القمة الخليجية الأمريكية ما بين أوباما وترامب

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 3053
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

د. العربي بجيجة
بين آخر قمة خليجية /أمريكية المنعقدة في نهاية الفترة الرئاسية للرئيس الأمريكي الأسبق بارك أوباما، وأول قمة خليجية/ أمريكية في عهد الرئيس الحالي دونالد ترامب، تكمن مفارقات كبيرة، سواء من حيث توقيتها أو من حيث مستوى الاستقبال المخصص لكلا الرئيسين، أو من خلال الحضور الدولي المشارك في القمة من الدول العربية والاسلامية، الذي سيصل حوالي 50 دولة حسب ما هو مسطر في برنامج القمة.
أولا: القمة الخليجية الأمريكية خلال عهد أوباما: تصريف للحسابات الاقليمية
انعقدت القمة الخليجية/الأمريكية قبل سنة في شهر أبريل 2016، خلال عهد الرئيس الأمريكي الاسبق باراك أوباما في أجواء يغلب عليها التوتر بين الجانبين (السعودي والامريكي)، كان من أبرز تجلياته الفتور المصاحب للعلاقات بينهما قبل انعقاد القمة، كرسه مستوى الاستقبال البسيط لأوباما بدون حضور العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز، في خرق واضح للبروتكول الرئاسي وعلى غير عادة العاهل السعودي في استقبال ضيوفه من قادة وزعماء الدول، وخاصة رئيس أقوى دولة في العالم الولايات المتحدة الأمريكية.
تعمقت فجوة العلاقة بين الجانبين بفعل ما أثارته طبيعة الاستقبال السعودي الباهت للرئيس الامريكي باراك أوباما، دفع الادارة الأمريكية السابقة إلى التعامل معه بالمثل من خلال الاستمرار في تكريس سياستها الرامية إلى سحب البساط من تحت أقدامها، في كل ما يتعلق بالشأن الاقتصادي والسياسي التي كانت تشكل فيه المملكة السعودية قطب الرحى لعقود من الزمن، بالنظر إلى مستوى العلاقات المتميزة بين الجانبين لأكثر من ثمانية عقود من الزمن.
تزامن هذا الوضع مع الانتخابات الرئاسية الامريكية، التي قادت الرئيس الحالي “دولاند ترامب” إلى البيض الابيض، بعد أن كانت تدعم المملكة السعودية وحلفائها بالمنطقة وخارجها المرشحة عن الحزب الجمهوري “هيلاي كلنتون”، غير أن ما حصل خلال فترة السنة من تنظيم القمة الخليجية/ الامريكية السابقة بين أبريل 2016 وماي 2017، يطرح أكثر من سؤال وفي أكثر من موضع وعلى مستويات عدة، من التغير الحاصل في الموقف الأمريكي في علاقاته الاستراتيجية مع المملكة السعودية، أم أن ذلك لم يكن سوى محاولة لاستمرار في إغراقها في مستنقع الصراعات الاقليمية السياسية والعسكرية والعقائدية، بتمويل من هذه الأخيرة وبإشراف من أميركا وحلفائها بالمنطقة، وكأنه توجه آخر يعكس بكيفية أو بأخرى صناعة الولاء لخدمة أجندة وأهداف مشتركة، ترمي من بين ما ترمي إليه الاستمرار في تكريس سياسة الحروب ومقاربات إضعاف دول وكيانات المنطقة، باعتبارها نزعة تاريخية تحكم قادة ومفكري الحزب الجمهوري في الولايات المتحدة الأمريكية.
ثانيا: القمة الخليجية الأمريكية في عهد ترامب محاولة تودد لها ثمنها
لم تكن زيارة الرئيس الامريكي دولاند ترامب وما عرفته من حفاوة استقبال في مطار العاصمة السعودية الرياض، سوى انعكاس لعدد وحجم الزيارات التي قادها صناع القرار السعودي إلى الولايات المتحدة الأمريكية، خصوصا بعد تصدر الرئيس الامريكي الحالي دولاند ترامب للانتخابات الأمريكية، في وقت دعمت السعودية وحلفاؤها في الشرق الاوسط وشمال أفريقيا للمرشحة الديمقراطية هيلاري كلنتون، شكل انهزام الاخيرة فرصة لاعادة بناء العلاقة مع الحزب الجمهوري على أنقاذ تأزم العلاقات في عهد الرئيس الامريكي الاسبق باراك أوباما.
شكلت زيارة دولاند ترامب أول زيارة خارجية له قادته نحو المملكة السعودية، وإن كانت تحمل ددلات ومعاني كبيرة قد تحد من الانتكاسة في العلاقات خلال السنوات الاخيرة من حكم سلفه باراك أوباما، من شأنها خلق تحول في العلاقات بين الدولتين، بما يخدم توجهاتهم وأهدافهم، فإنها في المقابل تحمل عبء اقتصادي متزايد من شأنه أن يساهم في انهيار الاقتصاد السعودي ويؤزم من وضعه، خاصة بعد المؤشرات المصاحبة للإعلان عن المخطط التنموي “رؤية 2030″.
