هذا ما أسفرت عنه القمم في السعودية
فوزي بن يونس بن حديد
بقدر ما كانت الزيارة التي قام بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى السعودية تاريخية حسب كثير من المحللين السياسيين بقدر ما كانت مشؤومة إلى حدّ كبير على المنطقة برمّتها، هي تاريخيّة لأنها المرة الأولى التي يتوجه فيها رئيس أمريكي إلى المنطقة بعد توليه الحكم في البيت الأبيض، وهي مشؤومة إلى حدّ كبير لأنها جلبت معها الأخبار السيئة والنتائج السلبية على المنطقة برمّتها من نواكشوط إلى اليمن، ففي الوقت الذي كان فيه الرئيس الأمريكي الجديد يتفاخر بعنجهيته غير المعهودة عن الرؤساء السابقين استطاعت السعودية أو لنَقُل نجحت في تكميم أفواه الأمريكيين عبر صفقات خيالية ومن ورائها سحب قانون جاستا الذي كان من المتوقع أن يصادق عليه مجلس النواب والشيوخ في أمريكا.
ولعل القمة الإسلامية هي القمة الأكثر جاذبية حيث جمعت أكثر من 50 بلدا إسلاميا تجمعوا لرؤية ترامب يقول إن إيران هي العدوّ الأول للمسلمين، وحماس وحزب الله منظمتان إرهابيتان، ثم رجع كل واحد إلى بلده وقد اقتنع بهذه الفكرة لتظهر فجأة أزمة كبيرة بين دول الخليج، تصل إلى حدّ قطع العلاقات الدبلوماسية بين بلدان خليجية وقطر إضافة إلى مصر ولحقتها ليبيا واليمن وغيرها من البلدان في الطريق ربّما، وما كانت هذه الأزمة لتندلع لولا الطرح الأمريكي السخيف على طاولة القمة الإسلامية.
وبقيت دولة قطر اليوم تعيش هجوما شرسا لا مثيل من قبل دول جارة، ومن باب حسن الجوار أن تصفح عن جارك لتبقي على مسافة الأمان بينك وبينه حتى لو أنه ظلمك أو حاول أن يستفزك بطريقة أو بأخرى، مما يعني أن النية مبيتة منذ زمن وأن قطر دولة مستهدفة ووجدوا فرصتهم في هذه القشة التي قصمت ظهر العلاقات بين دول خليجية كانت يوما متماسكة إلى حدّ كبير، بل إن نار ترامب امتدت لتطال دولا أخرى بدأ الحراك فيها يشتد كالمغرب والأردن مما لا يبشر العالم برمّته بخير.
إن العالم يصير إلى مجهول وأن المعاناة ستزداد، وأعداد اللاجئين سيتضاعف بشكل رهيب إذا زادت الدول الثلاث وصعّدت من هجماتها الكلامية والحرب النفسية التي قد تتطور إلى حرب عسكرية بينها من جهة، وقطر وإيران من جهة أخرى، ولتعلم الدول الثلاث أن إيران لن تترك قطر وحدها في هذه المعمعة بل ستحاول يقينا أن تقف بجانبها لأنها صارت بالنسبة إليها دولة حليفة وبالنسبة للآخرين عدوا لدودا، وهذا الانقسام الذي ظهر كان مبطّنا وهدفه إثارة الفتنة في دول المنطقة وزعزعة الأمن في السعودية أولا وتقسيمها، وقد قلتُ هذا قبل وما زلت أقُوله أن السعودية مهددة بالتقسيم مثل الدول التي تشهد انهيارات في مكوّنها وتقسيما في جغرافيتها، وإذا استمر الحال على ما هو عليه دون إنقاذ فستشهد المنطقة حروبا مدمّرة وهو ما يسعى إليه اللوبي الصهيوني حتى تخلو الساحة له لنهب ما هو موجود وما بقي على الأرض.
ولا أريد أن أصطنع التشاؤم ولكن الوضع يستدعي التدخل سريعا من العقلاء والحكماء وأصحاب الخبرات والعلماء وأحرار العالم لوقف هذه الحرب النفسية ،ونحن نعيش أجواء رمضان شهر التآلف والتعاون وحسن الجوار، لا بد من الجلوس إلى طاولة الحوار بين الأشقاء بعيدا عن أي حسابات وبعيدا عن أي مناوشات، فمصلحة هذه الدول تكمن في الحوار ولا شيء غير الحوار وما عداه حرب ضروس تهلك الحرث والنسل وتقضي على كل ما بني خلال عقود، ونحن لا نستطيع أن نتحمل حروبا أخرى في المنطقة لأن الحرب في شكلها وجوهرها دمار وخراب وندم ٌعلى عدم ضبط النفس في وقت يشهد العالم كله مآسي كثيرة وآلاما مبْرحة لا يخرج منها بسلام.
إن الدول الثلاث التي قطعت علاقاتها مع قطر لا بد أن تعيد حساباتها وأن تتنازل قليلا من أجل السلم والسلام، فالداعية السعودي صالح المغامسي ذكر في مقطع أو محاضرة له أن هؤلاء بالأحرى أن يكونوا معا سنّة وشيعة وإباضية في وئام وألفة ومحبة، ويعملوا جميعا في ما اتفقوا فيه ويعذر بعضهم بعضا في ما اختلفوا فيه لتستمر السفينة وتمخر في عباب البحر بأمن وأمان، وسماحة الشيخ الجليل أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام لسلطنة عمان كان قد طرح أفكارا متميزة لوحدة الأمة على كلمة سواء والبعد عن كل ما يشقّ صفوفها من قريب أو بعيد، فهم لا يرغبون أن يروا بلدانهم تُدمّر لأجل رغبة جامحة في الاختلاف.
وما هذه الهجمة الشرسة على قطر إلا جرس إنذار للفرقة والشتات، وجرس إنذار لدخول المنطقة في حروب جديدة، وجرس إنذار لتحركات مشبوهة ربما لحرمان دولة قطر من احتضان كأس العالم 2022م، وجرس إنذار لتقسيم دول كانت تنعم بالوحدة الجغرافية والديموغرافية، وتنبيه خطير نحو الوقوع في هاوية لا خلاص منها إلا بفاتورات ثقيلة من المال والعتاد والبشر، لذلك ينبغي التعقّل في مثل هذه المواقف، وإن المنطقة لا تتحمّل أكثر مما هي عليه من آلام وتمزّق وتشتّت.