السعودية و حكاية نظام الانذال
أحمد الحباسى
هناك سؤال ملح يطرحه المتابعون منذ فترة و لا يجد جوابا مقنعا رغم ما تعج به الساحة الاعلامية العربية من محللين و خبراء عسكريين و خبراء فى الاستراتيجيات السياسية، هذا السؤال مفاده لماذا دخل النظام السعودى فى حربه الدموية على سوريا و العراق و اليمن؟؟ و لماذا سخر النظام كل أمواله النفطية لتمويل هذه الحروب العبثية التى يعلم الجميع أنها لن تربح النظام شيئا بل ستزيد من ارتفاع منسوب الكراهية ضده فى كل الدول العربية؟؟
يقول بعض المحللين فى محاولتهم تفسير هذا التخبّط العشوائى السعودى أنه من متطلبات العلاقة التى يرتبط بها النظام مع اللوبى الصهيونى فى أمريكا و من متطلبات رغبته فى اقامة علاقات متينة مع العدو الصهيونى، طبعا لا بد من التذكير أن انخراط النظام فى هذه العلاقة الاثمة ليس وليد اللحظة و ليس من متطلبات مشروع الفوضى الخلاقة التى حاول بوش استثمارها لضرب البنية العراقية فى كل عناوينها العسكرية و العلمية و الاقتصادية بالخصوص بل هو انخراط سابق فى الزمان و يرجع الى فترة حكم الملك فيصل و ربما الى ما قبل تلك الفترة .
فى الحقيقة علاقة ال سعود بال صهيون ليست سرية و هى مدار ابحاث و دراسات كثيرة تناولتها وسائل الاعلام العالمية و هذه الابحاث تقول أنه كان للملك عبد العزيز الفضل فى اخماد الثورة الفلسطينية فى بدايتها سنة 1936 و أن هناك عدة وثائق بريطانية تؤكد هذا الدور المتآمر و بإمكان المتابعين الاطلاع عليها فى كتاب “شبه الجزيرة العربية فى عهد الملك عبد العزيز ” للكاتب خير الدين الزركلى.
هنا يجب التذكير أن الشعب الفلسطينى قد تفطن مبكرا للدور السعودى الصهيونى البريطانى المشبوه و كانت هناك عدة كتب و دراسات منشورة تفضح هذا الدور و تشير بأصابع الاتهام للملك عبد العزيز كعميل درجة اولى خدم بداية انطلاق المشروع الصهيونى فى توطين اليهود فى ارض فلسطين المغتصبة كما تؤكد عدة وثائق أن الملوك السعوديين قد باركوا سقوط القدس فى يد الصهاينة حتى تصبح الكعبة هى مزار العرب الوحيدة و هو ما سيدر اموالا خيالية على النظام و هذه المباركة اللئيمة لم تكن الا أحد أكبر المواقف السعودية دناءة و سقوطا تلتها محاولة ارهاق النظام المصرى فى حرب اليمن حتى فقد الجيش المصرى كل مقومات صموده فى حرب 1967 التى اعتبرها ال سعود لحظة فارقة للتخلص من الزعامة المصرية و من الرئيس عبد الناصر شخصيا.
الى حين اطلاق السعودية لمبادرة الملك عبد الله للسلام فى مؤتمر القمة المنعقد فى بيروت سنة 2002 كانت العلاقة بين ال سعود و قيادات “اسرائيل” الارهابية تتراوح بين نصف العلن و نصف السرية و السرية الكاملة لكن الجميع يعترفون اليوم انه بداية من سنة 2006 قررت المملكة كشف كل الاقنعة الزائفة و الدخول فى علاقة علنية مع الصهيونية مع ما تتطلبه الامر من اعلان الوليد ابن طلال نفسه ان “اسرائيل” لم تعد العدو و اعلان الملك عبد الله بأن الدول العربية مستعدة للقبول بالصلح مع “اسرائيل” دون ضمانات مسبقة، هذا الانخراط السعودى الكامل كشفته وثائق ويكيليكس الشهيرة حين تحدثت عن مقال للأمير نايف بن عبد العزيز طالب فيه القيادة السعودية بضرورة تقوية العلاقات مع الكيان الصهيونى مع تقديم ايات المديح للقيادة الصهيونية التى كانت تقوم فى تلك الفترة بالذات بهجومات مدمرة على القطاع تسببت فى استشهاد عدد كبير من الاطفال و النساء و الشيوخ.
