الازمة الخليجية والسياسة الخارجية للسعودية وقطر
عباس عاصي
تطرح الازمة الحالية بين دول الخليج العديد من الاسئلة حول اداء السياسة الخارجية لقطبي الصراع فيها، اي السعودية وقطر، خصوصا ان الصراع الحالي هو الاكثر حدة واكثر صعوبة لايجاد حل له.
تتميز دول الخليج بأنها مملكات تأسست بمساعدة المحتل الاجنبي وحفظت ديمومة حكمها من خلال الحماية التي يؤمنها لها اما عبر قواعد عسكرية على اراضيها او مساعدات عسكرية وسياسية. وهذا ملاحظ من خلال اداء قطر، فبعد نشوب الازمة الحالية لجأت الى عقد صفقات تجارية مع الولايات المتحدة إسوة بصفقة مليارات الدولارات التي ابرمتها السعودية مع واشنطن. فهي تعيش دائما هاجس الخوف على نفسها لان قوة حكمها مستمدة من تحالفاتها الخارجية وليست من الشعب، حالها حال غيرها من دول الخليج.
الازمة الحالية بين الدولتين لها عدة اسباب منها قدرة قطر على توسيع نفوذها الاقتصادي على حساب الرياض، مثلا الطيران القطري اصبح منافسا قويا للطيران السعودي والاماراتي والمشاريع التجارية في فرنسا وغيرها. ثانيا، استطاعت الدوحة توسيع وتعزيز نفوذها السياسي في العديد من الدول العربية على حساب الدور السعودي كلبنان والعراق وسوريا. هذا كله عزز من زعامتها على حساب الدور السعودي الاقليمي والدولي.
مراجعة اداء السياسة السعودية والقطرية في الفترة التي تلت الربيع العربي تضيء على عدة فروقات واختلاف في الاداء السياسي للدولتين. اولا، تميزت السياسة السعودية بالمواجهة مع اخصامها ورفع سقف مطالبها بينما تميزت السياسة القطرية بالبرغماتية والسعي لكسب اقطاب الصراع في المنطقة على الرغم من ان إعلامها خصوصا قناة الجزيرة تتخذ مواقف حادة من القضايا التي تواجه العالم العربي. وقد يعود ذلك الى ادراك الحكم القطري بان المواجهة المطلقة مع اي طرف اقليمي قد يكلفها اكثر من قدرتها، خصوصا وانها دولة اقليمية صغيرة من حيث المساحة الجغرافية وعدد السكان، كما انها لا تملك اي موقع ديني يعطيها شرعية دينية وسياسية مثل الحرمين الشريفين في المملكة. وهذه السياسة تتبعها عادة الدول الصغيرة خصوصا في اقاليم تكثر فيها الاضطربات السياسية والحروب.
السياسة السعودية تجاه عدة قضايا تشير الى ضعف في الرؤية السياسية والخبرة الدبلوماسية لدى الحكام الحاليين للمملكة. اولا، فقد دخلت حربها مع اليمن من دون اي افق سياسي. شنت الحرب منذ اكثر من سنتين وقد كلفتها مليارات الدولارات من دون ان تحقق اي نصر حاسم. في المقابل ساندت الدوحة الرياض في حربها على اليمن ولكنها ابقت على علاقاتها الدبلوماسية مع ايران على الرغم من ان سبب الحرب المعلن هو منع تمدد نفوذ طهران في اليمن، الحديقة الخلفية للسعودية. وقد يعود سبب ذلك الى ادراك الدوحة الى عدم قدرتها على الوقوف في وجه السعودية وعدم جدوى العداء مع ايران. يعود ذلك ايضا الى رغبتها في اغراق السعودية في مستنقع اليمن مع ما يكلف ذلك الميزانية السعودية والاحراج الدبلوماسي. بحسب تسجيل مسرب لامير قطر السابق حمد بن خليفة فان الدوحة تعول كثيرا على صراع داخل العائلة الحاكمة لتفكيكها، والحرب على اليمن قد تسرع من هذا الخلاف خصوصا وان محمد بن نايف ولي العهد السابق لم يكن متحمسا لها.
