زيارة ترامب للسعودية....قراءة في البعد الصهيوني لمشروع تشكيل حلف عسكري لمواجهة محور المقاومة
كما بات معروفاً، نجح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في إرغام النظام السعودي على دفع الجزية لقاء الحماية الأمريكية، كما وعد في حملته الانتخابية، عندما طالب السعودية بدفع ثلاثة أرباع ثروتها كبدل عن الحماية التي تقدمها القوات الامريكية لآل سعود داخلياً وخارجياً، ويومذاك، كان قد قال " هل يتخيلون إننا ندافع عن السعودية بكل الأموال التي لديها، نحن ندافع عنها، وهم يدفعون لنا شيئاً، لافتاً الى ان المملكة لديها أموال طائلة، وهي تجني يومياً نصف مليار دولار، وهم لا يملكون شيئاً...إلا المال ولا شئ آخر".
على أي حال، ترامب حلب البقرة السعودية500مليار دولار على شكل عقود واستثمارات تدفعها السعودية على مدى عشر سنوات، منها صفقة عاجلة وقعها ترامب والملك سلمان بمقدار110مليار دولار، وجرى دفع الجزية على وقع الاستقبال المهيب والفخم الذي أعده آل سعود للضيف الأمريكي الذي أهانهم وأذلهم، بل وأكد للعالم عدم شرعيتهم باستمدادهم الحماية الأمريكية ، ذلك ان الحكومات والأنظمة الشرعية تستمد الحماية من الشعب الذي أنتخبها، الآمر الذي يفقده آل سعود ونظامهم.
لنترك الحديث عن الشفط الترامبي للاموال السعودية لحد تجفيف ضرع البقرة السعودية الحلوب كما وصفها الرئيس الامريكي، واسمحوا لنا، بالتركيز على تشكيل أو التأسيس لتشكيل حلف عسكري عربي اسلامي بقيادة السعودية لمحاربة ايران وقوى المقاومة في المنطقة، ذلك كما لاحظتهم ان الملك سلمان والرئيس الأمريكي ترامب، اعتبرا في خطابيهما في القمة العربية الاسلامية.
ان ايران وقوى المقاومة للعدو الصهيوني في المنطقة مصدر( الارهاب)! فالرئيس الامريكي قال...ان ايران تدرب وتسلح الميليشيات في المنطقة، وكانت لعقود ترفع شعارات الموت للولايات المتحدة واسرائيل وتتدخل في سوريا.واعتبر ترامب ان ايران هي الممول الأساسي للإرهاب الدولي" بحسب زعمه مطالباً جميع الدول والشعوب بأنه " يجب عليها بذل جهود مشتركة من أجل عزل ايران"...وداعياً هذه الدول التي حشدها النظام السعودي في تلك القمة الى محاربة الإرهاب، الذي قال انه يمثله ايران وحزب الله وحماس وداعش على حد قوله. أما الملك سلمان فقد جاء حديثه بنفس المضمون اذ قال في القمة " ان النظام الإيراني يشكل رأس حربة الإرهاب العالمي منذ ثورة الخميني وحتى اليوم " على حد زعمه، وأضاف " اننا في هذه الدولة منذ300 عام لم نعرف ارهاباً أو تطرفاً حتى أطلت ثورة الخميني برأسها عام 1979" على حد زعمه . وتابع الملك السعودي هجومه على ايران مبرراً عدائه وهجومه عليها.
وأعلن عن ان هذا الحلف سيؤمن 34 ألف عسكري للتدخل في محاربة الإرهاب في سوريا أو العراق أو ايران عندما تتطلب الحاجة الى ذلك، وفقاً لما قاله عادل الجبير وزير خارجية النظام السعودي.
وفي الحقيقة ان هذا الحلف قائم فعلاً وليس بجديد كما نوضح ادناه، لكن الجديد فيه هو اعادة صياغته وتحديد مهماته وفق الرؤية الصهيونية، وهذا مكمن الخطورة.