من الضرورى الحديث على أنه بقدر تقرب ال سعود علنا من الصهاينة منذ 2006 فقد تزامن ذلك مع بداية اعلان العداوة السعودية مع النظام السورى و لعل ما يتحدث عنه البعض من مساهمة النظام السعودى فى عملية اغتيال رفيق الحريرى بالاشتراك مع الموساد الصهيونى و بعض الاجهزة الغربية الامريكية و الفرنسية التى ارادت ضرب الاستقرار فى لبنان لتسهيل عملية اسقاط التفاهم السورى اللبنانى و اخراج القوات السورية من لبنان حتى يسهل ضرب البنية التحتية العسكرية لحزب الله بالإضافة الى أن صدور القرار الدولى 1559 و ما حكى عن تآمر الحريرى و السعودية و فرنسا لفرض حالة من الامر الواقع على الرئيس السورى لإجباره على اخراج قواته من لبنان قد شكل بداية الحرب المعلنة سعوديا و اسرائيليا على سوريا .
عندما اعلن الرئيس بوش عبارته الشهيرة ” من ليس معنا فهو ضدنا ” عقب هجمات 11 سبتمبر 2001 كان لافتا ان النظام السعودى قد سارع بإعلان تأييده لكل الخطوات العسكرية الامريكية لضرب العراق ، هذه الخطوة السعودية المنتظرة بعد تنامى العلاقات مع “اسرائيل” جاءت لتؤكد مرة أخرى انخراط النظام فى الرؤية الامريكية للمنطقة و التى تعتبر أنه قد أصبح من المفروض التخلص من كل الانظمة العربية المشاغبة و على رأسها العراق و سوريا و ايران ، انخراط فرض على النظام اطلاق حملة اعلامية غير مسبوقة ضد القيادة العراقية الجديدة و ضد الرئيس السورى بشار الاسد و ضد الجمهورية الاسلامية الايرانية تحت ذريعة موضوع النووى كما فرض عليه تقديم الدعم السياسى الكامل لضرب حزب الله عن طريق حرب 33 يوما الصهيونية التى وجدت دعما كاملا من الجامعة العربية برئاسة العميل عمرو موسى، لكن مع بداية هبوب رياح الثورات العربية فى المغرب العربى و فى اليمن استشعر النظام المارق الخطر و كان منتظرا ان يوجه قوته النارية الجوية ضد الاطفال و الشيوخ و النساء بواسطة جيش من الانذال ارتكبوا مجازر وحشية مروعة لا تقل فظاعة عن المجازر الصهيونية لكن من الواضح اليوم أن النظام قد فقد فى اليمن اخر ورقة توت كانت تستر بعض عوراته .
لعل الفشل السعودى فى اليمن رغم عدم توازن القوى العسكرية قد احبط نظام الانذال فى السعودية و لعل النظام اليوم يبحث عن الطريقة المناسبة للخروج من الدوامة اليمنية بعد مقولة “الثورات لا تقهر” هى من المقولات الثابتة التى لم يدمرها اعصار التاريخ على مر العصور ، أيضا يمكن القول اليوم ان الشعب اليمنى قد قدم درسا نفيسا للأمة العربية سيبقى فى الذاكرة و الوجدان بعد أن تمكن هذا الشعب من تلقين القوات و النظام السعودى دروسا قيمة و غير مسبوقة فى التمسك بالأرض و العرض بل هناك اليوم من لم يصدق الانتصار اليمنى و السورى نتيجة ما وفره نظام الانذال و العدوان من مليارات و اسلحة و ابواق اعلام لربح معركة ارادها الصهاينة ان تكون بيد سعودية ماكرة لكن الايادى السورية اليمنية تمكنت من قطعها هذه المرة لتؤكد ان خيار الشعوب لا يقهر و ان “اسرائيل” و السعودية تبقيان اوهن من بيت العنكبوت .