في فجر يوم الأربعاء ١٣ شعبان ١٤٣٨ الموافق ٢٠ مايو ٢٠١٧م، أقدمت قوات النظام السعودي الإرهابية وأرتاله العسكرية على مداهمة دامية لحي المسورة ببلدة العوامية في القطيف بالمنطقة الشرقية بعد محاصرتها من جميع المنافذ، وكان دخولها إلى الحي بعشرات الآليات المصفحة والمدرعات المتمرسة، وبدأت بعدها بتنفيذ حرب متوحشة مستمرة حتى الآن، وخلفت دماراً هائلا وضحايا من الجرحى والشهداء.
إن الوجود الشيعي في المجتمع الحجازي يعاني من أزمة حقيقية منذ أن هيمنت العائلة السعودية على مقاليد الحكم والسلطة، وهي أزمة لا تقف عند أبواب الحقوق والسياسة، بل تطال الهوية والعقيدة.
هذه الأزمة التي يمسك بمفاصلها النظام الحاكم؛ ازدادات وتوسّعت في الداخل مع انطلاق حراك الصحوة الإسلامية العارمة في العالم الإسلامي والعربي في هذه الحقبة المرحلية؛ لأن المكونات المحرومة والمستضعفة في الواقع الحجازي استنشقت من عبق هذه النهضة الحية أملَ الانفراجة النوعية التي تسترد لها عزتها وكرامتها، فهبّت قطيفُ الإباء والشجاعة لتطالب باسترجاع ذاتها ورفع مظلوميتها والشعور بوجودها وتأثيرها في صياغة حياتها ونظامها، إلا أن الرد الإرهابي الظالم القائم على السفك والإنتهاك من قِبل النظام؛ كان دائما هو لغة الجواب وحرْفة الموقف وطابع المنهج والسلوك، خصوصا مع بلدة العوامية في هذه الفترة الراهنة.
فأهالي العوامية ذووا النَّفس المؤمنة والروج الشجاعة والصلبة التى ترفض الخضوع والإستسلام؛ يشكلون محضنا دافئا للثوار والناهضين في وجه الطاغوت، ويمارسون باستمرار الفعالية الثورية ضد الذل والطغيان، ويواصلون الحركة الأبية تجاه قيم العدالة والإنسانية؛ تعبيرا عن الصوت المظلوم والمكتوم في نفوس الشعب، وبحثا عن مساحات التغيير الاجتماعي الذي تنادي به فطرة الإنسان وتعترف به مجتمعاته وعقلاؤه، إلى جانب تضمنهم لشخصيات نهضوية صادقة تجسد ملامح رجالات الله في إحساسها بالمسؤولية الرسالية بكل متطلباتها ومنعطفاتها، وقيامها بتكاليفها الشرعية بكل مدياتها وصعوباتها، ولا يغادرنا في هذا السياق الشهيد العزيز الشيخ نمر النمر، الذي نهض بأعباء “زئير الموقف والكلمة”، ورفع صوته عاليا أمام أعتى نظام متجبر لا يرعوي عن الإذلال والاستضعاف، وتحمَّل أثمانها الباهظة التي ذهبت فيها روحه الطاهرة، في لحظةٍ خيم على المشهد الاجتماعي الصمتُ والسكوت من قِبل المعنيين بقضايا الإنسان والمجتمع في الواقع الحجازي، وكان يعتقد الشيخ النمر في تضحيته الجسيمة وفدائه الكبير، لأجل عزة أمته وكرامتها، (يعتقد) صدقا وإيمانا بأنها عبوديةً كاملة لله، وانعتاقًا تاما من سلطوية عبيده؛ ليحقق بذلك كل معاني الروح الحسينية الطاهرة التي تأبى الذلة والمهانة، فدّون – لله وللتاريخ – اسمَه في عداد الثوار الأحرار.
والنظام السعودي نتيجة هذه الخصائص الروحية والثورية لأهالي العوامية العصية على قواته وآلياته – والتي يصعب عليه اقتحامه والتنقل فيها – قد اشتغل على تنفيذ مسلسل من المداهمات الأمنية المستمرة، بهدف إخضاع أهلها واستئصال أبنائها النجباء.