إن التحرك الدبلوماسي المكثف والجولات المكوكية على العاصمة الأمريكية واشنطن، من قبل الدبلوماسيين ورجال الأعمال السعوديين، خلال فترة إعلان النتائج الانتخابية الرئاسية وبعد تولي الرئيس ترامب لمهامه الرئاسية خلال شهر يناير 2017، كان لها وقعها في اتخاذ هذا الأخير قراره بجعل المملكة السعودية أول محطة خارجية له، خصوصا وأن الاتفاقيات الاقتصادية المتوافق في شأنها قبل عقد القمة الأمريكية الخليجية الحالية، كانت بمثابة “سك وثمن” لهذا القرار شمل مجموع قيمتها المالية 500 مليار دولار أمريكي، ارتبطت 200 مليار دولار منها كاستثمارات في المجال الاقتصادي والبنيات التحتية، في حين خصص 300 مليار دولار أمريكي للمجال العسكري.
استقبل الرئيس الأمريكي “دولاند ترامب” يوم السبت 20 ماي 2017 في مدينة الرياض، في استقبال يمكن وصفه بالكبير والفخم مقارنة مع الاستقبال الذي خصص لسلفه بارك أوباما خلال شهر أبريل من السنة الماضية، يعكس توجه الادارة الامريكية الحالية استمرار تعزيز العلاقات بينهما، حيث تميز حفل الاستقبال تكريم العاهل السعودي للرئيس الامريكي “دولاند ترامب” بتقليده وسام الملك عبد العزيز، بالإضافة إلى تنظيم مأدبة غذاء على شرفه، كما سيتميز يوم غد الاحد 21 ماي 2017 عقد قمة عربية اسلامية بحضور رؤساء وممثلي ما يقارب 50 دولة، وعقد لقاءات ثنائية بين قادة البلدان المشارك في القمة ونظرائهم من مسؤولين أمريكيين، وكذا تنظيم ندوات ومأدبة عشاء على شرف الحضور، كما ستختتم القمة في دراسة معمقة للوضع بالمنطقة (الارهاب، مستقبل الصراع في سوريا واليمن، نقاش التهديد الايراني والمسألة النووية…).
إن ما يمكن إثارته في هذا الجانب من أن السياسة الامريكية وتوجهاتها كما هو معتاد منذ عقود، لا ترتبط أبعادها الاقتصادية والسياسية بطبيعة الرؤساء أو بفرق عملهم، بقدر ارتباطها بتوجهات مستقبلية تقاس بعقود من الزمن يتداخل فيها البعد الجيوسياسي وبالتاريخي بالاجتماعي بالاقتصادي بالسياسي بالثقافي، يشرف على اعدادها خبراء من مجالات مختلفة، تسهر الفرق والأطقم الرئاسية في مجال الأمن القومي والخارجية والدفاع والاقتصاد، على تفعيلها وتحيينها بما يتوافق مع المتغيرات الدولية كلما تطلب الأمر ذلك.
تأتي زيارة الرئيس الامريكي ترامب عشية الاعلان عن نتائج الانتخابات الايرانية بفوز الرئيس روحاني لولاية ثانية، سيستمر خلالها في نهج سياسته المعتمدة في مستوياتها الاقليمية، الجهوية والدولية، بما يخدم الحفاظ على مصالح إيران الاستراتيجية، في مجال تدعيم قدراتها النووية والعسكرية والاقتصادية التي ستنعكس على البعد السياسي والدبلوماسي مع حلفائها بالمنطقة وخارجها. ارتبطت أساسا مع التدخل الروسي في سوريا ، الذي لعب دورا فعالا في تغيير السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، وفي حفظ مكانة روسيا في المنطقة أضعاف بالمقابل حضور بعد الدول الأوروبية في الشرق الأوسط كفرنسا، ساهم ذلك بشكل أو بآخر في إعادة النظر في حسابات الاطراف الدولية بالمنطقة.
لا يمكن قراءة زيارة ترامب للمملكة السعودية بعيدا عن جولته الشرق أوسطية، التي ستقوده بعد ذلك لفلسطين المحتلة لقيادة بوادر ومساعي جديدة قديمة، للمساعدة في إيجاد تسوية وحل ينهي حالة الاحتلال الاسرائيلي للأرض الفلسطينة المقدسة، وإن كان لا يخفي دعمه الكبير للصهاينة كان من نتيجته البارزة دعمه لإقامة سفارته في القدس المحتلة. بما يشكل من استفزاز لمشاعر المسلمين يوازيه صمت عربي وإسلامي مخزي من قضيتهم الأولى، لم تعد تحظى في سلم أولوياتهم أكثر من شماعة تعلق عليها بعد الانظمة مصالحها السياسية والاقتصادية، كثمن “لتطبيعهم الخفي” مع الصهاينة لكسب ودهم وود الولايات المتحدة الامريكية، باعتباره (الكيان الصهيوني) أصبح رقما أساسيا في رسم وترتيب المعادلة الشرق الاوسطية، خصوصا بعد إضعاف الدولة السورية والدولة المصرية والدولة اليمنية وتفتيت العراق قبل ذلك، في حين يتجهون اليوم لشن حرب على إيران بوسائل سياسية اقتصادية تمهيدا لإنهائها بالوسائل العسكرية في مرحلة متقدمة بعد ذاك.
باحث مغاربي