ثانيا، اتخذت السعودية موقفا حادا لمواجهة الاخوان المسلمين في الوطن العربي ومنع تمدد نفوذهم، علما ان هذا التيار لا يمكن الغاؤه من خلال موقف سياسي لانه يتمتع بقاعدة شعبية واسعة وقدرات تنظيمية فعّالة قادرة على تأمين حضوره السياسي والشعبي. وقد جرّها هذا العداء الى اتخاذ موقف من تركيا وقطر. في المقابل تسعى قطر الى استقطاب التيارات الاسلامية على اختلاف توجهاتها الايديولجية وتأمين حاضنة لها، فهي تستضيف الشيخ يوسف القرضاوي احد ابرز داعمي الاخوان المسلمين، كما شيّدت مسجدا باسم محمد بن عبد الوهاب احد ابرز المرجعيات الدينية عند التيارات السلفية.
ثالثا، استخدمت السعودية المواجهة مع ايران ورفع سقف المواجهة معها الى اقصاه، في المقابل لجأت قطر الى الحفاظ على شعرة معاوية معها علما بان اعلامها يتخذ موقفا حادا ضدها. تتصرف السعودية في ادارة صراعاتها في المنطقة بناء على اسس سياسية ضعيفة، فهي تظن ان باستخدام خطاب طائفي والتعويل على تحالفها مع الولايات المتحدة سوف يعزز من موقعها السياسي ومن قدرتها على مواجهة خصومها الاقليميين.
تتسم السياسة السعودية بانها متعجرفة ولا تلتزم بأي رؤية سياسية واضحة، ما زاد من تقيد السياسة السعودية الخارجية وفشلها هو سعي بعض اطراف الحكم الى توظيفها بغية تعزيز سلطتهم في الداخل. مثلا وظّفت حرب السعودية على اليمن بغية اضفاء شرعية اكبر على قيادة محمد بن سلمان للحكم. تميز حكم محمد بن سلمان بالاندفاع والمجازفة من اجل الاسراع في انتقال السلطة اليه. وقد تحقق ما كان يصبو اليه من عزل محمد بن نايف وتوليه ولاية العهد مكانه، فهو وصل الى الحكم بفضل ابيه وهو لا يتمتع بأي خبرة في العمل السياسي والدبلوماسي ولا يملك رؤية واضحة للحكم وادارة شؤون الدولة. في المقابل، السياسة القطرية تبدو اكثر تعقلا واقل انفعالا. فهي تتبع سياسة النفس الطويل في الازمة الحالية على الرغم من العداء التي يكنّه لها اخصامها في دول الخليج.
قد تلجأ السعودية في المستقبل الى سياسات خارجية اكثر تعجرفا وتسرعا. ان محمد بن سلمان لن يهدأ له بال قبل ان يضمن تنصيبه على العرش لذلك سوف يسعى الى اتباع سياسات اكثر مجازفة من اجل تعزيز شعبيته الداخلية وارضاء حلفائه الاقليميين والدوليين. وقد لجأ الى “رشوة” الادارة الاميركية بمليارات الدولارات من اجل تعزيز نظام الحكم وموقعه فيه. ومن الملاحظ ان عزل محمد بن نايف اتى بعد زيارة دونالد ترامب للسعودية، مما قد يزيد من النقمة عليه داخل اروقة الحكم السعودي. لذلك سوف يسعى الى سياسات تستوعب الرأي العام من خلال مثلا رؤية 2030 لتعزيز النمو الاقتصادي للممكلة او اتباع سياسة خارجية اكثر مجازفة كي يعزز شعبيته ويفرض نفسه كرجل دولة والحاكم الاقوى.
، باحث اكاديمي، دكتوراه في العلوم السياسية من جامعة ليدز في بريطانيا، مؤلف لعدة ابحاث اكاديمية.