وهذه الروح النهضوية لدى المستضعفين والمحرومين؛ تُعد في أعراف العصابة السعودية – التي تمهر العبودية الظالمة وتعيش على استباحة الحرمات والمقدسات وترى أن الوجود بكل ناسه وخيراته وموارده هو ملك مطلق لها – تعد في أعرافها خطيئة كبرى لا يطهرها إلا القتل والذبح.
والنظام السعودي منذ تسنمه أَزِمَّة الإدارة والسلطة، وهو يمارس هذه السياسة الانتقامية وخياراتها بوصفها إستراتيجية رسمية في الحفاظ على ملكه العقيم. فهو لا يعترف بأي ظاهرة من ظواهر قيم الدولة الحديثة، ولا يرى للشعب دورا في رسم القرار وتشكيل النظام، ولا يقبل بتداول السلطة، ولا يتيح مساحات اختيارية لمكونات المجتمع تعبّر فيها عن نقوداتها وطروحاتها السياسية.
وفي هذه المرحلة الحساسة التي يمر فيها النظام بالأزمات: من دوره التدميري البارز في حروب الإقليم، ومن غرقه في اليمن، وتورطه في سورية، وخسائره في العراق، وعدم قدرته على الإغلاق النهائي لملف البحرين، وضعفه الواضح أمام منافسه “الإسلامي” في المنطقة، وهو النجم الإيراني اللامع، وآخرها حدوث بعض الفتور مع الحليف الإستراتيجي: الأمريكي، جراء مجموعة التطورات والتغيرات. هذا على مستوى الخارج. على المستوى الداخلي فهناك صراع الأجنحة في وسط العائلة الحاكمة، والتحديات الاقتصادية التي مُني بها النظام في الفترة الأخيرة، والتخوف من انطلاق الأصوات الشعبية المناوئة على إثر المستجدات الحالية. على هاتين الجبهتين، الداخلية والخارجية، أضحت العائلة السعودية في مواقع قلق شديد على كيانها السياسي، ما أحوجتها إلى إعادة تموضعها الإستراتيجي من أجل استحكام وجودها وتأثيرها، وذلك من خلال تشكيل ردات فعل انتقامية ذات طابع عسكري وأمني، لترسل مؤشرات موجّهة بوضوح إلى الأطراف المعنية في الداخل والخارج، لتكشف بها عن استمرار قوتها وعنفها وقبضتها الحديدية!
الحلول المقترحة
اليوم، في ظل السياسة السعودية التي تقوم على سحق كرامة الأمة، وامتهان عزتها واستلاب سيادتها، وتتحرك على أساس الاستناد إلى الدعم الأمريكي والبريطاني ومؤسساتهما الحقوقية؛ لا يمكن التعويل في علاج المشكل الدموي هذا على هيئات المجتمع الدولي، ولا منظمات حقوق الإنسان، لأنها بحسب التجربة السياسية الطويلة والعريضة؛ لم تدفع ظالما، ولم ترفع ظلما، ولم تغير واقعا، بل نشاطاتها تمارس فعالية مرتهنة لأجندة الاستكبار الغربي وأنظمته الذيلية، فلذلك هي لا تعرف إلا لغة الشجب والاستنكار، ولا تطال حفظ الدماء والهويات. إنّ الحقوق في عالم الغطرسة السياسية المعاصرة لا تُؤخذ بل تُنتزع.
هناك عوامل يرسمها القرآن الكريم ومنطق التدافع وسنن التاريخ، يمكن لها مع تنشيطها وتراكمها؛ أن تصنع أثرا نوعيا، ولو في المدى المتوسط والبعيد، ومنها:
1/ الفعل الدفاعي من قبل أبناء الشعب على الذات والهوية والوجود، من خلال الوسائل المشروعة المتنوعة.
2/ الروح الثورية الكبيرة التي لديها الإستعداد للفعل والصبر والتضحية والتخطيط، والعمل بمنطق التكليف الشرعي الذي لا يحسب النتائج، ولا يرتهن للتوازنات المادية والإمكانات السياسية، ويرى في نشاطه رضا لله واعتمادا كاملا على قدرته وإرادته.
3/ تدشين الإعلام الاستنهاضي الذي يكشف الحقائق، ويُوصل الأصوات، ويرفع الهمم والعزائم.