الحلف السعودي الأمريكي الصهيوني وايران وقوى المقاومة
لا نجانب الحقيقة اذا قلنا ان التنسيق والتعاون العسكري بين الصهاينة والسعوديين وبعض العرب، وبينهم وبين الولايات المتحدة الأمريكية ومعها الدول الغربية كان قائماً منذ انتصار الثورة في ايران عام1979، حيث اتخذ العدوان على ايران اشكالاً مختلفة لكن أخطر مفاصله كانت العدوان العراقي على ايران الذي استمر8سنوات وتسبب في قتل وجرح الملايين من جيش الطرفين فضلاً عن التدمير الذي لحق بالمدن ، وكان للسعودية ودول الخليج العربية الأخرى دور محوري في دعم النظام العراقي عسكرياً من خلال شراء الأسلحة، فالسعودية وحدها صرفت 84 مليار دولار لصالح النظام العراقي هذا اولاً، وثانياً الحصار الاقتصادي الأمريكي الظالم على ايران، والذي دعمه النظام السعودي بخفض أسعار النفط الى 10دولارات للبرميل الواحد بعد ان كان 40دولاراً عام1986م، من أجل ارغام ايران على الاستسلام، وإسقاط النظام الإسلامي في طهران...وثالثاً لجأ هذا الحلف بعد فشله في محاولات اسقاط النظام في إيران الى القضاء على حزب الله، ويومها بشرت كونداليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية آنذاك بولادة الشرق الأوسط الجديد وذلك في عدوان2006م، وحينها أعلن رئيس الوزراء الصهيوني ايهودا اولمرت في ذلك الوقت، ان بعض الدول العربية تشجعنا وتطلب منا القضاء على حزب الله، وبعد ذلك اعترفوا بأن السعودية هي تطلب منهم ذلك، ودول خليجية عربية أخرى، ولاحظنا في ذلك الوقت أيضاً، كيف ان السعودية حمّلت حزب الله مسؤولية العدوان على لبنان، وكيف حرّم علمائها الوهابيون الدعاء لحزب الله بالنصر...ورابعاً استمر مسلسل التآمر والتحشيد العسكري ضد المقاومة في حلقات متواصلة منها العدوان على غزة في عامي2009، و2012، ومنها غزو العراق في عام 2003 وتدمير الجيش العراقي فيه، ثم اطلاق القطعان التكفيرية في سوريا والعراق وليبيا وحتى مصر، ومحاولة إسقاط النظام في سوريا.. إضافة الى محاولات اثارة الفتنة الطائفية، عبر استهداف الشيعة والسنة...وما يجري اليوم في سوريا والعراق وفي اليمن من حروب محتدمة مع الدواعش والارهابيين وكل التكفييرين الذين رعتهم السعودية وقطر وتركيا ومولتهم ودربتهم واشترت لهم الأسلحة، فيما الكيان الصهيوني دعمهم استخبارياً ولوجستياً واحتضن جرحاهم...كل ذلك، هو استمرار لمسلسل ومفاصل العدوان السعودي الأمريكي الصهيوني على وعي الأمة ومقاوميها...وهذا الجهد المشترك والمتواصل في العدوان على قوى المقاومة يؤكد الترابط الجدلى بين أهداف ودوافع قوى العدوان، فالنظام الصهيوني بات قلقاً ومتخوفاً من تكرس المشروع الاسلامي في المنطقة نتيجة تجدر مشروع المقاومة ولذلك يؤكد مسؤولوه دائماً ان حزب الله هو أخطر منظمة على وجود ومستقبل الكيان الصهيوني ، أما النظام السعودي، فهو يرى ان تهديد مشروع المقاومة للعدو الصهيوني، يعني تهديداً لوجوده أيضاً باعتبار ان كلا الكيانين يرتبط وجود أحدهما بالآخر، بالإضافة الى ان النظام السعودي يتخوف ويقلق من النموذج الذي كرسته التجربة الديمقراطية في ايران، باعتبار ان هذا النموذج بات مصدر الهام للشعوب العربية والإسلامية التي تأن تحت نير عبودية أنظمة دكتاتورية عسكرية وقبلية متخلفة من أمثال النظام السعودي ومن على شاكلته :
الجديد في الحلف العسكري الجديد
لا نبالغ اذا قلنا ان الصهاينة وصلوا الى قناعة تامة بعد فشل كل مسلسل العدوان باشكاله المختلفة والتي أشرنا الى بعضها قبل قليل في ايقاف أو كبح مشروع المقاومة، على العكس تماماً، ان هذا المشروع يزداد قوة وتهديداً للعدو بعد كل جولة حرب معه، وبالتالي يرى الصهاينة انه أضحى من المستحيل القضاء على هذا المحور في ظل تصاعد قوته العسكرية وتجذر مشروعه الآيديولوجي في بيئة الأمة الاسلامية، الشعوب العربية منها على وجه الخصوص ولذلك رأي الصهاينة ان المشروع البديل الذي يمكن مواجهة محور المقاومة به هو تحشيد أتباع المذاهب السنية في مواجهة أتباع المذهب الشيعي، ولكن بهيكلية جديدة، لأنه كما قلنا فشلت امريكا والكيان الصهيوني في اثارة الفتنة ودفع الأمور الى الحرب المذهبية، انطلاقاً من العراق، ومن ثم سوريا، وحالياً من اليمن، بسبب وعي الأمة، والملاحظ ان نتنياهو وبقية المسؤولين الصهاينة، منذ اربع سنوات أو اكثر وهم يصرحو ن باستمرار حول ضرورة التخندق السني والتحالف مع الصهاينة وامريكا في مواجهة قوى المقاومة وايران الشيعية، وقد بلور الصهاينة مشروعهم لترجمة مفاصله على أرض الواقع وفق تصورنا كالأتي.
