاريخيا ممولا للإرهاب».
ويقول أحد المقربين من وزارة الخارجية إن «تيلرسون» لم يكن يعلم شيئا عن بيان «ترامب». كما أن بعض مساعديه أكدوا أنهم مقتنعون بأن الكاتب الحقيقي للبيان هو سفير الإمارات العربية المتحدة «يوسف العتيبة»، وهو صديق مقرب من مستشار ترامب وصهره «غاريد كوشنر».
في حين أشار «ترامب» في بيان 9 يونيو/حزيران إلى أن الولايات المتحدة تميل نحو السعوديين والإمارات العربية المتحدة، فإن «تيلرسون» و«ماتيس» مالا نسبيا نحو قطر. وقال ضابط عسكري أمريكي متقاعد في تفسيره لذلك«"في كل مرة طلبنا من القطريين شيئا قالوا نعم، وهذا ليس صحيحا بالنسبة للسعوديين. بدأ الأمر بالمساعدة في ليبيا لكنه يذهب إلى ما هو أبعد من ذلك، بينما لم تكن حرب السعودية في اليمن سوى كارثة ووصمة عار».
بعد ستة أيام من تصريح «ترامب»، التقى «ماتيس» بوزير الدفاع القطري «خالد العطية» للتوقيع على اتفاق لنقل 36 طائرة مقاتلة إلى قطر في صفقة قيمتها 12 مليار دولار. في نفس اليوم الذي أعلن فيه «ماتيس» عن اتفاقية قطر للأسلحة، قال «تيلرسون» للجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب إنه سيكون من الخطأ تصنيف جماعة الإخوان المسلمين كمجموعة إرهابية، وهو أحد الأسباب الرئيسية للحصار قد قطر. وقال «تيلرسون»: «هناك عناصر من جماعة الإخوان المسلمين أصبحوا أجزاء من الحكومات، وهم يشغلون مقاعد برلمانية في بلدان مثل تركيا والبحرين». وقال «تيلرسون» إن أمثال هؤلاء لا ينتهجون العنف والإرهاب لذا سوف يكون من الخطأ تسمية الإخوان في مجملها كمنظمة إرهابية.
ولكن السبب الرئيسي للانحياز مع قطر كان واضحا لأي شخص يعرف كيفية قراءة الخريطة. تستخدم الولايات المتحدة قاعدة العديد الجوية جنوب غرب الدوحة، كمقر لقيادة جميع العمليات الأمريكية في المنطقة. والأهم من ذلك، لاسيما من وجهة نظر «ماتيس»،أن العداء السعودي القطري لم يقتصر على تحطيم التحالف المناهض لإيران الذي قامت الإدارة بجمعه معا خلال رحلة الرئيس إلى الرياض، إلا أنه أعاد رسم خريطة جيوبوليتيكية للشرق الأوسط، حيث قامت تركيا بنشر قواتها في قاعدة عسكرية في قطر، بينما اتخذت إيران خطوات للمساعدة في تخفيف الحصار الذي تفرضه السعودية.
وقال لي أحد كبار مستشاري البنتاغون الذي يعمل في الشرق الأوسط: «لقد أخبرنا السعوديون والإماراتيون مرارا وتكرارا أنهم يريدون إضعاف إيران، لكنهم يقومون فعليا بتمكينها». وأضاف: «هذه الإجراءات لن ترهب قطر ولكنها ستدفعها أكثر نحو إيران والنتيجة هي تحالف تركي إيراني قطري غير مستقر تدعمه روسيا».
المصدر | أميركان كونزيرفاتيف