1- ان تتولى السعودية زعامة العالم السني، باعتبارها حاضنة الحرمين الشريفين ومهبط الرسالة المحمدية، فهي القادرة على إشعال تلك الحرب في المنطقة، وخطى الكيان الصهيوني ومعه أمريكا تنسيقاً وتعاوناً، عدة خطوات في هذا الاتجاه منها :
• حملة تحريض صهيونية غربية سعودية ضد الشيعة على الصعد الثقافية والمذهبية والاعلامية، سُوقت فيها مقولات خطيرة منها ان الشيعة يستهدفون تشييع السنة، والقضاء على السنة !! ومنها، ان ايران تريد القضاء على العرب السنة بما يسمونه تمددها السياسي والعسكري في البلدان العربية.
• تضخيم وتسويق مقولات مفبركة ومختلقة حول ممارسات الحشد الشعبي العراقي ضد السنة، وحول تهديد حزب الله للطائفة السنية في لبنان، وتهديد المد الحوثي للمذاهب السنية في اليمن والدول العربية المجاورة.
• شن السعودية عدوانها على الشعب اليمني بحجة القضاء على ما يسمونه النفوذ الإيراني والقضاء على الحوثيين الذين يزعمون انهم يشكلون رأس الحربة الإيرانية والشيعية في اليمن!!
• تظهير التعاون والتطبيع بين السعودية والكيان الصهيوني، ونقله من الحالة السرية طيلة العقود الماضية الى الحالة العلنية، وهو ما يجري على قدم وساق.
• تولي أميركا تأكيد بل وفرض زعامة السعودية للعالم السني من خلال زيارة ترامب للرياض ودعوة هذا الجمع من المسؤولين العرب والمسلمين الذين يمثلون55 دولة عربية واسلامية، والطلب منهم التخندق وراء السعودية وأمريكا في مواجهة ايران وحزب الله وباقي قوى المقاومة في المنطقة.
والى جانب هذه الخطوات، بدأ النظام الصهيوني يطرح بعداً آخر من أجل ضمانة التحشيد السني ضد الشيعة، وهو البعد المهدوي في الصراع، فالعدو يدرك جيداً ان مشروع المهدي (ع) سوف ينهى وجوده، وبحسب تعاليمهم التلمودية والتوراتية ، فأن ظهور الحجة (ع) بات قريباً، ولذلك فان الغزو الامريكي للعراق عام 2003م، كان أحد دوافعه عرقلة ظهور المهدي (ع)، وهذا ما تعرض له كتاب " الدور الصهيوني في احتلال العراق " لمؤلفه مهدي حسن الخفاجي، والذي نشره مركز دراسات العراق في عام 2008م فالصهاينة اليوم، وعلى ما يبدو يلفتون آل سعود ومن على شاكلتهم، بأن الشيعة يمهدون لظهور المهدي (ع)، الذي سوف يقضي على آل سعود والانظمة الدكتاتورية الأخرى ولابد من الوقوف بوجه هذا الجهد، وما يؤشر الى الفزع السعودي من هذه الأفكار، هو ما صرح به محمد بن سلمان في حديثه الأخير للتلفزة السعودية، بالقول " كيف نتحاور مع ايران، وهم يمهدون لظهور المهدي (ع) ؟ "، رافضاً التحاور مع الإيرانيين بسبب تمهيدهم لظهور المهدي (ع)؟ " بحسب قوله.
ولعل هذه الرؤية التي أشرت اليها هي التي جعلت الكاتب البريطاني المعروف في صحيفة الانديبندنت روبرت فيسك، يقول في مقالة له في الصحيفة المذكورة يوم20/5/2017" ان هدف زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الى السعودية، يتمثل بالتحضير لحرب مذهبية بين دول الشرق الاوسط السنية، وايران الشيعية بمساعدة اسرائيل"
عبدالعزيز المكي